السويداء.. المرأة العاملة بأيّة حال؟!

السويداء.. المرأة العاملة بأيّة حال؟!

إن وضع المرأة العاملة تدهور كثيراً في ظل الأزمة، بسبب غياب التشريعات الناظمة لعملها واستغلالها، وعدم إعطائها الأجر المناسب الذي يتناسب مع ساعات العمل الذي تقوم به.

يضاف إلى ذلك: ارتفاع نسب البطالة في محافظة السويداء في ظل الأزمة، مما حمّل المرأة أعباءً إضافية، فهي مضطرة للبحث عن عمل في ظروف صعبة. إن أكثر النساء العاملات يعملن بأجور قليلة لا تكفي، وهذا إجحاف بحق المرأة العاملة.

قاسيون، جالت في عدة مواقع تعمل فيها المرأة السورية في محافظة السويداء، ورصدت آراءهن ومطالبهن وكانت لها اللقاءات التالية:

أم يوسف برفقة ولدها الأكبر تتوجه إلى العمل في الأراضي الزراعية غربي محافظة السويداء لتجني رزق أولادها، قالت: أنا المعيل الوحيد لأولادي بعد وفاة زوجي، أعمل مع مجموعة من النساء في جني المحاصيل، الأجور هزيلة، والعمل الزراعي شاق ومجهد، يتم فيه استغلال المرأة العاملة بسبب الحاجة الماسة للمورد المادي في الأزمة وتداعياتها المعيشية الكارثية، ولقلة فرص العمل في المحافظة أضطر لترك أولادي وحدهم أوقاتاً طويلة دون رعاية واهتمام «شو بدنا نسوي بدنا نعيش واللقمة مرة مجبولة بالدم».

أم يزن: أم لأربعة أولاد تعمل في مهنة إعداد الطعام الشعبي في محافظة السويداء ضمن محل صغير، في وسط إحدى البلدات الصغيرة التابعة لريف السويداء، أم يزن تحدثت لقاسيون قائلة: «الظروف الصعبة التي أفرزتها الأزمة السورية، ووفاة زوجي الذي كان يعمل ويكسب أموالاً تكفينا دفعتني لاحقاً للعمل مكانه، وأضافت: أنا الآن أعد وليمة الكسكسي، وهي أكلة شعبية شائعة في المغرب العربي، تعلمت أصول طبخ هذه الأكلة عندما كنت مع المرحوم زوجي الذي كان يعمل في ليبيا في تسعينات القرن الماضي، الله وفقني وصارت هذه الأكلة محط شهرة في البلدة، بالنسبة لي العمل عبادة، واستطعت من خلال عملي هذا التغلب على الصعوبات والتحديات التي واجهتني، واستطعت اكتساب احترام الآخرين عبر الالتزام بالموعد دون أي تقصير».

حنين طالبة هندسة عمارة في جامعة تشرين قالت: أمي امرأة عصامية تعمل في إحدى دوائر الدولة براتب حوالي 60 ألف ليرة سورية، رفضت تركنا بعد طلاقها من أبي، وبذلت كل الجهد والتعب لأكمل تعليمي، وأنا سنة تَخرُّج، وأعمل في شركة تسويق إلكتروني لتأمين تكاليف المعيشة والدراسة براتب 50 ألف ليرة سورية، «العيشة صعبة بدي أجرة الطريق من السويداء إلى اللاذقية 10 آلاف ليرة سورية، بدي خلص دراستي لمساعدة أمي» التي ضحت بشبابها وحياتها من أجلي في مصاريف الحياة الباهظة.

أم نورس: سيدة ريفية آثرت أن تكون مُكافِحة في زمن الحرب لتؤمّن مصدر دخل لأسرتها، وتمرّست في صناعة المُؤَن المنزلية.
قالت لنا: «وظفت مكونات البيئة الريفية وصنعت اللبن والمكدوس والسمن البلدي ودبس العنب، وبدأت التسويق خارج نطاق قريتي عبر المعارف والأصدقاء لجميع المنتوجات الريفية في مدينة السويداء».

إحدى العاملات تحفظت عن ذكر اسمها قالت: من خصوصيات عمل المرأة هو إمكانية تعرضها للتحرش في مكان العمل وتسريحها في حال اعتراضها، أو عدائها، وهنا لابد من صياغة قانون يحمي المرأة العاملة يضمن لها إمكانية محاكمة صاحب العمل، وفرض عقوبات مشددة في هذا المجال، وقد روت لقاسيون ما حدث معها أثناء عملها في أحد محلات الإكسسوارات والمكياج، وعن محاولة صاحب المحل الذي كانت تعمل به سابقاً التحرش والاعتداء عليها، مستغلاً حاجتها المادية كونها أرملة معيلة لثلاثة أطفال، الأمر الذي أدى إلى تركها العمل.

أم علي (47 عاماً) تعمل كبائعة للخضار أمام أحد المحلات في مدينة السويداء، قالت: «لدي ستة أولاد منهم أربعة صبيان وبنتان لم يكن أمامي من خيار سوى فتح بسطة للخضار أمام هذا المحل، لكي أتغلب على الوضع الذي أُجبرنا عليه، أنا مستأجرة غرفتين صغيرتين في أطراف مدينة السويداء، وزوجي مريض لا يقوى على العمل، ولا بدّ من العمل ولساعات طويلة كي أؤمِّنَ احتياجات المنزل».

