إضاءة عِلمية على حرب المعلومات الحديثة والأخبار الزائفة
البروفسور أندرييه مانويلو البروفسور أندرييه مانويلو

إضاءة عِلمية على حرب المعلومات الحديثة والأخبار الزائفة

«كفّت حروب المعلومات مؤخّراً عن كونها مجرد (حملات إعلامية عدوانية) وتطوّرت إلى مجموعات عمليّاتية، تتصدّرها أعمالٌ استخباراتية، وتقترن بتطبيق أساليبَ جديدة للسيطرة على عقول وسلوك الناس العاديّين. وتتطلب حالة الطوارئ لهذه الحرب غير التقليدية الجديدة والمختلطة في طبيعتها وأشكالها وأساليبها، تطويرَ مناهج جديدة لمواجهة تهديداتها، ويجب أن تكون هذه العمليات المضادّة مُعقَّدةً ومُختلَطة مثل الأساليب والتقنيات الهجومية» – أندرييه فيكتوروفيتش مانويلو.

تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان

الثورة التكنولوجية وحروب المعلومات الجديدة

أصبحت حروب المعلومات شائعة في عالم اليوم، وهي نوعٌ خاص من النزاعات المسلَّحة تُستخدَم فيها أسلحة من النوع المعلوماتي. وهدفها الرئيس تقسيم المجتمع واستقطابه وتفتيتُه لشظايا كارهة لبعضها لتبدأ التصادم بمعركة تدمير ذاتي، أو دمجها بتيار موحَّد ضد جِهة مُستَهدَفة. تهدف حرب المعلومات لتثبيط عزيمة الخصم وإضعاف إرادة المقاومة لديه والسيطرة عليه. والكفاءة العالية للعمليات المعلوماتية والإرباك الذي تسببه كردّ فعل نموذجي، تجعلها من العناصر الرئيسة للنزاع المسلّح الهَجين في العصر الحديث.
ومع ذلك، لم تنجح هذه الحروب دوماً، ففي الآونة الأخيرة، منذ 5 إلى 7 سنوات، بدا الجميعُ حذرين من تطبيق أساليب التأثير المعلوماتية والنفسية والإلكترونية، وفشلوا بتحقيق نتائج مضمونة، وجازفوا بمخاطر عالية للكشف عن هوية الجُناة أنفسِهم، ولذلك اقترنت غالباً بأساليب أكثر موثوقية وقوة كالعدوان العسكري المباشر.
لم يُؤخذ مصطلح «حرب المعلومات» على محمّل الجد لعقود: فقد اعتُبِرَ «اكتشافاً ذكياً» لمراسلي الأخبار، استخدموه لزيادة توزيع مطبوعاتهم. ويبدو أنّ الجيش الأمريكي هو الوحيد الذي أخذ العمليات المعلوماتية على محمل الجدّ منذ البداية، ففي عام 1988 أدخل مصطلح «العملية النفسية» في دليله الميداني.

الأخبار الكاذبة و «الخُطّافات»

