نيسان الشرق العظيم

نيسان الشرق العظيم

في الأول من نيسان كل عام، تحتفل العديد من شعوب الشرق العظيم بعيد أكيتو – رأس السنة الآشورية الجديدة (6770 عام آشوري) امتداداً لتقاليد قديمة تعود إلى آلاف السنين في بلاد ما بين النهرين.

تقويم الشرق القديم

عرفت الحضارات القديمة هذا التقويم في بلاد سومر وبابل وآشور وأوغاريت وإيبلا وماري وتدمر ودمشق، وانتقل مع العرب فيما بعد إلى الأندلس. وما زال يُحتفل به إلى اليوم في الساحل السوري، ويعرف باسم عيد الرابع الذي يحتفل به على مدى ثلاثة أيام، وتقام الاحتفالات السنوية في الجزيرة السورية ودمشق وحلب أيضاً. احتفل به السوريون القدماء بوصفه يوم رأس السنة، وموعد هبوط «عشتار» إلى العالم السفلي لإنقاذ «تموز» أي: «الخِصب».
عرف هذا العيد باسم رأس السنة أكيتو عند السومريين والأكاديين، وكان يبدأ قديماً يوم 12 آذار لمدة اثني عشر يوماً حتى الأول من نيسان، متزامناً مع موعد بذر وحصاد الشعير والقمح والحبوب المختلفة والخضراوات. وحسب علم الأثار واكتشافاته في سورية والعراق، بدأ أول احتفال بعيد أكيتو على شكل عيدٍ للحصاد الزراعي، على مرحلتين في السنة الواحدة، في نيسان وتشرين الأول. ثمّ تحول من عيد نصف سنوي إلى عيد سنوي للسنة الجديدة، وفي فترة يكون فيها الليل والنهار في حالة توازنٍ تام مع بعضهما البعض، حيث الاعتدال الربيعي وأول ظهور للقمر الجديد في الربيع.

رأس السنة الآشورية

لعبت الأساطير دورماً هاماً في حياة شعوب الشرق القديم، ولا سيما في بلاد ما بين النهرين، وكانت عند قدماء الآشوريين وغيرهم بمثابة محاولة فلسفية مبكرة لتفسير ظواهر الطبيعة.
وطبع الآشوريون القدماء الظواهر الطبيعية والاجتماعية بطابع أسطوري مرتبط بغايات الإنسان القديم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع، وعكست تصور الآشوريين للتاريخ والظواهر ذات التأثير المباشر على الحياة والنشاط الزراعي والإنسانَ بوضع أول تقويم سنوي. وشكَّل ذلك التقويم مرحلةَ انعطاف كبيرة وهامة في حياة المجتمعات القديمة؛ إذ كان بداية تكوين ذاكرة الإنسان التاريخية. فالتقويم الآشوري ليس مجرد تأريخ لوقائع وحوادث تحدث في المجتمع أو تدوين لظواهر طبيعية، بل هو كذلك إنجاز علمي هام حقَّقه إنسان ما بين النهرين في مجال العلوم الطبيعية وعلم الفلك والفلسفة.
احتفل الآشوريون بهذا العيد منذ القِدم، وكانت تقام احتفالات شعبية في الطبيعة حسب التقاليد الآشورية القديمة، يصحبها تقديم القرابين للآلهة والهدايا للملوك وإقامة شعائر احتفالات زواج جماعي، وتنظيم المهرجانات الفنية والتراثية، من غناء ودبكات وغير ذلك.

الأساطير السومرية - البابلية

تشكل ملحمة الخلق والتكوين البابلية إينوما إيليش محور الميثولوجيا الآشورية، التي تمحورت حول ثلاثة محاور أساسية هي: التكوين (الخلق) والآلهة والإنسان. وكانت هذه الأسطورة التي كُتِبَتْ باللغة الأكادية في أواسط القرن الثاني عشر ق. م -و«تمثيلها» من الطقوس الأساسية لاحتفالات رأس السنة الآشورية (الأكادية)- على أن تكوين الإنسان جاء بقرار إلهي في إطار تنظيم العالم الجديد الذي نشأ مع اندحار قوى العماء والفوضى والشر. وهي تفصح عن المضامين الدينية والميتافيزيقية لطقوس احتفالات الآشوريين قديماً في نيسان بعيد أكيتو.
وتحدثنا هذه الأسطورة، عن احتفالات نيسان وكيف كانت تتسنم ذروتها مع تتويج مردوخ ملكاً -إلهاً على الكون- هذا الإله الذي عبده الآشوريون في شخص الإله آشور، إلههم الذي برز كـ «مخلِّص» عظيم للإنسان. كما تروي ملحمة غلغامش البابلية، التي تعود إلى العام2650 ق. م وتُعتبَر من أقدم نماذج الأدب الملحمي في تاريخ الحضارات، كيف انطلق غلغامش باحثاً عن سرِّ الخلود الذي استأثرت به الآلهةُ منذ اللحظات الأولى للخليقة وحرمتِ الإنسانَ منه.
عكست الأساطير البابلية والآشورية جدلية الموت والانبعاث في بلاد ما بين النهرين، كما عكستها الأساطير والملاحم القديمة في سومر وبابل وآشور، من خلال موت الآلهة وانبعاثها: سبات الطبيعة في فصل الشتاء وانبعاثها في فصل الربيع من جديد؛ وكذلك من خلال الصراع بين الخير والشر، وعلاقات الحب والتزاوج بين الآلهة، كما في أسطورة تموز وعشتار.
وقديمًا لخّص الأول من نيسان، بما يحمله من دلالات – دينية، فلسفية، علمية- قصة الخلق والتكوين، وهو ينطوي اليوم، بما يحمله من قيم ودلالات حضارية وخصوصية تاريخية واجتماعية، عيدًا يؤكد اعتزاز الإنسان بانتمائه إلى تاريخه والتطلع إلى مستقبل زاهر مشرق لجميع شعوب المنطقة.
أكيتو، هو عيد رأس السنة عند العديد من شعوب الشرق كالسريان والكلدان والآشوريين وغيرهم ويحتفل به في عدة بلدان مثل: سورية والعراق. وكانت السنة السورية القديمة أو السنة البابلية تبدأ في الأول من نيسان «نيسانو في اللغة الكنعانية الفينيقية والآرامية». ويذكر أن تأريخ السومريين كان يعتمد على عدة عناصر طبيعية، وأهمها: القمر، وكان شهر نيسان يبدأ بحسب التقويم بليلة الاعتدال الربيعي، واختلف العلماء حول أصل التسمية «أكيتو»، غير أنّ أصل الكلمة هو «يوم الخصب» لأنه في الأساس هو عيد زراعي مرتبط بموسمي البذار والحصاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
960
آخر تعديل على الإثنين, 01 حزيران/يونيو 2020 14:55