سهام، تعمل في إحدى المؤسسات العامة في السويداء قالت: عندي ولد وبنت أتركهم لدى جارتي مقابل أجر شهري، كونه لا توجد لدينا روضة في مكان العمل، الأمر الذي ينعكس سلباً على إنتاجية المرأة العاملة، ومستوى الخدمات التي تقدمها في المؤسسة، إذ تبقى قلقة بشكل دائم من تعرض أطفالها للإهمال ولسوء التربية، وفي أغلب الأوقات لا تجد من يرعى أطفالها ويشرف عليهم في أثناء غيابها عنهم بداعي العمل.

إحدى النقابيات، قالت: كل القوانين والتشريعات الناظمة تدعو إلى تشميل العمال بمظلة التأمينات الاجتماعية، والتي تأخذ صفة الإلزامية ولا سيمّا قانون التأمينات الاجتماعية رقم /92/ لعام 1959 وقانون العمل رقم /17/ لعام 2011، إلا أن نسبة كبيرة من أصحاب العمل تخالف تلك القوانين وتستمر بالتهرب من التزاماتها، سواء تجاه مؤسسة التأمينات، أم تجاه العامل لديها، مما يحرم العمال من حقٍ مكتسب تصونه لهم كل القوانين والتشريعات ولا يجوز التفريط به.

إن معظم دول العالم تعتبر التهرب التأميني مخالفة للنظام العام، إلّا أن حالات التهرب من استحقاق تسجيل العاملين لدى القطاع الخاص في التأمينات الاجتماعية ما زالت مستمرة، حيث يترتب على صاحب العمل دفع نسبة 14% من قيمة أجر العامل الشهري لصالح المؤسسة كاشتراكات عن تعويض العجز والشيخوخة والوفاة وإصابة العمل.
كما يترتب على العمال دفع نسبة 7% من قيمة الأجر الذي يتقاضونه لمؤسسة التأمينات الاجتماعية.

إذ يوجد في محافظة السويداء وفقاً لبعض التقديرات ما بين /4- 5/ آلاف عاملة يعملن في المحلات التجارية والمكاتب والعيادات ومشاغل وورشات الخياطة، ومعظمهن يعملن بأجرٍ زهيد، وظروف عمل قاسية، وبدوامين صباحيّ ومسائيّ، لا يغطي أجور النقل والطعام، وفي بعض الأحيان هناك محاولات للتحرش- من قبل بعض أرباب العمل عديمي الأخلاق- بالعاملات لديهم، إضافة إلى أن الطامة الكبرى عند العاملات في هذا المجال أنهن غير مسجلات بالتأمينات الاجتماعية.

تردّي خدمات المدارس

نقابية في لجنة المرأة العاملة في إحدى النقابات قالت لقاسيون: تقوم العاملة السورية في ظل الأزمة الحالية بعدد أكبر من ذي قبل من ساعات العمل غير المدفوعة الأجر، من خلال العمل البيتي وتربية الأطفال، خاصة بعد أن تردّت خدمات المدارس ورياض الأطفال العامة، في حين أن رسوم التسجيل الخاصة منها ليست في مقدور الطبقة العاملة، الأمر الذي يشكل عائقاً حقيقياً لتعليمها العالي، ولعملها خارج البيت، مع ارتفاع الحاجة لرعاية الأطفال في المنزل، وعليه لابد من المطالبة بوجود (وإصلاح الموجود) من حضانات الأطفال في جميع المنشآت العامة والخاصة، وكذلك في الجامعات، وتوفير الكادر من موظفين مختصين من خريجي رياض الأطفال والتربية.

عدد النساء العاملات

منى محامية تعنى بالدفاع عن النساء، قالت: تشكل الإناث 49,4% من عدد السكان في سورية. وعلى الرغم من أن النساء خريجات التعليم العالي في سورية في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM قريب من المساواة مع عدد الخريجين من الذكور، بحسب معطيات الأمم المتحدة لعام 2020 إلّا أن نسبة عدد النساء العاملات بالنسبة لعدد النساء في سورية انخفض من 23,9% عام 1990 إلى 14% عام 2020 بحسب معطيات البنك الدولي. على الأرجح أن هذا الرقم قد يعكس فقط القوى العاملة النسائية المسجلة رسمياً، إذ إن واقع الحال ينبئ بدخول كثير من النساء سوق العمل، بعد أن تحمّلن فجأة مسؤولية العائلة كاملة، نتيجة فقدان المعيل الذكر قتلاً أو خطفاً أو اعتقالاً أو هجرة، كما أن التناقض بين النسبة العالية للخريجات وانخفاض نسبة العاملات يعكس أيضاً هجرة العقول من الإناث كما الذكور، خلال سنوات الأزمة، إضافة إلى مشكلة البطالة العامة في بلاد يكاد اقتصادها يصاب بسكتة قلبية، وفي ظرف ندرة فرص العمل، يفضل صاحب العمل الذكر على الأنثى التي قد تنقطع عن العمل خلال فترة الحمل والأمومة، وقد كثر عمل النساء كما الرجال خلال الأزمة في اقتصاد الظل بأنواعه، ضمناً الاستغلال الإجرامي للنساء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1009
آخر تعديل على الإثنين, 15 آذار/مارس 2021 09:43