اكتشاف خصائص «مطّاطية»  لسطح الزجاج البلاستيكي وتطبيقات واعدة بعلوم الاحتكاك والجريان

اكتشاف خصائص «مطّاطية» لسطح الزجاج البلاستيكي وتطبيقات واعدة بعلوم الاحتكاك والجريان

نُشرَت دراسة حديثة في مجلة «الطبيعة» Nature تغيّر طريقة فهم العلماء لسلوك البوليمرات الزجاجية، حيث كشفت عن تأثير طبيعي يحدث على سطحها، مما يخلق طبقةً وُصِفَت بالـ «مطاطية»، وهي رقيقة جداً بسماكة بضع عشرات من الذرات، ولها خصائص مختلفة تماماً عن بقية المواد، حيث تكون موجودة بحالة من المادة تجمع بين الخصائص الصلبة والسائلة. واكتشف الباحثون الذين أعدّوا الدراسة (بالتعاون بين جامعتَي جنوب فلوريدا وبرينستون الأمريكيّتين مع جامعة «جيجيانغ» الصينية) أنّ هذا السلوك المُكتَشَف له تداعيات تكنولوجية وصناعية واسعة النطاق، تتعلق بكيفية التصاق البوليمرات الزجاجية ببعضها، وقد يوفر فهماً أكبر لمقاومة الخدش على المستوى الجزيئي، مما يمهد الطريق لمنتجات أفضل، مثل: البطاريات المحسّنة، وطلاء السيارات، وشاشات الهواتف المحمولة.

تعريب وإعداد: نادر شيّا

في دراستهم التي تحمل عنوان «مَدروجات الحركية تُنتج سطوحاً مطّاطية فوق البوليميرات الزجاجية» Mobility Gradients Yield Rubbery Surfaces on Top of Polymer Glasses المنشورة في مجلة Nature بتاريخ 18 آب 2021، قدّم معدّو الدراسة محاكاةً ونظريةً وتجاربَ كشفت أن البوليمرات الزجاجية في العديد من المواد البلاستيكية هي مادة مطاطية. شارك بكتابة الدراسة كل من Zuo Biao من جامعة «جيجيانغ للعلوم والتكنولوجيا» الصينيةZhejiang Sci-Tech ، وRodney D. Priestley من جامعة برينستون، وDavid S. Simmons من جامعة جنوب فلوريدا.
يقول الباحثون: إننا إذا تفحّصنا سطوح العديد من المواد الحديثة تحت المجهر، مثل تلك الموجودة في بعض البطاريات المصنوعة من البوليمرات الزجاجية– والتي تحتوي على العديد من المواد البلاستيكية– فإنها لا تظهر منتظمة، بل تبدو مؤلفة من «دوّامات» مختلفة. ووفقاً للباحثين، يمكن أن ينتج عن هذا «الهيكل النانوي» مثل هذه الخصائص غير العادية، لأنّ سطح البوليمرات الزجاجية ليس صلباً في الحقيقة، بل له قوام مطاطي.

تطبيقات صناعية واعدة

لاحظ الباحثون أيضاً، أنّ السلوك المطاطي لهذه المادة يطول عمره مع برودة المادة، مما ستكون له آثار واسعة للحد من ارتخاء السطح، وهو أمر بالغ الأهمية للتطبيقات كما في الترايبولوجيا (علم الاحتكاك)، والالتصاق، وشفاء أسطح زجاج البوليمر.
وكتب الباحثون في دراستهم، أنّ العديد من المواد الناشئة اليوم، مثل تلك المستخدمة في شاشات الهواتف المحمولة وشاشات تلفزيون OLED (اختصار للصمام الثنائي العضوي الباعث للضوء)، تدين بخصائصها إلى التدرُّج الحركي المعزَّز على سطح السوائل المكونة للزجاج.
وقال أحد المؤلّفين، ديفيد سيمونز، الأستاذ المشارك في الهندسة الكيميائية والبيولوجية وهندسة المواد في جامعة جنوب فلوريدا: «يمنحنا هذا القدرة على الفهم والتحكم في كيفية تصرف البوليمرات الزجاجية– البلاستيك– على سطحها بشكل صحيح... فسواء أكان ذلك عبارة عن جسيم من الغبار يلتصق بالطلاء، أو ألياف ملتصقة ببعضها في طابعة ثلاثية الأبعاد، أو تآكل على سطح زَوج من العدسات البلاستيكية في نظاراتك، فإنّ هذه الطبقة المجهرية الموجودة على سطح البلاستيك مهمة للغاية لكيفية أداء هذه المواد لوظيفتها، ونحن الآن نفهم طبيعتها حقاً لأوّل مرة».
وتوصّل الباحثون إلى هذا الاكتشاف من خلال تشكيل «حواف مبلَّلة»، وهي حواف صغيرة على سطح البلاستيك، عن طريق إطلاق قطيرة سائل أيونية (شاردية) على سطوح البوليسترين عند درجات حرارة مختلفة. البوليسترين هو بلاستيك صلب، نوع من الزجاج، يكون نقيّاً بشكل طبيعي وغالباً ما يستخدم لتغليف المواد الغذائية والمنتجات الاستهلاكية ومواد البناء. ومن خلال هذه القياسات ومن خلال التكبير إلى المقياس الجزيئي باستخدام نماذج محاكاة باستعمال كمبيوتر فائق، كشفوا عن وجود هذه الطبقة اللينة والمطاطية، وكيف يمكن التحكم بها. قد يشير هذا الخَرْق العِلمي إلى إيجاد «البقعة المثالية» لخصائص مهمّة، مثل: الالتصاق ومقاومة الخدش، حتى على السطوح الصلبة.

