عندما تدور الأرض مثل دولاب الفاخوري

عندما تدور الأرض مثل دولاب الفاخوري

أنني أنفذ كل ما تقول إذا كنت ممن سيعرفون الكتابة، تعمق في معرفة الكتابة وأدخلها إلى قلبك، عندئذ سيصبح كل ما تقوله رائعاً، مهما كانت وظيفة الكاتب لا بدّ أن يعود دائماً إلى الكتب.


هذا ما جاء في إحدى النصائح العلمية المصرية القديمة قبل آلاف السنين. وكان المصريون يفرضون على الطلاب نسخ ما لا يقل عن ثلاث صفحات يومياً لتعلم أسلوب الكتابة الصحيحة. وأقاموا بيوتاً للكتاب داخل المدارس أطلقوا عيها اسم «بيت الحياة».
استخدم المصريون النظام العشري في الحساب، ووجدت في الكتابة علامات خاصة تشير إلى الأرقام: ألف وعشرة آلاف ومئة ألف. كما عرفوا المليون كعلامة ترسم على شكل إنسان يرفع يديه إلى السماء بدهشة كبيرة. وحلوا أيضاً معادلات من الدرجة الأولى وأطلقوا على المجهول اسم «كومة القمح». وتطور عندهم الطب وعلم الفلك والفلسفة. كما ألف الكاهن المصري مانيتون كتاب «تاريخ مصر» في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد وهو من قسم تاريخ مصر إلى ثلاثين أسرة منذ 3000 قبل الميلاد.
وترك قدماء المصريين مدرسة للطلاب والكتاب. بالإضافة إلى تراث أدبي غني مثل قصة الملّاح التائه وقصة سنوهي الأمير الذي هرب إلى سورية. وتصور نصائح ملك هيراكليوبولس الحياة السياسية والعلاقات الاجتماعية في مصر. بالإضافة إلى ما تركوه من تراث كبير من البرديات والحوليات واللوحات التذكارية للحوادث التاريخية. أما نصائح إيبوصير ونصائح نوفرتي، فتصور ثورة العبيد الفقراء التي اندلعت في نهاية الدولة الوسطى. وهي ثورة العبيد التي عرفت خطأ عند البعض كأول إضراب عمالي في التاريخ.
في حوالي نهاية القرن الثامن عشر قبل الميلاد، هزت مصر انتفاضة كبيرة للفلاحين والحرفيين والأرقاء أشعلت البلاد بأسرها، وخلع الفرعون المصري عن عرشه وطرد الأغنياء من قصورهم، وأخرجت المومياوات من القبور والأهرامات، واستولى الثوار على أهرام الفراعنة ومستودعاتهم وعلى المعابد والهياكل وتقاسم الثوار مخزونات الأغذية والأموال وجرى إتلاف جميع قوائم الرسوم والضرائب. وكما أعلنت وثيقة مصرية قديمة فإن «الأرض درات مثل دولاب الفاخوري» لأن العبيد الثوار أقاموا في دور السادة وارتدوا ثيابهم وأجبروهم على العمل من أجلهم.
وتتحدث وثائق مصرية قديمة عن ثورة حدثت في عهد الملك بيبي الثاني في القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد بسبب الاستثمار الرهيب للعبيد. ومن أبرز الوثائق القديمة المكتوب بالخط الهيراطيقي التي تصور ثورات العبيد برديات إيبوور وهاريس واليأس من الحياة وغيرها.
وجاء في بردية إيبوور: «لم يعد الناس يحرثون الحقول، وهجم الناس على مخازن الحكومة وسرقوها، واعتدوا على مقابر الملوك. صب الشعب غضبه على الأغنياء فنهبوا القصور وأحرقوها. اختفت البسمة، لا أحد يبتسم، واختلطت الشكوى التي تعم البلاد بالنحيب».
وتصور البرديات المصرية القديمة عن تمرد حصل في عهد رعمسيس الثاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وتصف إحدى البرديات حالة الفقراء في ذلك الوقت: «لقد أوصلنا الجوع والعطش إلى ما وصلنا إليه، لا توجد ملابس، ولا يوجد زيت لدينا، ولا يوجد سمك عندنا ولا خضراوات. أبلغوا الفرعون، له الحياة والصحة والقوة، سيدنا الكامل. هيا أبلغوا أيضاً الوزير رئيسنا، ليمنحنا سبل الحياة. ونفد صبر الفقراء من وعود الفراعنة، ونظموا هجوماً على مخازن الغذاء والمؤن لنهبها مرددين العبارة التالية «نحن جائعون» لتشتعل شرارة ثورة عبيد جديدة.
وأصبحت تلك الثورات مضرب المثل، وصار يقال: درات الأرض مثل دولاب الفاخوري. والزمن يدور، والأحوال تتغير.
في بلاد سومر القديمة، حدثت قصة مشابهة، إذ أدت الضرائب الباهظة إلى نشوب تمرد في مدينة لاغاش السومرية وجرت إزاحة السلالة الحاكمة. فوصل إلى الحكم موظف يدعى أورو كاجينا الذي اعتمد في صراعه على الجنود الفقراء ضد السلالة الحاكمة التي تكون جيشها من الأغنياء. وألغى أورو كاجينا الضرائب الثقيلة والواجبات الثقيلة التي أدت إلى نشوب التمرد.
لم تؤدِّ هذه الحركات إلى تغييرات جذرية، وخاصة في وضع العبيد، ولكنها أعطت درساً تاريخياً مهماً كيف تدور الأرض مثل دولاب الفاخوري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1067