كومونة سانت لويس

كومونة سانت لويس

في تموز 1877، نظّم العمال في سانت لويس إضراباً عاماً جعلهم يتولون إدارة المدينة لفترة قصيرة. وقارنته النخب الأمريكية الحاكمة والخائفة بكومونة باريس.

الإضراب العظيم للسكك الحديدية

تقول بعض كتب التاريخ ووسائل الإعلام الأمريكية إن مدينة سانت لويس في ولاية ميسوري أصبحت موقعاً لـ «أول سوفييت أمريكي» الذي عاش ليوم واحد فقط.
في ذلك اليوم، توحّد العمال البيض والسود في إضراب عام على مستوى المدينة، وبلغ ذروته في انتقال السلطة الذي قارنته نخب سانت لويس بكومونة باريس. وقع الحدث الاستثنائي وسط إضراب على مستوى البلاد أطلق عليه المؤرخون إسم: إضراب السكك الحديدية العظيم عام 1877.
على عكس الكثير من مناطق الجنوب، نجت سانت لويس في الولاية الحدودية من الإبادة التي اجتاحت الكونفدرالية السابقة.
حيث عمل العبيد المحررون في المسابك القائمة على نهر الميسيسيبي في شرق وغرب سانت لويس، كما عملوا في مصانع الصهر والمصافي، وساحات الثروة الحيوانية الضخمة والشحن النهري. وتقاضى العبيد المحرّرون أجراً ضئيلاً في تحميل وتفريغ السفن البخارية على رصيف النهر؛ في حين تولّى العمال البيض الوظائف ذات الأجور الأفضل في السكك الحديدية، حيث أصبح المسار المتقاطع للقطارات والسفن النهرية أحد نقاط الضغط المركزية لشبكة السكك الحديدية المختنقة برأس المال.
وفي يوليو 1877، أجبر الإضراب الكبير على تغيير قصير في النظام. وانزاحت مقاليد السلطة من الرأسماليين إلى أيدي العمال.

الانتفاضة الأولى ضد رأس المال

منذ يوم الاثنين، وبحلول يوم الأربعاء، دخل السياسيون في سانت لويس، والعائلات الثرية التي مولتهم، في كابوس.
استولت «لجنة السلامة العامة» التابعة لرئيس البلدية، التي تم تنظيمها سراً، على مبنى كبير يسمى المحاكم الأربعة كمقر لها، حيث طلب حاكم ولاية ميسوري من وزير الحرب الأمريكي عشرة آلاف بندقية، وألفي مسدس وبطارية مدفعية مع الذخيرة. وكتب المؤرخ فيليب فونر في كتابه انتفاضة العمال الكبرى عام 1877: تم رفض هذا الطلب عندما علم أنه لم يكن هناك ما يكفي من الأسلحة المتاحة في واشنطن نفسها لمواجهة العمال.
كتبت بعض الصحف: من الخطأ تسمية ذلك إضراباً، وكتب ماركس وإنجلز لاحقاً: إنها الانتفاضة الأولى ضد الأوليغارشيا الرأسمالية التي نشأت منذ الحرب الأهلية.
انتهى عصر إعادة الإعمار رسمياً في آذار 1877 بانتخاب الرئيس رذرفورد ب. هايز. وكانت القوات الفيدرالية المتمركزة في الجنوب منذ الحرب الأهلية تنسحب، حيث تقع سانت لويس على الأطراف الغربية؛ كمدينة في دولة تتغير بسرعة ويمكن أن يحدث أي شيء. وخلال أيام، وصل عمال سانت لويس إلى السلطة لمدة أربع وعشرين ساعة.