الأمر يشبه التزلج على الجليد

وفقاً لـ Science Daily، فإن النظرية التي صاغها الباحثون المشاركون في هذه الدراسة، تعادل الفهم الحالي لكيفية انزلاق المتزلّجين على الجليد. حيث تعمل الطبقة الجزيئية العلوية في البوليميرات الزجاجية، مثل طبقة الماء الرقيقة على سطح الجليد، والتي تمكّن شفرة التزلج من الانزلاق فوق السطح.
علاوة على ذلك، هناك آلية فيزيائية أخرى تفسّر إمكانية التزلج على الجليد، تتمثل بالاحتكاك المنخفض عندما تتحرك شفرة التزلج على سطحه. ويوضح مقال في «مسائل فيزياء من العالَم الواقعي» Real World Physics Problems أنّ الاحتكاك المنخفض يسمح للمتزلج بالانزلاق فوق سطح الجليد، وأنّ الخصائص الفيزيائية للجليد تسمح له بالحفر باستخدام شفرة التزلج للالتفاف، والإسراع، والتوقف. يتحرك المتزلج على الجليد عن طريق دفع نفسه بقوة عمودية على شفرة التزلج. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها المتزلج دفع نفسه للأمام، لأن احتكاك الشفرة بالجليد صغير جداً حتى يكاد يكون مهمَلاً.

ملاحظات

– الريولوجيا Rheology: علم الجريان أو علم «الصُّلب- سائلية»، ويُعنى بحالات المادة وما يحدث فيها من حيث اللزوجة والتمدد والتلدُّن بتأثير العوامل الخارجية. وهو ذلك الجزء من علم الميكانيك الذي يتناول العلاقة بين القوة والتشوه في الأجسام المادية.
أحد فروع الميكانيك، هو دراسة خصائص المواد التي تحدد استجابتها للقوة الميكانيكية. تمت صياغة كلمة الريولوجيا بعد العام 1920 للتعبير عن «علم تشوّه المادة وتدفقها»، وتم تشكيل جمعية علم الريولوجيا رسمياً في 9 كانون الأول 1929. وقد عُقدت اجتماعات الجمعية سنوياً على الأقل منذ ذلك الوقت. وقامت الجمعية برعاية نشر الأوراق التقنية والعلمية في هذا المجال في مختلف المجلات، حالياً في مجلة «علم الريولوجيا» الخاصة بها.
– الترايبولوجيا Tribology: أو علم الاحتكاك،‏ هو العلم الذي يهتم بدراسة السطوح المتلامسة في حركتها النسبية والمواضيع المتعلقة بهذا الاحتكاك، من تآكل وعمليات تزييت وتشحيم.
– الجزء «العضوي» من المواد التي تصنع منها شاشات OLED هي مركبات عضوية تحدد الإضاءة الكهربائية المستخدمة، فهي تحتوي على الكربون، بالإضافة إلى بعض المكونات الأخرى، ويتطلب كل لون مركبًا عضويًا مختلفًا. تستخدم جميع أجهزة التلفزيون الحديثة إحدى تقنيتي العرض الأساسيتين: «العرض بالكريستال السائل» LCD أو «الصمام الثاني العضوي الباعث للضوء» OLED. الغالبية العظمى من شاشات الكريستال السائل، وبعض أجهزة التلفزيون الحديثة فقط من شركات LG وSony هي OLED. أجهزة تلفزيون OLED تقدم جودة صورة أفضل بشكل عام، لأنها تعطي أفضل نسبة تباين معروفة لأية تقنية عرض حتى الآن، حيث تعطي اللون الأسود داكناً للغاية (أسود مطلق) والأبيض شديد السطوع على أساس كل بكسل، في حين لا تستطيع شاشات الكريستال السائل ولا البلازما تقديم ذلك.

المصادر:
Nature –Science Daily –Real World Physics Problems

معلومات إضافية

العدد رقم:
1032
آخر تعديل على الإثنين, 23 آب/أغسطس 2021 23:09