عمليةُ المعلومات توليفةٌ عمليّاتيّة باستخدام شبكات اتصالات مفتوحة (OTN)، وتتكون من سلسلة من القصص الإخبارية المزيَّفة (مَقالِب) مقسَّمة إلى فَترات تَعَرُّض (صَمت أو سكتات). بالمقابل، الخبرُ المزيَّف قطعةُ معلومات معدّة خصيصاً لاستفزاز المستهدَف لكي يقوم بردودٍ فورية (كرد فعل على التحفيز الخارجي). وتلعب الاستفزازات في حروب المعلومات الحديثة أحد أهمّ الأدوار الحاسمة.
بالتقاطها الطُّعم، تشعرُ الضحية بالحاجة إلى الاستجابة الفورية بحيث يصعب جدّاً منعُها من ارتكاب أفعالٍ غير منطقية وعفوية وخطيرة. ويعمل الاستفزاز كأداة فعّالة للتحكم الخارجي: يتم تصميم أيّ استفزاز للتأكد من أنّ المُستَهدَف سيتفاعلُ معه بشكلٍ متوقَّع مسبقاً من منظّمي الاستفزاز. يعمل الاستفزاز على بَرمَجَة الشخص لارتكاب إجراءات مضادّة محدَّدة، تماماً، مثل بعض تقنيات البَرمَجة اللغوية العصبية. وما إنْ يَعلَقَ المُستهدَف بـ «الخُطَّاف» حتى يُكملَ هو بنفسه باقي العمل الذي أراده له خصمُه.
وكأيّة طريقة استفزاز أخرى، لا ضمانة 100% للنتيجة النهائية، فبعض الاستفزازات تنجح وبعضها تفشل، لكن النسبة المئوية للنجاح تكون وسطياً أكبر بكثير من الفشل؛ وفي الحياة الواقعية يقع حتى الأشخاص المتمرّسين والحَذِرين ضحيةً للاستفزازات.
الأخبار الكاذبة أداةٌ للتواصل المُقنِع المُخادِع، واتهامٌ يهدفُ إلى تقويض مصداقية وفعالية الطرف المُنافِس كمُتواصِل. وتَستعمل الأخبار المزيَّفة بالفعل بعضَ سرديّات الأشكال القديمة من التواصُل المُقنِع، كالدعاية. لقد أصبحت الأخبار الزائفة «كلمة قذرة» لسوء سمعتها وممارساتها المخادعة والتلاعبية.
ويتمّ إدخال الأخبار المزيَّفة بإطار حرب المعلومات كدالٍّ عائم. إنها ممارسة استطرادية تسعى لتشكيل تخيُّلٍ لنسخةٍ مثالية (أو ذاتية) من المجتمع، وإيصالها من الجهات الفاعلة إلى الجمهور المستهدَف.
وتعتمد الأخبار المزيفة على نظرية المجالات الثلاثة: إنها تمثيلٌ رمزي للغاية (للمجال المادي) الذي يتم نقلُه من خلال (مجال المعلومات) للتأثير في (المجال المعرفي) وتشكيله. يمكن استخدام الأخبار الكاذبة دفاعياً من القوة المهيمنة الحالية لدرء منافسِها والاحتفاظ بمكانتها القيادية. ومع ذلك، يمكن استخدامها هجومياً وعدوانيّاً من القوة المنافِسة لإزاحة القوة القائدة وتولّي موقعها في السلطة. ويتعلّق هذا باكتساب أو تقويض رأس المال الاجتماعي و/أو السياسي كوسيلة للشَّرعَنة أو نزع الشرعية في سياق المسابقة للإقناع والتأثير.

دليل سريع للأخبار الزائفة

لفهم ظاهرة الأخبار الزائفة بشكل أفضل، غالباً ما ترتبط العوامل والجوانب المذكورة في القائمة التالية أدناه، دون ترتيب معيّن، بتحديد معنى وطبيعة ووجود الأخبار الزائفة:
الأخبار الزائفة تواصُلٌ قَصديّ ومُتعَمّد، وشكلٌ من التواصل الإقناعي المنظّم، والذي قد يتداخل مع مجال حرب المعلومات.
يجب أنْ تخدمَ هدفاً تنظيميّاً أو فرديّاً محدَّداً: اجتماعياً، اقتصادياً، سياسياً... إلخ.
قد تُستَخدَم في المنافسة على النفوذ أو السلطة أو السيطرة بأشكالها المختلفة.
تسعى بشكلٍ واعٍ إلى خداع الجمهور المستهدَف، مختلفةً بذلك عن مجرّد وظيفة التسلية أو تشتيت الانتباه التي تقوم بها السخرية عادةً.
تسعى للتأثير على (المجال المعرفي) من خلال التمثيل العاطفي والرمزي (للمجال المادي) عبر (مجال المعلومات).
قد تكون الأخبار الزائفة «كلمة طنانة» ومصطلحاً جديداً، لكنها ليست جديدة كممارسة.
الفرق بين الأخبار الزائفة «القديمة» والشكل الحالي منها، يكمن بسرعة الوصول عبر تقنيات الاتصالات الرقمية الحديثة.
هناك انشطار باستخدام وتطبيق الأخبار الزائفة، كنوع من التواصلات المخادعة، وكوَسمٍ يهدف إلى اغتيال الشخصية والهجوم على السمعة.
تعمَل الأخبارُ الزائفة كدلالةٍ عائمة للهوية الفردية والجماعية، وتميِّز مجموعات «الداخل» و «الخارج» عن بعضها بطريقة ثنائية مبسَّطة.
تتفعّل الأخبار الزائفة في لحظات الأزمات، وخاصةً عند انحسار الهيمنة السياسية أو الجيوسياسية لقوة معيّنة مما يشجّع خصومها، ويخلق أزمَة شرعيّة، وأزمة بالمعلومات وبالتواصل مع القلوب والعقول.
يسعى الخبر الزائف لاكتساب أكبرِ اهتمامٍ ممكن وتعريض أوسع جمهور ممكن إليه، وكثيراً ما يعتمد الوسائل الرمزية والعاطفية لتهيئة الجمهور وتعبئته بسرعة.
لا يقتصر مفبركو الأخبار الزائفة على «مجموعات هامشية يمينية» وغيرهم من غير المنتمين إلى التيار السائد، بل قد يكون المُفَبرِك أيَّ شَخصٍ يتعمّدُ الخداع، بما في ذلك الصحفيّون المحترفون.
الأخبار الزائفة كتركيب معرفي تكون سياقيّة (حسب السياق) وتتأثر بالكيفية الملموسة التي يقرأها بها كلُّ مُتلقٍّ.

