«الخطة ب» البيت الأبيض والتدخلات السياسية في أمريكا اللاتينية
بقلم : جيمس بتراس بقلم : جيمس بتراس

«الخطة ب» البيت الأبيض والتدخلات السياسية في أمريكا اللاتينية

تجهد واشنطن للحفاظ على سيطرتها في النصف الغربي من العالم، ما يدفعها إلى خلق محاولات لتصدير ضعفها الاقتصادي والسياسي إلى دول أمريكا اللاتينية. ومع فشل مساراتها الأحادية السابقة، تعمل الولايات المتحدة اليوم على مسارين اثنين، حربي وسياسي.

إعداد وترجمة: رنا مقداد

 

 تحاول واشنطن زيادة نفوذها في بلدان أمريكا اللاتينية، في حين أن المفاوضات الحالية بين الولايات المتحدة وكوبا، هي «مجرد مسار سياسي واحد من مسارين اثنين»، ويضيف الباحثون أن «دأب واشنطن على «المسار المزدوج» يجري من خلال «سياسات إصلاح العلاقة» مع بعض التشكيلات السياسية من جهة، والعمل على قلب الأنظمة والحركات الأخرى بالقوة والتدخل العسكري، من جهة أخرى. هذه السياسة التي مارستها سابقاً إدارة كيندي في أوائل الثورة الكوبية».

وفقاً لهذا «المذهب السياسي»، قدَّم كيندي برنامجاً اقتصادياً جديداً من المساعدات والقروض والاستثمارات لأمريكا اللاتينية، وفي الوقت نفسه، عزَّز «المساعدات» الأمريكية العسكرية، والتدريبات العسكرية المشتركة في المنطقة. 

مذهب فاشل.. واستراتيجية جديدة

ومع ذلك، فشلت واشنطن، بشكلٍ واضح، خلال الأعوام الخمسة عشرة الماضية، في منع ظهور حركة «مناهضة الإمبريالية» في أمريكا اللاتينية. وخسرت المعركة بمقابل حكومات اليسار في فنزويلا والأرجنتين والإكوادور وبوليفيا والبرازيل والأوروغواي والباراغواي والهندوراس ونيكارغوا. ونتيجة لذلك، لم تفقد الولايات المتحدة «الأغلبية المطلقة في منظمة الدول الأمريكية OAS» فحسب، بل تحولت إلى أقلية واضحة تماماً. وعلاوة على ذلك، فقد ثبت أن سياسة العقوبات الأمريكية التي طال أمدها ضد هافانا لم تكن مجدية كلياً.

بناءً على ذلك، قرَّر البيت الأبيض تغيير استراتيجيته القديمة، فأعلن عن نيته تطبيع العلاقات الأمريكية مع كوبا في أواخر عام 2014. وفي الوقت ذاته، شنت الإدارة الأمريكية حملة مسعورة على فنزويلا، واصفة الحكومة الاشتراكية بأنها «تهديدٌ للأمن القومي للولايات المتحدة». ومع هذا، فإن ما يسمى بـ«الانفتاح على كوبا» هو، على أرض الواقع، جزءٌ لا يتجزأ من استراتيجية أوسع نطاقاً، تتمثل في محاولة «التدخل السياسي» الجديد في الشؤون الداخلية لدول أمريكا اللاتينية.

السيناريو الفنزويلي والمناعة الاجتماعية

يجد «نهج المسارين» هذا ترجمته في فنزويلا، عن طريق تغليب العنصر العسكري بشكلٍ خاص، حيث ستواصل الولايات المتحدة دعمها لعملية التوتر العنيفة الجارية على الحدود الفنزويلية مع كولومبيا. وفي موازاة ذلك، سوف تواصل تشجيع التخريب الداخلي لنظام شبكة الكهرباء والنمط الجديد لتوزيع الأغذية. أما الهدف الاستراتيجي، فهو محاولة تقويض القاعدة الانتخابية لحكومة مادورو، في إطار تحضير واشنطن لأشكال تدخلها في الانتخابات الفنزويلية المزمع عقدها في خريف عام 2015. وتشير المعطيات إلى أن الولايات المتحدة تجهز نفسها للعمل على أربع جبهات في هذه الانتخابات، أولاً: من خلال التدخل العنيف غير المباشر، بما يؤدي افتراضاً إلى تآكل الدعم الانتخابي للحكومة. ثانياً: تأمين تمويل واسع النطاق للحملة الانتخابية للمعارضة البرلمانية، بما يفضي لحصولها على الأغلبية البرلمانية. ثالثاً: إطلاق حملة إعلامية ضخمة لصالح تصويت الكونغرس لإجراء استفتاء حول إقالة الرئيس. رابعاً: إجراء ضغوطات مالية وسياسية وإعلامية للتأثير في أصوات هذا الاستفتاء.

