لماذا لا يعترفون بحقوق العمال؟

لماذا لا يعترفون بحقوق العمال؟

لماذا لا تعترف الحكومة بحقوق العمال الدستورية وخاصةً حق الإضراب كما اعترفت بعيدهم في الأول من أيار؟ حيث أتى العيد وانهالت التهاني والتبريكات الحكومية والرسمية ومن أعلى المستويات ومن النقابات، على العمال الذين حيَّتْهم ووصفتْهم بأنهم اليد المنتجة وبناة المستقبل وما إلى هنالك من العبارات والشعارات الطنّانة، والتي كعادتها تأتي فارغةً من أيّ مضمون حقيقي فعلي وواقعي وخالية الدسم وخالية من أي تأييد ولو كلامي للقضايا والحقوق العمالية رغم إقرارها بالدستور.

جاء ذلك على الرغّم ممّا مرّت، وتمرُّ به، الطبقةُ العاملة في البلاد من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة وصلت إلى حدود أزمة إنسانية تهدّد العمّال وعائلاتهم بالجوع. ووسط انعدام الأمن الغذائي الذي بات منتشراً بين أوساط السوريين جميعاً بسبب عدة عوامل أهمها السياسات الحكومية نفسها المناهِضة للعمال والنّاهبة لإنتاجهم، عدا عن هضم حقوقهم التنظيمية والنقابية والقانونية والدستورية التي تقرّها أغلب القوانين الوضعية والاتفاقيات الدولية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

قضايا العمال ورقة عباد الشمس

فمن يؤيّد العمال وحقوقهم عليه تبنّي قضاياهم في برامجه السياسية والاقتصادية والدفاع عن استقلالهم واستقلال نقاباتهم، والدفاع عن حقهم الدستوري في ممارسة حق الإضراب وفق ما تنصُّ عليه اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وخاصّة الاتفاقية رقم 87 الخاصّة بالحرّيات والحقوق النقابية، لا أنْ يقوم باختطاف نقاباتهم وتجييرها لتتحول إلى جمعيات خيرية لا أكثر ولا أقلّ، وتفريغها من أيّ مضمون نضاليّ، من خلال فرض الوصاية عليها وتحويل أعضائها إلى موظَّفين عند الحكومة، لتجريد الطبقة العاملة من تنظيمها الذي يفترض به أن يكون سدّاً منيعاً للدفاع عن الطبقة العاملة، ويؤمّن فَرض رؤيتها في المجتمع ويكون ذا وزن حقيقي وفاعل ويحسب له حسابٌ في إقرار السياسات الحكومية.
فمن خلال القضايا العمالية والموقف من هموم الطبقة العاملة يبرز إلى السطح البرنامج الحقيقي لمختلف القوى السياسية، بغضّ النظر عن أيديولوجيّتها وما تطرحه من الشعارات التطوير والبناء التي تطرحها هذه القوى أو تلك، وهنا تتبيّن حقيقية الكلمات والتهاني التي ترسَل إلى العمال في أعيادهم وما المقصود منها.

الدستور يجب أن يحكم

ولكن مهما كانت توجّهات الحكومة اليوم مع العمال أو ضدهم، فهذا لا يعيطها الحق بتجاوز نصوص الدستور التي تشدّد على تحقيق العدالة الاجتماعية كهدفٍ للسياسات الاقتصادية، وعلى ضرورة ربط الأجور بالأسعار وفق سلم متحرك، وعلى الضمان الدستوريّ لاستقلالية الحركة النقابية وإقرار حق الإضراب للطبقة العاملة. فاحترام الدستور واجب على كل سلطة سياسيّة مهما كانت توجّهاتها. وما أقرّه الدستور للطبقة العاملة لا يعبر بأي حال عن تحيُّزٍ كاملٍ أو تسليمٍ للطبقة العاملة، بل هو حد أدنى من الحقوق الطبيعية والمشروعة التي يجب أن يتمتع بها العمال في أيّ بلد، لأنّها تحفظ نوعاً من التوزان داخل المجتمع من خلال إعطاء الحرية للعمال كما لمنظّمات أرباب العمل للتعبير عن مصالحهم والدفاع عنها.

إلغاء مفاعيل المادة 8 القديمة

إنّ منحَ الاستقلالية للنقابات يبدأ من خلال إلغاء تطبيق نص المادة الثامنة من الدستور السابق، والتي ما تزال مسيطرةً على عقول البعض رغم عدم قابليّتها للتطبيق في عالَم اليوم، حيث تجاوزها الزمن وتجاوزها العمّال أنفسُهم. وإنّ عدم التدخل في الانتخابات النقابية وتطبيق مبدأ التعددية السياسية والانتخابات الحرة والقائمة المفتوحة هو ضمانة لإيصال مناضلين وممثلين حقيقيين للعمال إلى النقابات، ويفتح باب التطور للحركة النقابية وإعادة الروح إلى هذه المؤسسة الهامّة التي تمثّل غالبية السوريّين في المجتمع من أصحاب الأجور.
والطبقة العاملة تعلم ومن خلال تجربتها التاريخية أنّ الحقوق تنتزَع ولا تُعطى، ولا ينتظرون من أحد أن يمنَّ عليهم بها، فهُم ومن خلال احتكاكهم على أرض الواقع مع أصحاب العمل باتوا يعلمون خصمهم الطبقيّ ويمارسون حقَّهم الطبيعيّ في الإضراب رغم كلّ الضغط الذي يواجهونه من أرباب العمل ومن الحكومة وأجهزتها المختلفة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1173
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 19:30