الصواعق البدائية أمّنت الفوسفور الضروري لنشوء الحياة
مجموعة باحثين مجموعة باحثين

الصواعق البدائية أمّنت الفوسفور الضروري لنشوء الحياة

نشرت مجلة «مراسلات الطبيعة» Nature Communications يوم الثلاثاء، 16 آذار الجاري، دراسة قال فيها الباحثون: إن الصواعق التي ضربت الأرض خلال المليار سنة الأولى التي تلت عملية تشكل الكوكب (العائدة إلى ما قبل 4,5 مليارات سنة) ربما تكون قد حرّرت مركبات الفوسفور اللازمة لتكوين الجزيئات الحيوية الضرورية لنشوء الحياة على كوكبنا. وقام الباحثون بفحص عينة «فولغوريت» كبيرة وغير معتادة تشكلت عندما ضربت صاعقةٌ عام 2016 الفناءَ الخلفي لأحد المنازل في جلين إلين، إلينوي، خارج شيكاغو، في الولايات المتحدة. وتوضح هذه العينة أنّ الصخور الزجاجية المتكوِّنة بعد الصاعقة (وتسمّى الفولغوريت) تأوي كميات كبيرة من مركبات الفوسفات القابل للذوبان في الماء (الشريبيرسايت)، وبالتالي القابل للمساهمة في تشكيل الحياة، بتوافر شروط معيَّنة.

ترجمة وإعداد: د. أسامة دليقان

الحياة على الأرض وأهمية الفوسفور

يعتقد العلماء، أن الكائنات الحية المبكرة الشبيهة بالبكتيريا نشأت في المياه البدائية للأرض، ولكنّ هناك جدلاً حول وقت حدوث ذلك، وما إذا كان قد حدث في المياه الدافئة والضحلة أو في المياه العميقة في الفتحات الحرارية المائية.
قد تقدم الدراسة نظرة ثاقبة لأصول الحياة الميكروبية المبكرة على كوكب الأرض. وربما تعطي أحد الآليات التي قد تتناسب مع فرضية إمكانية وجود الحياة خارج كوكب الأرض أيضاً على كواكب صخرية مماثلة لكوكبنا. بالنسبة لكوكبنا الأرض فإنّ من المحتمل أن الحياة نشأت عليه منذ 3,5 مليارات سنة، حيث تشير الأدلة المعتمدة على نظائر الكربون المشع إلى أن الحياة ربما نشأت قبل فترة تراوح بين 3,8 إلى 4,1 مليارات سنة.
من بين المكونات التي تعتبر ضرورية للحياة الماء والكربون والهيدروجين والنيتروجين والأكسجين والكبريت والفوسفور، إلى جانب مصدر للطاقة. والفوسفور هو أحد العناصر الأساسية للحياة، ويشارك في الجزيئات الحيوية، مثل: الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين DNA، والحمض النووي الريبي RNA، والفوسفوليبيد الضروري للأغشية الخلوية، ومركب الطاقة الشهير «الأدينوزين ثلاثي الفوسفات» ATP. في حين أن «الفسفور اللاحيوي» الأرضي موجود في كل مكان بشكل أساسي على الأرض في شكل الفوسفات المؤكسد، لكنه يكون مرتبطاً بالمعادن، مثل: الأباتيت، الذي لا يذوب بشكل فعال في الماء.

ما هو الشريبرسايت؟

حتى الآن، كان يُعتقد على نطاق واسع أن النيازك التي قصفت الأرض في وقت مبكر كانت مسؤولة بشكل أساسي عن وجود الفوسفور «المتاح بيولوجياً». تحتوي بعض النيازك على معدن الفوسفور المسمى الشريبرسايت schreibersite، وهو مركب يحتوي على فوسفور وحديد ونيكل، وقابل للذوبان في الماء، والماء هو الوسط الذي يُعتقد أن الحياة قد تشكلت وبدأت فيه. وبالتالي، فإن الشريبرسايت هو أحد المصادر المقبولة عموماً كمصدر للفوسفات لتخليق جزيئات الفوسفات العضوية الأساسية التمهيدية ما قبل تكون الحياة على الأرض.
في المقابل، تم العثور على الفوسفور المُرجَع كيميائياً في شكل معدن الشريبيرسايت شديد التفاعل. عندما يتم ترطيبها، تشكل الشريبيرسايت فوسفاتاً مائياً نشطاً قادراً على تكوين جزيئات عضوية أساسية، مثل: فوسفات الغلسيرين والنيوكليوزيدات والفوسفوكولين، وغيرها، والتي يعتقد أنها لعبت دوراً مهماً في نشأة الحياة من خلال التفاعل بكفاءة مع الأشعة فوق البنفسجية الشمسية وكبريتيد الهيدروجين المنحلّ -HS لتكوين أورثوفوسفات PO43-.

ما هو الفولغوريت؟

العينة التجريبية التي قام الباحثون بفحصها لاختبار الفرضية، هي عينة فولغوريت كبيرة وغير معتادة تشكلت عندما ضرب البرق الفناء الخلفي للمنزل المذكور في جلين إلين، إلينوي، خارج شيكاغو، في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عام 2016.
عندما تضرب صاعقة الأرض، يمكن أن تخلق صخوراً زجاجية تسمى الفولغوريت fulgurites عن طريق التسخين الفائق، وأحياناً تبخر الصخور السطحية، مما يؤدي إلى تحرير الفوسفور المقفل بالداخل. نتيجة لذلك، يمكن أن تحتوي هذه الفولغوريت على شيربيرسايت.

