العمل الدولية: العمّال من المنزل وموجة تنظّم عاتية
منظمة العمل الدولية منظمة العمل الدولية

العمل الدولية: العمّال من المنزل وموجة تنظّم عاتية

من بين العمّال الذين لم يعودوا راضين بممثليهم، والساعين إمّا إلى الانضمام إلى تنظيمات غير تلك التي خذلتهم، أو إنشاء تنظيمات ووسائل تجمّع جديدة كلياً، هناك العمّال الذين يؤدون وظائفهم من المنزل. هناك الكثير من التصنيفات التي تشمل هؤلاء العمّال: عمّال الاقتصاد المؤقت، أو العمّال من المنزل، أو العمّال المستقلين، وغيرها. نشرت منظمة العمل الدولية تقريراً مطولاً بعنوان «العمل من المنزل: من الحجب إلى العمل بكرامة». سيكون لنا عدّة وقفات مع هذا التقرير في مقالات أخرى، لكننا اليوم سنقتصر على ما ورد فيه عن التحركات العمّالية في عدد من الدول التي تعدّ «موردة للعمالة» غير المحمية التي يتم استغلال قوّة عملها من قبل الشركات الكبرى دون الحاجة حتّى للتعامل معها بشكل حسي:

ترجمة: قاسيون

التنظّم تحدّ طويل الأمد للعمّال من المنزل، من مصاعبه افتقارهم للقوانين التي قد تحميهم، وعزلتهم في منازلهم، وتعدد الولايات الإدارية والقضائية التي ينتمون إليها. كما أنّهم يواجهون مشكلات مع القوانين الحكومية المحابية للشركات التي تستبعدهم من فئة العمّال، وبالتالي تحرمهم من بعض الحقوق الأساسية مثل المفاوضة الجماعية.
لكن رغم جميع المعيقات، نجح العمّال من المنزل بالتنظّم في كيانات وتنظيمات مختلفة الأشكال تدافع عنهم. كمثال: رابطة «SEWA» التي تشكّلت بداية في الهند في أوائل السبعينيات كنقابة للعاملين لحسابهم الخاص للنسوة في مجال الغزل والنسيج. ثمّ في وقت حديث طوّرت الرابطة أشكالاً جديدة من دعم العضوية أكثر ملائمة مع التحديات الاقتصادية للنساء، بما في ذلك تشكيل التعاونيات. توجد الرابطة في 18 ولاية في الهند، وتضم حالياً 1,4 مليون عضو، وقد نجحت على الصعيدين الوطني والدولي بتغيير القوانين لصالح أعضائها.
لدينا في إقليم السند في باكستان تحركٌ شبيه بدأ مع العاملات في مجال النسيج اللواتي تجمعن في تعاونية، ثمّ قررن تأسيس نقابة للتفاوض على شروط عمل أفضل. بات للنقابة اليوم أعضاء في السند وبلوشيستان والبنجاب، ويمكنها بشكل قانوني التفاوض بالنيابة عنهم. كانت النقابة وراء إصدار قانون في البنجاب في 2018 يحدد الحد الأدنى للأجور لعدد من شرائح العمّال من بينهم العاملون من المنزل.
في الفلبين، منظمة العاملين من المنزل الأكثر شهرة هي «PATAMABA» التي احتفلت بعيدها الثالث عشر الشهر الماضي. عندما لم يتمّ السماح لها في بادئ الأمر بالتسجّل كنقابة، حصلت على ترخيص عملها كمنظمة غير حكومية، ثمّ في وقت لاحق تمكنت من الترخّص كمنظمة عمّالية. تضمّ المنظمة أكثر من 18 ألف عضو متوزعين على 10 أقاليم. تمكنت المنظمة من حشد أعضائها بشكل قاعدي لتعريفهم بحقوقهم، وأنشأت عدداً من شبكات الرعاية الاجتماعية والصحية. تمكنت المنظمة على مستوى السياسات من الوصول إلى عضوية مؤتمرات منظمة العمل الدولية والمساهمة في إعداد الاتفاقية رقم 177، وهي تفرض نفسها بشكل متزايد في الساحة الفلبينية.
في تايلاند، بدأت «HNT» عملها في 1992 كرابطة عمّالية حصلت على ترخيصها بوصفها منظمة غير حكومية. ثمّ في 2013 تمّ قبولها كمنظمة عمّالية لديها ممثلون عن العمّال من المنازل في جميع المستويات الحكومية. كما بدأت المنظمة منذ وقت قريب، وهي التي تضم 5 آلاف عضو من العاملين في المنازل، بفتح فروع لعضوية الباعة الجوالين وسائقي التاكسي والدراجات النارية وعمّال المياومة. أدّت الضغوط التي مارستها المنظمة في 2010 إلى إقرار قانون تدفع فيه الحكومة 30% من نسبة الضمان الاجتماعي للعمّال غير الرسميين. كما نجحت المنظمة التايلاندية في الضغط لتشميل العاملين من المنزل في جميع إحصاءات القوى العاملة الرسمية.
في الأورغواي، تمثّل منظمة «سندكاتو أونيكو دي لا أغوخا» العمّال من المنزل في مجال الثياب. وقد ساعدت أعضاءها على التحوّل إلى إنتاج الكمامات أثناء انتشار كوفيد-19، الأمر الذي دعم موقفهم المطالب بالاعتراف الحكومي الرسمي بهم كعمالة مشمولة بالقوانين.
في إقليم التاميل نادو في الهند، تمكنت منظمة «Anuhatham» من فرض نفسها كتنظيم عمّالي للمشاركة في اليوم الوطني للنقابات، ونظمت أعضاءها للنزول إلى الشارع للمساندة في الاحتجاجات ضدّ تعديلات قانون العمّال التي تبنتها الدولة الهندية المركزية.

