دماغ وأدمغة
سلوى السعيد سلوى السعيد

دماغ وأدمغة

في القائمة التي أعدّها المفكّر الأمريكي نعوم تشومسكي اختزل الطّرق التي تستعملها وسائل الإعلام العالميّة للسيطرة على الشّعوب عبر وسائل الإعلام في عشر استراتيجيّات أساسيّة وهي :

(1) استراتيجيّة الإلهاء: هذه الاستراتيجيّة عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والاقتصاديّة، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. استراتيجيّة الإلهاء ضروريّة أيضا لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الضروريّة في ميادين مثل العلوم، الاقتصاد، علم النفس، بيولوجيا الأعصاب و علم الحواسيب. «حافظ على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة. اجعل الشعب منشغلا، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات.» (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)
(2)  ابتكر المشاكل ... ثم قدّم الحلول.
(3)  استراتيجيّة التدرّج.
(4)  استراتيجيّة المؤجّــَـل.
(5)  مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار: تستعمل غالبية الإعلانات الموجّهة لعامّة الشعب خطابا وحججا وشخصيات ونبرة ذات طابع طفولي، وكثيرا ما تقترب من مستوى التخلّف الذهني، وكأن المشاهد طفل صغير أو معوّق ذهنيّا.
(6)  استثارة العاطفة بدل الفكر: استثارة العاطفة هي تقنية كلاسيكية تُستعمل لتعطيل التّحليل المنطقي، وبالتالي الحسّ النقدي للأشخاص. كما أنّ استعمال المفردات العاطفيّة يسمح بالمرور للاّوعي حتّى يتمّ زرعه بأفكار، رغبات، مخاوف، نزعات، أو سلوكيّات.
(7)  إبقاء الشّعب في حالة جهل وحماقة: العمل بطريقة يكون خلالها الشعب غير قادر على استيعاب التكنولوجيات والطّرق المستعملة للتحكّم به واستعباده. "يجب أن تكون نوعيّة التّعليم المقدّم للطبقات السّفلى هي النوعيّة الأفقر، بطريقة تبقى إثرها الهوّة المعرفيّة التي تعزل الطّبقات السّفلى عن العليا غير مفهومة من الطّبقات السّفلى" (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)
(8)  تشجيع الشّعب على استحسان الرّداءة.
(9)  تعويض التمرّد بالإحساس بالذنب.
(10)  معرفة الأفراد أكثر ممّا يعرفون أنفسهم: خلال الخمسين سنة الماضية، حفرت التطوّرات العلميّة المذهلة هوّة لا تزال تتّسع بين المعارف العامّة وتلك التي تحتكرها وتستعملها النّخب الحاكمة. فبفضل علوم الأحياء، بيولوجيا الأعصاب وعلم النّفس التّطبيقي، توصّل «النّظام» إلى معرفة متقدّمة للكائن البشري، على الصّعيدين الفيزيائي والنّفسي. أصبح هذا "النّظام" قادرا على معرفة الفرد المتوسّط أكثر ممّا يعرف نفسه، وهذا يعني أنّ النظام - في أغلب الحالات - يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم.
تبدو هذه الاستراتيجيات متجلية في عدة مشاريع عالمية أهمها مشروع الدماغ الأزرق السويسري ومشروع الدماغ البشري الأوروبي ومبادرة الدماغ الأمريكية التي أطلقت جميعها في أوقات متقاربة.
مبادرة الدماغ
