في الصين أدقّ «تلسكوب راديويّ» في العالَم ومتاحٌ للعلماء الأجانب
دينيس نورمايل دينيس نورمايل

في الصين أدقّ «تلسكوب راديويّ» في العالَم ومتاحٌ للعلماء الأجانب

الصين اليوم تقلب الطاولة في علم الفلك والفضاء، إذْ بعد أنْ بقيت لجيل كامل تحاول اللحاق بالركب العلمي للدول الأكثر تقدماً، باتت تمتلك الآن أكبر تلسكوب لاسلكيّ في العالم. وفي العام الماضي صارت الصين أوّل دولة تجلب صخوراً قمريّة بعد انقطاع الرحلات الفضائية عن القيام بذلك منذ 45 عاماً. وتفتح الصين اليوم أبوابها للتعاون العلمي مع الباحثين والعلماء الأجانب مُتيحةً لهم استعمال تلسكوبها «الراديوي الكروي المزوّد بفتحة 500 متر» والمعروف اختصاراً بـ «FAST»، وهو التلسكوب الراديوي أحاديّ الطَبَق الأكثر حساسية في العالم منذ اكتمال إنشائه عام 2016.

 تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان

في كانون الأول 2020، جلبت المهمة الفضائية الصينية التي تحمل اسم «Chang’e-5» كمية من الصخور والتربة من القمر وزنها 1,7 كيلو غراماً، علماً بأنّ آخر عيّنة وصلتنا من القمر عبر رحلة فضائية كانت في العام 1976. هذه فرصة قد تساعد الباحثين في كشف تاريخ النظام الشمسي. وفي 18 كانون الثاني 2021، أكدت إدارة الفضاء الوطنية الصينية CNSA أنها ستشجع «البحث الدولي المشترك» على العينات، وقد تبدأ بمراجعة الطلبات المقدمة إليها في شهر نيسان الجاري.

التلسكوب الأدقّ من نوعه في العالم

بادرت الصين إلى افتتاح الوصول إلى «التلسكوب الراديوي الكروي المزوّد بفتحة 500 متر» المعروف اختصاراً بـ«FAST»، وهو التلسكوب الراديوي أحاديّ الطَبَق الأكثر حساسية في العالم منذ اكتمال إنشائه عام 2016. وستبدأ المراصد الفلكية الوطنية الصينية هذا الشهر قبولَ طلبات الباحثين الأجانب لاستعماله. ويتوقع كبير العلماء العاملين على هذا التلسكوب عشرات الطلبات لما يقرب من 400 ساعة من وقت الرصد الفلكي المخصص للأجانب، ويقول بأنّ عدد الطلبات ستتجاوز كثيراً ما هو متاح، لذلك ستكون عمليةً تنافسية.
يقول تشانغ جين، المدير العام لمراصد الصين الفلكية الوطنية NAOC: إنّ الهدف الرئيس للصين- بأن تشارك العالَم في مواردها- هو ببساطة القيام بعمل علمي أفضل. ويقول: إنّ الحصول على أفكار أجنبية حول كيفية استخدام تلسكوب FAST مفيد بالتأكيد لتطوير البحث في علم الفلك الراديوي. ويقول جانغ مينغ، خبير سياسة الفضاء في أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية: «لقد استفادت الصين كثيراً من التعاون الفضائي الدولي... ومن الطبيعي أنْ تردَّ الصينُ الجميلَ للعالَم عندما يكون ذلك ممكناً».

انتهاء خدمة تلسكوب غربي

تمّ بشكل أبكر من المتوقَّع إحالة مرصد Arecibo، في بورتوريكو، على التقاعد، وذلك بعد أن كان سابقاً أكبر طبق راديو فردي في العالم. وهذا أحد العوامل التي عززت جاذبية التلسكوب الصيني FAST رغم أنه، حتى الآن، لا يحلّ محلّ جميع قدرات Arecibo فهو يغطي نطاقاً أضيق من الترددات، ويفتقر إلى نظام الرادار النشط الذي استخدمه Arecibo لرسم خرائط لأسطح الكواكب والكويكبات. ولكنَّ تلسكوب FAST الصيني أكثر حساسية من Arecibo بمرَّتين، ولذلك يكتشف النجوم النابضة الخافتة وغير العادية، ورشقات الراديو السريعة.

وفي ظلّ هذه الظروف تقدّم الصين تسهيلات للعلماء الأجانب الذين يسعون إلى استخدام التلسكوب الصيني FAST، حيث يقول لي: «عملياً يمكن لأي شخص أن يقدم طلباً». تم نشر نموذج طلب باللغة الإنجليزية على موقع FAST الإلكتروني، الذي يطلب مقترحات لأوقات رصد تصل مدتها إلى 100 ساعة. سيقوم الحكام الدوليّون بمراجعة وتصنيف المقترحات، وسيتم تخصيص وقت التلسكوب بحلول آب 2021.