منظمات غير مركزية

يحاول العمّال في بعض المجالات، مثل عمّال المنصات الرقمية، التنظّم على أساس قطّاعي محدد من أجل التنسيق مع عمّال ذات الشركات في بلدان أخرى. لا تزال معظم هذه التنظيمات تعمل بشكل رئيسي عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث تقدّم المعلومات والنصائح للعمّال، وتوفّر لهم الفرصة للقاء بشكل افتراضي لتنسيق تحركاتهم.
في تركيا هناك «أوفيسيزير» التي تمّ إنشاؤها في عام 2018 في إسطنبول، وهي شبكة تضامن تمّ تمويلها من قبل أعضائها من العاملين المستقلين. تهدف الشبكة للحصول على إقرار رسمي بالعمّال المستقلين كشكل مميّز من العمالة، وإنشاء شبكات فرعية للتضامن القطّاعي بين أعضائها. توفّر الشبكة عقوداً نموذجية، وأدوات ضمان دفع المستحقات، ودعماً محاسبياً لأعضائها. كما تعمل الشبكة على دعم أشكال بديلة من الأعمال يمكن من خلالها للعمّال المستقلين الوصول لصيغ أفضل، مثل تشارك العمل، والتعاونيات الإلكترونية، ووضع لوائح للمهارات.
لدينا مثال آخر هو «FairCroudWork.org» التي تمّ إطلاقها في 2015 من قبل نقابة IG Metall الألمانيّة، والتي تعمل بالتنسيق مع غرفة العمّال النمساوية، ومع نقابة الياقات البيض السويدية. لكنّ نشاط الشبكة يقتصر على تزويد العمّال من المنزل بالمعلومات والنصائح المتنوعة بما في ذلك عن حقوقهم القانونية، ومعلومات تفصيلية عن آلية وطريقة سير العمل في منصات «تصدير العمالة» الرقميّة.
كما تعمل النقابات الرسمية التي ذكرناها على تمثيل العمّال من المنزل في الاتحاد الأوربي وعدد من الحكومات. في 2015 أصدروا إعلان فرانكفورت عن العمل على المنصات، والذي دعا إلى تعاون عابر للحدود بين العمّال ومنظماتهم، ومشغلي المنصات وزبائنها، والمشرعين، من أجل ضمان ظروف عمل كريمة ومشاركة عمّالية في حكم منصات العمل الرقمية. المشكلة في هذه التمثيل النقابي أنّه لا يزال متأثراً بمشكلات النقابات عامة من جهة، وصعوبة تنظيم عمّال المنصات المتباعدين جغرافياً، والمضطرين لمواجهة منافسة هائلة من جهة ثانية، ما يجعل الأمر لا يعدو تجمّعاً مراحله الجنينية.
وربّما الحديث لا يتمّ دون التطرّق، ولو بعُجالة، إلى تعاونيات العمّال من المنزل. ففي مثال نموذجي تعاونية «MBMPC» في الفلبين، يبدو النجاح واضحاً في عدم اضطرار الأعضاء للاعتماد على المتعاقدين من الباطن والوسطاء، وإمكانيّة الدخول بشكل مباشر في العقود المتاحة لسوقهم. كما أتاحت التعاونية التنسيق بين العمّال من المنزل وعمّال الورشات لبدء ورشاتهم الخاصة لإنتاج حقائب الكمبيوترات والسفر والظهر... إلخ. سمح هذا، بالتزامن مع الدعم الحكومي متعدد الأوجه، لهذه الورشات بالمنافسة في السوق المحلية والوطنية. تمكنت التعاونية من رفع سويّة الحقائب المنتجة بحيث تصل إلى المعايير الوطنية والدولية للحقائب.
عادة ما تكون موجات تنظّم العمّال مُعدية، وهي اليوم في مراحل تصاعد وانقلاب على آليات التنظّم الجامدة. من هنا يبدو بأنّ العمّال من المنزل، وهم من أضعف شرائح العمّال عموماً، بدأوا يجدون طرقاً مبتكرة للدفاع عن أنفسهم كطبقة.

بتصرّف عن:

https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/---ed_protect/---protrav/---travail/documents/publication/wcms_765806.pdf

معلومات إضافية

العدد رقم:
1028