 في الثاني من نيسان 2013 ، أطلقت مبادرة الدماغ الأميركية من أجل " تسريع عملية تطوير وتطبيق التكنولوجيات الجديدة التي سوف تمكن الباحثين من إنتاج صور ديناميكية للدماغ، تبين كيف تتفاعل خلايا الدماغ الفردية و الدارات العصبية المعقدة مؤثرة في سرعة التفكير . " واستجابة لهذا التحدي الكبير، أنشأت المعاهد الوطنية للصحة مجموعة عمل اللجنة الاستشارية للإدارة، لوضع خطة صارمة لتحقيق هذه الرؤية العلمية . ولضمان بداية سريعة ، طلب من مدير المعاهد الوطنية للصحة في مجموعة تقديم تقرير مؤقت لحديد مجالات البحث ذات الأولوية العالية التي ينبغي النظر فيها للدماغ، وستمول مبادرة المعاهد الوطنية للصحة في السنة المالية عام 2014. وتنعكس المجالات ذات الأولوية في هذا التقرير ، وفي نهاية المطاف، سيتم دمجها في خطة علمية أوسع لمجموعة العمل التي توضح بالتفصيل الرؤية الأشمل، والجداول الزمنية ومراحل التنفيذ .
الأهداف المعبر عنها جريئة وطموحة . واتفق الفريق العامل أنه في المراحله الأولية ، فإن أفضل طريقة لتمكين هذه الأهداف هو تسريع تطوير التكنولوجيا، على النحو المبين في اسم المبادرة: «أبحاث الدماغ من خلال النهوض بتقنيات عصبية مبتكرة» إن التركيز ليس على التكنولوجيا في حد ذاتها ، ولكن على تطوير واستخدام أدوات لاكتساب البصيرة الأساسية حول كيفية عمل الجهاز العصبي في الصحة والمرض.
وجرى تقييم هذه التقنيات على أساس قدرتها على تسريع ودفع مجالات أخرى من علم الأعصاب أيضا.
حيث حدد الفريق العامل ضرورة تحليل دوائر تفاعل الخلايا العصبية من حيث غناها بشكل خاص بالفرص، وإمكانية التقدم الكبير، وكذلك ففهم الدارات يتطلب تحديد وتوصيف الخلايا المكونة ، وتحديد علاقاتها المتشابكة مع بعضها البعض ، ومراقبة أنماط ديناميكية النشاط في الجسم الحي خلال السلوك، و تغيير هذه الأنماط لاختبار أهميتها . مما يتطلب أيضا فهم الخوارزميات التي تحكم معالجة المعلومات داخل الدارة، والتفاعل بين الدارات في الدماغ ككل.
وعقدت حلقات العمل مع الخبراء المدعوين لمناقشة التقنيات في الكيمياء والبيولوجيا الجزيئية؛ والكهربية والبصريات؛ وبيولوجيا الأعصاب الهيكلية؛ والحساب، والنظريات، وتحليل البيانات، وعلم أعصاب الإنسان.
الدماغ الأزرق
أما مشروع الدماغ الأزرق السويسري فقد أطلق في العام 2005 حيث بدأ باتفاق بين EPFL وIBM، التي زودتها  بالحاسوب العملاق المسى BlueGene / L التي حصلت عليه EPFL لبناء الدماغ الافتراضي.
وهدف المشروع إلى إعادة بناء دماغ قطعة قطعة عن طريق بناء الدماغ الافتراضي في الحاسوب العملاق. وسيكون الدماغ الافتراضي أداة استثنائية تعطي علماء الأعصاب فهماً جديداً للدماغ وفهماً أفضل للأمراض العصبية.
والقدرة الحاسوبية اللازمة ليست بالقليلة. إن محاكاة كل خلية عصبية تتطلب ما يعادل جهاز كمبيوتر محمول. إن نموذج للدماغ كاملاً سيحتاج للملايين من الكمبيوترات. إن تكنولوجيا الحوسبة الفائقة تقترب بسرعة من مستوى حيث تصبح محاكاة الدماغ كاملاً إمكانيةً ملموسةً.
مشروع الدماغ البشري
أما مشروع الدماغ البشري الأوروبي والذي بدأ في العام 2013 فيهدف إلى بناء البنية التحتية لتكنولوجيا جديدة تماما لحوسبة المعلومات لعلم الأعصاب وللبحوث المتعلقة الدماغ في الطب والحوسبة، وتحفيز جهد تعاوني عالمي لفهم الدماغ البشري، وأمراضه، ولمحاكاة قدراته الحسابية في نهاية المطاف. وقد ساهم الاتحاد الأوروبي بتمويل هذا المشروع بقيمة 1.2 بليون يورو.
ولنسأل أنفسنا هذا السؤال مرة أخرى لماذا هذا الجهد العالمي المفاجئ في هذا المجال تحديداً، ليس ذلك إنقاصاً من أهمية البحث في هذا المجال أو غيره، لكن نعود إلى المقدمة ولنقرأ من جديد الأهداف الحقيقية لكل هذه الجهود.