مسار الحركة

في يوم السبت، 21 تموز 1877، نظم في القسم الصناعي من سانت لويس حيث تم تجهيز السفن البخارية والسكك الحديدية لتجمع جماهيري، وصعد محرض يدعى بيتر لوفغرين المسرح لصياغة القرارات مع جمهور من 500 عامل احتجاجاً على تخفيض الأجور وفشل المفاوضات مع شركات السكك الحديدية. قال لوفغرين: كان الرأسماليون يحاولون تجويع العمال، وكانوا يعلمون أطفالهم أن ينظروا إليهم بازدراء ويحتقرونهم ويطحنونهم تحت أقدامهم في كل فرصة.
صوت العمال على تنظيم إضراب شارك فيه المهندسون «اريستقراطيو المهنة» وعمال المنصات والفرامل ورجال الإطفاء وأي شخص آخر يعمل في السكك الحديدية. وأقنع خباز «مهاجر ألماني» يدعى ألبرت كورلين حشود العمال بالسير بالترتيب عبر الميسيسيبي وهم ينشدون نشيد الثورة «المارسيليز»، وعلى الشاطئ الآخر، استقبلهم حشد من عمال السكك الحديدية. وسار الجميع نحو مركز التجمع. ونظم العمال لجان مراقبة تنفيذ الإضراب التي أشرفت على العمل في المدينة.
وفي بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا، أحرق العمال مقرات الشركة بالديناميت، وفي شيكاغو قطع العمال خطوط الترولي، وحدثت معارك بين العمال والحرس الوطني بالحراب في كل مكان. ودعا لصوص ومالكو سكك الحديد إلى إطعام العمال رصاصاً لعدة أيام متواصلة.
أمام هذا العنف، قرر عمال سانت لويس أن يعملوا بشكل مختلف، وجرى تسليم كل شيء للجمهور العمالي الذي نظم حماية المدينة وقالوا: لن يدمر العمال ممتلكاتهم.
في تلك الليلة، أثناء اجتماع حاشد في قلب أحياء الطبقة العاملة في سانت لويس «سوق لوكاس». تحدث منظم عمال الأحذية يدعى جوزيف: يجب على العمال إما القتال أو الموت. إن دماء عمال المناجم التعساء في بنسلفانيا، وعمال بيتسبرغ وبالتيمور، تصرخ بصوت عالٍ من أجل الحرية، ويجب أن نحصل عليها. وصعد عامل أسود إلى المنصة وسأل الحشد الذي كان معظمه من العمال الألمان والبوهيميين: هل ستقفون معنا بغض النظر عن اللون؟ صاح الحشد: سنفعل!
وصل 300 جندي إلى سانت لويس، وأضرب العمال في منتصف الصباح، وهم يسيرون من متجر إلى آخر. أضرب بائعو الصحف وانضم المصممون والمهندسون إلى الإضرابات مع عمال السد. وتشكل موكب من العمال، في الشوارع سائرين نحو مكان الاجتماع في سوق لوكاس حيث استمرت الخطب:
أنتم ملتزمون بالقانون. تماماً مثل حاملي السندات الفاسدين الذين يجنون إيراداتهم بقطع القسائم. إن زوجاتكم فاضلات مثل زوجات الرأسماليين الأغنياء، الذين يرتدون حريراً ويركبون عرباتهم، وأطفالكم طاهرون ومستقيمون.
استولت جموع العمال على السفن التجارية مطالبين بزيادة الأجور، ورفعت شعارات من أجل حقوق العمال وضد احتكار الثروة. ونصبت الأعلام الحمراء.
وقام عمال المسابك وشركات التعبئة ومطاحن الدقيق والمخابز والمصانع الكيماوية بتحويل إضراب السكك الحديدية إلى إضراب عام. وتوقفت أعمال السكك الحديدية والسدود النهرية ومصانع السكر ومصافي النفط وكان حضور النساء كثيفاً. ونظمت كومونة سانت لويس أعمال الحراسة والحماية في جميع المنشآت. وكانت المدينة كلها تعترف بسلطة اللجنة التنفيذية التي تنظم الحركة.
ترددت اللجنة التنفيذية وتراجعت غير متأكدة مما يجب القيام به بعد ذلك. في الوقت نفسه، كشفت أنها تخشى الحركة الجماهيرية ذاتها التي ساعدت في إنشائها. وأصدرت اللجنة التنفيذية بياناً حثت فيه 22 ألف عامل على العودة إلى بيوتهم.
ازداد التوتر في الشوارع، وأرادوا الحصول على أسلحة للدفاع عن أنفسهم ضد الشرطة، عازمين على المضي حتى النهاية. بينما هاجمتهم الشرطة واعتقلت بعضهم وهربت اللجنة التنفيذية. وانتهى إضراب السكك الحديدية العظيم الذي فجّر إضراب العمال العام وانتهى كما يقول المؤرخون الأمريكيون «أول سوفييت أمريكي».

  • نقلاً عن مجلة جاكوبين الأمريكية، ترجمة وتحرير قاسيون

معلومات إضافية

العدد رقم:
1029
آخر تعديل على الإثنين, 02 آب/أغسطس 2021 17:03