«العلاقات العامة» تخيّب أمل الكيان الصهيوني

«العلاقات العامة» تخيّب أمل الكيان الصهيوني

منذ نشأة مفهوم العلاقات العامة بمفهومها المعاصر، تم تكريس قناعة مفادها: أن خبراء وفرق العلاقات العامة قادرون على تحسين صورة أية مؤسسة أو شركة، عبر تنفيذ إستراتيجية محددة تتضمن عدداً من الخطوات والإرشادات التي تنص على (افعل ولا تفعل)، أو بكلمات أخرى؛ سلوكيّات يجب فعلها، وأخرى يجب تجنبّها تماماً. وبالتالي، وبناءً على وجهة النظر هذه، الأمر برمته مُرتبط بالعلاقات العامة ومدى جودتها، أي لا يهم ما هو الوجه الحقيقي للعميل، سواء كان شركة أو رئيساً أو بلداً، بل المهم فقط هو توظيف الأشخاص الأكفاء القادرين على ترقيع ما يمكن ترقيعه وإخفاء ما يمكن إخفاؤه للخروج في النهاية بوجهٍ جديد، مزيّف لكن جذّاب. وتجربة الكيان الصهيوني المؤمن جداً جداً بأهمية العلاقات العامة، وجدواها، تجربة تستحق التأمل في هذا المضمار.

الكيّان الصهيوني يحتاج العلاقات العامة بشدة!

على صعيد عالمي، يعيش تخصص العلاقات العامة في الظاهر ازدهاراً أكثر من أي وقت مضى، إذ يرى البعض أن حجم صناعة العلاقات العامة في الولايات المتحدة لوحدها بلغ 20 بليون دولار عام 2020. ويتم تبرير هذا الاتساع بكون حاجة «السوق» باتت أكبر لهذا النوع من الخبراء أو الشركات التي تقدم خدمات مثل هذه.
أما في الكيان الصهيوني، فيطلق على هذا النوع من التخصص اسم «الديبلوماسية العامة في إسرائيل» أو «هاسبارا» التي تعرّف بكونها «الجهود التي تسعى إلى نشر المعلومات الإيجابية حول دولة «إسرائيل» وأفعالها. وتشير المرجعيّات أن استخدام هذا المصطلح بدأ بالظهور على الصحف الأمريكية المطبوعة كواشنطن بوست ونييوز وييك، وقُصد بها إعادة تشكيل صورة الكيان الصهيوني خلف البحارـ وبعد ذلك ظهر ما يسمى «مشروع هاسبرا» الذي تضمن تدريب كوادر معينة بإشراف شركات أمريكية متخصصة في السبعينات والثمانينات، لتعمل فيما بعد ضمن وزارة الخارجية التابعة للكيان الصهيوني وغيرها من المؤسسات والوزارات.
وتضمن عمل هذه الجهة الضغط على قواعد بيانات، كموقع ويكيبيديا مثلاً لتقديم ما أسموه «صورة عادلة عن «إسرائيل» وتضمن عملهم أيضاً إنتاج مطبوعات كدليل: «المناصرة «الإسرائيلية» دليلك للنزاع في الشرق الأوسط». ومنذ 2009 وما تلاه، بدأت هاسبرا بتجييش أشخاص يشاركون في تعليقات إيجابية حول الكيان الصهيوني ويدافعون عنه ضمن ما بات يعرف بحرب الإنترنت. خاصة وأن السياسيين في الكيان الصهيوني كانوا متخوفيّن من تنامي تيار عصري وداعم للقضية الفلسطينية في الخارج، قوامه «الشباب والفوضويون والمهاجرون والناشطون السياسيون المتطرفون». والملاحظ عموماً، أن أنشطة البروباغندا الخاصة بالكيان الصهيوني تستهدف بشكلٍ أساسي الرأي العام الأمريكي، وتسعى إلى التأثير به عبر السيمينرات والندوات وتقديم الدعم المادي للانتخابات، إلى جانب استهداف الصحفيين والمصورين والكتاب ضمن ورشات عمل خاصة. وعموماً تستهدف هذه الجهود الإعلامية، تقديم الصراع العربي «الإسرائيلي» من منظور «المواطن الإسرائيلي العادي» وتولي أهمية خاصة للمصطلحات المستخدمة، فعلى سبيل المثال وضمن الانتفاضة الفلسطينية الثانية: تم التركيز على ضرورة استخدام الصحفيين لمصطلح الشباب الفلسطيني بدلاً من الأطفال الفلسطينيين.
وعند الدخول للموقع الرسمي لما يعرف ب برنامج زمالات هاسبرا، الذي يدرّب الطلاب على مهارات مناصرة قضية الكيان الصهيوني والتصدي لحملات المقاطعة له، يمكن قراءة الإحصاءات التي تقول بأن البرنامج ومنذ تأسيسه عام 2001 نجح في تدريب أكثر من 3000 طالب في أكثر من 250 حرم جامعي في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا. ويتضمن هذا البرنامج أخد الطلاب في زيارات ميدانية لفلسطين المحتلة، ومن ثم يطلب من طلابه توظيف خبراتهم المكتسبة حديثاً في تلميع صورة الكيان ضمن المجتمعات الذي يتحركون ضمنها.
أما «ائتلاف متطوعي هاسبرا» الذي يعمل بمثابة مظلة لتنسيق العمل والجهود فيما يخص مناصرة الكيان الصهيوني والتصدي لما يسمونه بـ «السلبية الإعلامية» تجاه الكيان فيضم ضمن صفوفه عدداً خرافياً من الجماعات الفاعلة على الأرض، أو على الإنترنت تصل إلى ما يقارب 113 جماعة في كل من البرازيل ونيجيريا، وأستراليا وكندا، فلندا، فرنسا، ألمانيا، وهولندا، البيرو، وأمريكا، وبريطانيا.