غير أن الضعف الاستراتيجي والتكتيكي لهذه السياسة البائدة، يكمن في غياب أي برنامج اقتصادي مستدام وشامل، إذ أن القوى الموالية للولايات المتحدة لا يمكنها أن تعد الجمهور بأكثر من عودة برامج التقشف المرفوضة شعبياً، وقلب برامج الرعاية الاجتماعية العامة، بالتوازي مع تقديم تنازلات اقتصادية واسعة النطاق للمستثمرين الأجانب والمصرفيين. بينما لن تؤدي مثل هذه البرامج الرجعية إلا إلى إشعال التفاوت الطبقي وتكثيفه، وتأجيج الصراعات العرقية والاجتماعية. وهذا ما يعلمه الناخبون الفنزويليون، الذين حظوا مؤخراً فقط وتحت الحكم ذي التوجه الاشتراكي بنمط توزيع عام للغذاء، نتيجة لسياسات الرعاية الاجتماعية التي تنتهجها الحكومة الفنزويلية.

ما لن يستطيع مشاة البحرية إيقافه

بعض التغييرات الطبيعية داخل أمريكا اللاتينية، أتاحت للولايات المتحدة «ثغرةً جديدةً» لمتابعة سياسة «المسار المزدوج»: فمن جهة، تكثِّف واشنطن ضغطها السياسي والاقتصادي ودعايتها ضد سياسات وأنظمة «الدولة التدخلية» في أمريكا اللاتينية، ومن جهةٍ أخرى، يصعَّد البنتاغون من وجوده في أمريكا الوسطى والمناطق المتاخمة لها، ففي شهر أيار من هذا العام، نشرت إدارة أوباما 280 من مشاة البحرية الأمريكية في أمريكا الوسطى، دون تحديد مهمتهم العسكرية.

وهنا، يبدو أن البيت الأبيض لن ينجح في تنفيذ استراتيجيته المزدوجة، فأولاً: تفتقر الولايات المتحدة إلى الموارد اللازمة لتطوير النشاط الإنتاجي في المنطقة. وثانياً: أدركت دول أمريكا اللاتينية بالفعل، أن الانقلابات العسكرية و«الأسواق الحرة» ليست أفضل الوصفات لتحقيق الازدهار الاقتصادي والسيادة السياسية.

إن الإمبريالية المالية والاستخراجية هي مزيج سياسي- اقتصادي من شأنه تفجير ثورة اجتماعية على مستوى القارة ككل، وهذا ما سوف يكون أبعد من قدرة قوات مشاة البحرية الأمريكية على منعه أو قمعه..! ومن المهم جداً، تحليل كيف أثر صعود روسيا والصين وأسواق إقليمية ومراكز جديدة للتمويل عالمياً، على الأنظمة العميلة في أمريكا اللاتينية، وأفشل مخططاتها لإعادة تنظيم العلاقات مع الولايات المتحدة.

يثبت بناة «الإمبراطورية الأمريكية»، وفي أنحاء العالم جميعها، أنهم عاجزون عن تحقيق الانتصارات. حيث أن لهاث واشنطن لاستعادة الهيمنة سوف لن يحظى بالنجاح، إذ أن استراتيجيتها تفتقر إلى أية إمكانية لتقديم الدعم الاقتصادي للنخب الموالية لها فيما لو وصلت إلى زمام السلطة. على سبيل المثال: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تقدم بديلاً عن حزم الاتفاقات التي تبرمها البرازيل مع الصين، والتي تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار، إلا من خلال سيناريو العنف والتدخل العسكري؟

*عن «SputnikNews» بتصرف..