دبلوماسية علميّة وعوائق سياسية

بالنسبة للآخرين، يُعَدُّ العمل مع الصين تمريناً في الدبلوماسية العلمية، بروح التعاون العلمي الذي كان بين علماء الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقاً. يقول كارل هايلز، عالم الفلك الراديوي في جامعة كاليفورنيا، بيركلي: «من المؤكد أنَّ مثل هذه التفاعلات ساهمت بشكل إيجابي خلال الحرب الباردة».
قد تعترض العقبات القانونية والدبلوماسية طريق الباحثين الأمريكيين. منذ عام 2011، منع الكونغرس وكالة ناسا من استخدام تمويلها لأية أنشطة ثنائية «مع الصين أو أية شركة مملوكة للصين».
الصين تعتبر الخلاف السياسي عائقاً أيضاً. قال وو يان هوا، نائب مدير CNSA، في مؤتمر صحفي في 17–12–2020: إن قرار الصين بشأن فيما إذا كانت ستشارك عينات القمر مع العلماء الأمريكيين أم لا، هو أمرٌ «يعتمد على سياسة الحكومة الأمريكية». يشعر برادلي جوليف، عالم الكواكب بجامعة واشنطن في سانت لويس، بالإحباط، ولكنه يتفهم موقف الصين، ويقول: «لا يمكننا إقراض عينات أبّولو للصينيين، فلماذا يجب عليهم إعارة عينات Chang’e إلى العلماء الأمريكيين؟».
يقول كلايف نيل، عالم القمر في جامعة نوتردام: إنّ الاتحاد الدولي الذي لا يزال في المراحل الأولى من تطوير نهج متعدد الأطراف قد «يكسر الحواجز التي وضعها السياسيون». ومن الجهود الناشئة الأخرى المركز الدولي لأبحاث القمر والكواكب، التابع لمعهد الجيولوجيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الجيولوجية، والذي يدرس إمكانية ترتيب زيارات دولية للمختبرات التي تحتوي على عيّنات، كما يقول ألكسندر نيمشين، الجيولوجي بجامعة كيرتن وزملاؤه.

مشاريع فضائية مستقبلية

بالنسبة للباحثين الأجانب، فإن الفرص بدأت للتو. في الشهر الحالي أو المقبل، من المتوقع أن تطلق وكالة الفضاء الصينية CNSA الوحدةَ الأساسية لمحطة الفضاء الصينية، وفي غضون السنوات القليلة القادمة ستضيف وحدتين للتجارب في الجاذبية الصغرى والفيزياء والطقس في الفضاء، والتي ستكون مفتوحة للباحثين الدوليّين. وبحلول العام 2024 تخطط الصين لإطلاق تلسكوب مداريّ بمرآة طولها متران (أصغر قليلاً من تلسكوب هابل الفضائي) والتي ستكون قادرة على الالتحام بالمحطة للصيانة. أما على كوكب الأرض، فيخطط معهد فيزياء الطاقة العالية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، تخصيص 5 مليارات دولار لمسرّع جسيمات من شأنه أنْ يتفوَّق على أفضل منشأة في العالم من هذا النوع حتى الآن، وهي «مصادم الهادرونات الكبير» التابع للمنظمة الأوروبية للبحث النووي المعروفة اختصاراً بـ CERN.
يقول تشانغ: «تخطط الصين لتنفيذ العديد من المشاريع العلمية والاستكشافات الفضائية الكبيرة الأخرى». سوف تتضاعف المعضلات مع الفرص.

تسميم العلم بالسياسات العدوانية

ختاماً، نجمّع فيما يلي الجمل التي لا صلة لها بالمضمون العلمي للمقال، والتي أقحمها كاتب مجلة «ساينس» فيه في عدة مواضع:
[[كثيرون متحمسون، لكنّ آخرين غير مرتاحين لما يرون أنه تعاون مع نظام استبدادي. يقول ديفيد بورباخ، خبير السياسة الأمنية والفضائية في الكلية الحربية البحرية الأمريكية: إن دبلوماسية العلوم الصينية «يمكن أن تعزز الشرعية المحلية وتقدم صورة عالمية على أنّ الصين قوة تعاونية وغير مهددة»، لكن البعض لا يرى دوافع ذلك حميدة كثيراً. يقول كلايف هاميلتون، عالم الأخلاق في جامعة تشارلز ستورت، كانبيرا: «تبحث الحكومة الصينية دائماً عن فرص لتحويل التعاون العلمي إلى ميزة سياسية». بالنسبة للعلماء، فإنّ هذا يضع «فخاً أخلاقياً لإضفاء الشرعية» على نظام استبدادي... تقول جوانا رانكين، عالمة الفلك الراديوي في جامعة فيرمونت: «حتى لو كانت FAST هي الأداة المثالية لمتابعة عملي، فلن أكون على استعداد للعمل في الصين بطريقة تساهم في تعزيز مكانة الصين». وهي تشير إلى مخاوف حقوق الإنسان، وتآكل الحريات في هونغ كونغ... «في رأيي، لا يعني العمل مع الصين في المسائل العلمية التغاضي عن ممارساتها السياسية»، كما يقول صن كووك، عالم الفلك والعميد السابق للعلوم في جامعة هونج كونج، ويعمل حالياً في جامعة كولومبيا البريطانية، فانكوفر]].
وتبيّن الاقتباسات أعلاه، أنّه حتى المجّلات العلمية المُحكَّمة والمرموقة مثل: Science لا تخلو من الاستقطاب السياسي طالما التناقض الاجتماعي غير محلول.

دينيس نورمايل: مراسل لمجلة العِلم العالمية الشهيرة «ساينس» Science Magazine، يكتب من شانغاهاي في الصين. والمقال الحالي تعريب وإعداد بتصرُّف عن المقال الإخباري الذي كتبه نورمايل في موقع المجلة المذكورة بتاريخ 1 نيسان 2021، تحت عنوان «علم فَلك الصين الرائد ومواردها الكواكبية تجتذب المتعاونين الأجانب».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1012
آخر تعديل على الإثنين, 05 نيسان/أبريل 2021 11:27