صواعق الأرض القديمة كانت أكثر عدداً

قام الباحثون في هذه الورقة العلمية التي نشرتها مجلة الطبيعة مؤخراً، بحساب عدد ضربات الصواعق التي امتدت بين 4,5 مليار و3,5 مليارات سنة، بناءً على تكوين الغلاف الجوي في ذلك الوقت وحساب مقدار الشريبيرسايت الذي يمكن أن ينتج. كان النطاق الأعلى المقدَّر هو حوالي كوينتيليون (واحد على يمينه 18 صفراً) ضربة صاعقة، وتشكيل ما يزيد عن مليار فولغوريت سنوياً.
وقالوا بأنّ نموذجهم وحساباتهم تتوقع بأنه كان ممكناً وجود ما يقرب من 1 مليار إلى 5 مليارات ومضة برق سنوياً على الأرض المبكرة، مقارنةً بالعدد الحالي منها والذي هو 560 مليون ومضة كل سنة في العصر الحديث. في الوقت الحالي، تحدث 100 مليون ضربة برق من السحابة إلى الأرض على مساحات اليابسة الاستوائية مع تلقي بعض المناطق ما يزيد عن 100 ضربة من السحابة إلى الأرض لكل كيلومتر مربع في السنة. من المعقول، إذن، أنه في ظل معدلات البرق المرتفعة للأرض المبكرة، ربما كان هناك على الأقل بضع مئات من الضربات من السحب إلى الأرض (مما يساهم بتشكيل الفولغوريت) لكل كيلومتر مربع في السنة على بعض الكتل الأرضية الاستوائية. بالإضافة إلى ذلك، كانت هذه الجزر نشطة بركانياً، ويمكن للأعمدة البركانية الناتجة عن الانفجارات البازلتية أن تولد البرق، مما يزيد من وتيرة حدوثه. أخيراً، اقترح الباحثون وجود بعض البازلت ذي محتوى فوسفوري أكبر بكثير.

ووجدت حسابات الباحثين، أن كمية معادن الفوسفور الناتجة عن ضربات الصواعق تجاوزت في نهاية المطاف كمية الفوسفور القادمة إلى الأرض من النيازك، وذلك منذ نحو 3,5 مليارات سنة، وهو ما يقرب من عمر أقدم الحفريات المعروفة التي تم قبولها على نطاق واسع لتكون الميكروبات.
لُبّ الفولغوريت ضخم وزجاجي، في حين أن الحافة حويصلية ورغوية. وفي التجارب التي قام بها الباحثون ولخصوها في ورقتهم المنشورة، تم تحليل الفولغوريت المدروس باستخدام تقنيات طيفية محددة وومضان الأشعة السينية والحيود، والتحليل الطيفي للتشتت الإلكتروني، وغيرها. في حين أن بنية الفولغوريت عبارة عن زجاج سيليكا غير متبلور في الغالب، فإنه يحتوي أيضاً على كربيد السيليكون SiC وكربون غرافيتي غير متبلور.
إنّ الصواعق تسخن المادة التي تضربها إلى أكثر من 3000 درجة كلفن، بما يتوافق مع زجاج السيليكا غير المتبلور في قلب الفولغوريت. ويشير وجود كربيد السيليكون SiC في حافة الفولغوريت إلى درجة حرارة دنيا تبلغ 1600 كلفن للعينة بأكملها. بالمقابل يشير كل من ثاني أكسيد السيليكون غير المتبلور (أي: حبيبات الكوارتز السابقة) في اللب ونقص تعدد أشكال الكوارتز عالي الحرارة في الحافة إلى أنّ قلب الفولغوريت قد تعرّض إلى عملية تبريد سريعة.

تعليقات من مؤلفي الدراسة

قال بنجامين هيس، طالب الدراسات العليا في جامعة ييل في علوم الأرض والكواكب والمؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة: «قد تكون الصواعق، بالتالي، جزءاً مهماً من ظهور الحياة على الأرض».
«على عكس تأثيرات النيزك التي تقل أضعافاً مضاعفة بمرور الوقت، يمكن أن تحدث الصواعق بمعدل ثابت على مدار تاريخ الكوكب. وهذا يعني أن الصواعق قد تكون أيضاً آلية مهمة جداً لتوفير الفوسفور اللازم لظهور الحياة على كواكب أخرى شبيهة بالأرض بعد أن أصبحت تأثيرات النيازك نادرة».
قال جيسون هارفي، مؤلف مشارك في الدراسة وأستاذ مشارك في الكيمياء الجيولوجية بجامعة ليدز: «يُظهر بحثنا أن إنتاج الفوسفور المتاح بيولوجياً عن طريق الصواعق ربما يكون قد تم التقليل من شأنه، وأن هذه الآلية توفر إمداداً مستمراً من المواد القادرة على توفير الفوسفور بشكل مناسب لبدء الحياة».
قال هيس، مشيراً إلى الفوسفور المنفتح بواسطة الصواعق: «هذا النموذج ينطبق فقط على التكوين الأرضي للحياة كما هو الحال في المياه الضحلة. من المحتمل أن يكون الفوسفور المضاف إلى المحيط من ضربات الصواعق ضئيلاً نظراً لحجمه».

دراسة في مجلة «مراسلات الطبيعية»، 16 آذار 2020، بعنوان: «ضربات البرق بوصفها مُيسِّراً أساسياً لإرجاع الفوسفور ما قبل الحيوي على الأرض الباكرة». تأليف بنجامين هيس، وساندرا بيازولو، وجيسون هارفي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1010
آخر تعديل على الإثنين, 22 آذار/مارس 2021 00:18