  • أندرييه فيكتوروفيتش مانويلو: Andrey Viktorovich Manoilo مواليد موسكو 1975. عالِم روسي، دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة لومونوسوف موسكو الحكومية وبروفسور فيها منذ 2009 عن أطروحته بعنوان «دور النماذج الثقافية والحضارية وتكنولوجيات المعلومات والتأثير النفسي في حلّ النزاعات الدولية». عضو المجلس العلمي التابع لمجلس أمن الفيدرالية الروسية (2011– 2018). منذ 2017 عضو هيئة تحرير المجلة الروسية «حرب المعلومات». عام 2019 أسّس وترأّس «رابطة المهنيّين للعمليّات المعلوماتية». بدأ حياته الأكاديمية في مجال مختلف، حيث تخرَّج عام 1998 في قسم الفيزياء بالجامعة نفسها (فرع فيزياء الغلاف الجوّي)، وعام 2000 مرشّح في علوم الفيزياء والرياضيات عن أطروحته «سمات استجابة حقول الأشعة الشمسية فوق البنفسجية في الغلاف الجوي لشتّى شُواشات تركيبِه من الغازات والحَلالات الهوائية».
  • المقال الحالي هو تعريبٌ تلخيصيّ لأبرز التعميمات النظرية الواردة في عَمَلين حديثَين لهذا العالِم: مصدر الفقرة الأخيرة هو من دراسة مشتركة له مع الباحث غريك سيمونز بعنوان «لمحة عن الأخبار الزائفة، ماذا وكيف ولماذا» منشورة في 2 شباط 2021 بمجلة «دراسات الصحافة والإعلام الروسية». أما مصدر الفقرتَين الأولى والثانية فهو دراستُهُ المُعَنوَنة «حرب المعلومات الحديثة اليوم وعمليّات الحرب الهجينة» المنشورة بالإنكليزية في 9 حزيران 2021 على موقع مجلة «المعهد الدولي للتحليلات العالمية» وأعاد نشرها موقع «المعهد الدولي لدراسات الشرق الأوسط والبلقان» (IFIMES) في 27 حزيران 2021. ويناقِشُ فيها بنحو 70 صفحة تطبيقات علم حرب المعلومات في النشاط العدواني لواشنطن وحلفائها عبر عدة أمثلة، منها: «قضية تسميم سكريبال» (2018–2020) و«السابقة الفنزويلية وعملية جدعون» (2019–2020) وغيرها، محلّلاً عدة أمثلة من الأخبار الكاذبة في الصحافة الأمريكية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1029
آخر تعديل على الإثنين, 02 آب/أغسطس 2021 17:26