خطة إنقاذ جديدة في العلاقات العامة

في الأسابيع القليلة الماضية، نشرت مقالات ضمن صحفة ناطقة بلسان الكيان الصهيوني كـ «أورشليم بوست» تناقش مواطن الخلل في الهاسبرا، أو نهج العلاقات العامة الخاص بالكيان الصهيوني. يجادل أحد الصحفيين بالقول: إن وجهة نظر الفلسطينيين في الصراع العربي «الإسرائيلي» أسهل وأبسط لأنها قائمة على مقولات من قبيل: «إسرائيل تهاجم غزّة وتقصف الأطفال وتهدم البيوت» وبالتالي لا بد من تغيير «النهج الإسرائيلي القائم الدفاعية وطلب الشفقة، والانتقال لموقف الهجوم».
يشير الكاتب فيما بعد لما يسميه «الهجمات الإرهابية» في دول أوروبية مختلفة، ويرى فيها- رغم الحزن الذي تولدّه- فرصة لا بد من اغتنامها. يقول في هذا الصدد: «رسالتنا يجب أن تحمل لهجةً قاسية تقول للعالم: إن لم تقفوا في صفّنا فسيصل الإرهاب إلى عتبة بابكم؛ فحماس الخاصة بنا هي داعشكم». ويكمل الكاتب سرد خطته الجديدة بالقول إن «الإسرائيليين يعرفون تماماً كيفية التعامل مع الإرهاب فهم يقومون بهذه المهمة منذ 73 عاماً.

ثغرة في خطة العلاقات العامة

قبل أيام نشرت شبكة القدس الإخبارية فيديو يصوّر مسيرةً لرفع راية الكيان الصهيوني ضمت مواطنين «إسرائيليين» ساخطين بينهم عدد كبير من الأطفال الذين يصرخون بشعارات عنصرية ومليئة بالكراهية، مثل: «الموت للعرب»، و«العربي الجيّد هو العربي الميّت في القبر». في الفيديو المسجل يسمع أحد المحتجين يتوعّد قائلاً: «نعدكم بنكبة جديدة قريباً»، في حين يصرخ آخر من بين الجموع: «فلسطين ميتة لا يوجد فلسطين» أو «ليت قراكم تحترق جميعها». كما يبدو حتى الكيان الصهيوني يفقد أحياناً صبره ويتخلى عن نصائح فرق العلاقات العامة التي طلبت منه أن يكثر من الابتسام ويحسن التصرّف، أمام الكاميرات على أقل تقدير. يستطيع القارئ أن يتخيل الاستشاريين والباحثين والأخصائيين في مجال العلاقات العامة، يهزون رؤوسهم عند مشاهدة فيديو مثل هذا قائلين: «لا أمل! وجه «إسرائيل» سيبقى أسود مهما بيضّناه».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1023