عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة أثر السياسات الليبرالية... على الحركة النقابية والعمالية

السياسات الاقتصادية الجاري تطبيقها، كانت ومازالت أثارها واضحة، ومنعكساتها جلية على واقع الحركة النقابية والطبقة العاملة السورية، وهذا طبيعي، لأن تلك السياسات قد أصابت مجمل المجتمع السوري، وخاصة العمال بآثارها لسببين:

أولاً: موقف الحكومة من إصلاح القطاع العام، وعدم الاستثمار فيه، أدى إلى تفاقم مشاكل الشركات الإنتاجية، المالية والتسويقية، وانضمام شركات جديدة إلى الشركات المتعثرة، أو المتوقفة عن العمل، وهي بازدياد، وخاصة مع تطبيق المرسوم المالي /54/، الذي جعل شركات القطاع العام في وضع (لا معلق، ولا مطلق).

ثانياً: رفع الدعم، تحرير الأسواق، الغلاء الفاحش، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها، أدى إلى زيادة الأعباء المعيشية، وارتفاع تكاليفها على السواد الأعظم من الشعب، وخاصة الطبقة العاملة، حيث اضعف ذلك القيمة الفعلية للأجور، مع أنها ازدادت اسمياً، ما جعل العمال يعانون من وضع لا يحسدون عليه، مما زاد من حدة الاستياء والتذمر في صفوفهم، وإن كان ذلك لم يأخذ شكلاً واضحاُ بالاحتجاج الجماعي أو الإضراب، إلا في بعض الحالات المتناثرة هنا وهناك. إلا أن استمرار ذلك سيؤسس لمثل تلك الحالات الاحتجاجية، لأن هجوم السياسات الليبرالية على مصالح الطبقة العاملة، وخاصة أجورها، لن يتوقف، وبرنامجها مستمر ويتعزز، كما هو حاصل الآن في عدم دفع أجور العمال في الشركات المتوقفة، أو التأخير في الدفع، أو دفع جزء من الأجور، كما حدث في معمل أحذية مصياف، حيث دُفع للعمال 80 % من أجورهم.

لتلك الأسباب، ضغط هذا الواقع على الحركة النقابية بشكل قوي، وجعل الكثير من القيادات والكوادر النقابية تعبر عن استيائها مما يجري تطبيقه من سياسات اقتصادية، وتخوفها من مخاطر تلك السياسات على الموقف الوطني، وعلى إمكانية مواجهة المشاريع التي تريد إخضاع سورية اقتصادياً وسياسياً لمصالحها.

لقد طرحت تلك الكوادر تساؤلات مشروعة، وتخوفات حقيقية عكستها في مؤتمراتها واجتماعاتها، وكان آخرها الندوة التي أقيمت مؤخراً في فرع دمشق لحزب البعث، والتي حاضر فيها رئيس اتحاد عمال دمشق، والدكتور عيد أبو سكة، وكان موضوعها: (آليات العمل النقابي في المرحلة القادمة)، حيث قال جمال القادري رئيس الاتحاد: «إن الحكومة تضعنا أمام خيارات: سيئ جداً، سيئ، وسط، وتطرح علينا السيئ جداً، ونحن مهما ناطحنا نصل إلى دون الوسط». وأضاف: «أنا كمهتم اقتصادي لست مع أو ضد التوجه العام للحكومة، وإن الحكومة تطبق المرسوم /54/ في وقت تحولت فيه الخطوط الإنتاجية للشركات إلى خردة».

الدكتور عيد أبو سكة طرح أسئلة على غاية من الأهمية، تعكس مخاطر السياسات الليبرالية للحكومة، وأثارها المدمرة على الاقتصاد الوطني، ومصالح الطبقة العاملة، حيث قال:

1ـ لماذا عملية التطوير والتحديث؟ هل هي للمواءمة والالتصاق مع الاقتصاد العالمي؟ أم لضرورة وطنية؟

2ـ هل النقابات مستقلة؟ أم جزء من النظام العام؟ وأضاف: «إن التطوير مطلوب بالاقتصاد والحزب والنقابات.

3ـ هل الإصلاح ترقيع؟ أم أن هناك أخطاء بنيوية عميقة تُرتكب بهذا الاقتصاد، وتجرنا إلى حيث يريدنا البعض أن نصل؟

4ـ أين دور النقابات في استقطاب عمال القطاع الخاص، وفي الحوار مع أرباب العمل، وفي حماية العمال السوريين في الخارج، وخاصة دول الخليج؟.

عزت الكنج نائب رئيس الاتحاد العام، شارك في النقاش موضحاً معاناة النقابات مع الحكومة، في مجمل المواضيع التي تطرحها، وخاصة ما يتعلق بتأجير الشركات واستثمارها وإصلاحها، وحول الأجور وغيرها، حيث قال: «نواجه الآن تحدياً كبيراً من الحكومة، ويوجد حوارات حادة ومتوترة، لإعادة النظر حول مفهوم الوظيفة الثابتة ومفهوم الأجر، حيث تطرح الحكومة بأنه لا يوجد عقد دائم، ولا متممات للأجر.

من مجمل عرضنا، يتبين مقدار التناقض الحاصل بين السياسات الليبرالية للحكومة، وبين الحركة النقابية، كممثل للطبقة العاملة ومدافع عن مصالحها، وأن تلك السياسات تقود البلاد إلى المزيد من الأزمات، وإلى خلق المزيد من بؤر التوتر الاجتماعي، التي لا تخدم الموقف الممانع للمشاريع الاستعمارية التي تهدد الوطن برمته.

إن مواجهة تلك السياسات وإزالة آثارها، تحتاج إلى موقف حازم وواضح من الحركة النقابية، تعتمد فيه على قوة الطبقة العاملة السورية، بتفعيل دورها، وتعزيزه في الدفاع عن مصالحها، وأن جزءاً مهماً من آليات العمل النقابي، لم يعد متناسباً مع الواقع الحالي الذي يحتاج إلى آليات أخرى متناسبة مع حجم الهجوم الذي تشنه السياسات الليبرالية على الوطن والمواطن.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الجمعة, 02 كانون1/ديسمبر 2016 17:13