كيف نقلب «السحر» الأمريكي؟

كيف نقلب «السحر» الأمريكي؟

التهديد الجديد الذي أطلقته الإمبريالية الأمريكية بالعدوان العسكري المباشر على سورية إن حدث أو لم يحدث يبقى أداة عسكرية يائسة يحلمون من خلالها بتحسين وضعهم التفاوضي في التسويات السياسية القادمة لا محالة رغماً عنهم، سواء في الملف السوري أو في غيره إقليمياً ودولياً.

رغم التأثيرات السلبية المباشرة المحتملة للعدوان من حيث إيقاع مزيد من الشهداء والإصابات بين العسكريين والمدنيين السوريين، ومزيد من الخسائر المادية في البنية التحتية السورية العسكرية وربما المدنية، إلا أن ثمّة تأثيرات معاكسة أيضاً يمكن أن تحدّ من النتائج السلبية وتصب إيجاباً في حل الأزمة في مصلحة الشعب السوري إن استطاعت القوى الوطنية كافة رصّ صفوفها والاستفادة منها، داخلياً وإقليمياً ودولياً.
داخلياً
فرصة للوحدة الوطنية وتعميق الفرز بين القوى الشعبية والسياسية السورية المختلفة حول اصطفافات ثانوية من قبيل «موالاة» و»معارضة»، أو أية اختلافات تقسيمية أخرى من دينية وطائفية وقومية وغيرها.. من أجل التوحد في مواجهة العدو التاريخي المشترك المتمثل بالإمبريالية الأمريكية، ولاسيما بأنها قررت أن تكون هي اليوم مباشرةً رأس الحربة في العدوان بعد إخفاقات حلفائها وأدواتها في تحقيق أهداف التدخل بأشكاله السابقة المباشرة وغير المباشرة.
هذا الموقف الموحّد إذا تطور ونضج أكثر بتحفيز من التهديد/ التنفيذ للضربة الأمريكية فإنه يفترض أن ينعكس على تطوير موقف أكثر ديمومة وثبات من أدوات التدخل غير المباشر أيضاً، من الجماعات غير السورية ومن في حكمها من «داعش» و«النصرة» القاعدية التكفيرية، والتي مارست إرهابها ضدّ جميع أبناء الشعب السوري دون تفريق بين موالاة أو معارضة، وحتى ضد المعارضة السورية المسلحة «الجيش الحر»، وستستمر بإرهابها غالباً قبل وأثناء وبعد التدخل الأمريكي المباشر المحتمل. بالمقابل يفترض أن ينعكس الأمر أيضاً على تطوير الإرادة والعمل المشترك بالتعاون بين جميع الوطنيين داخل وخارج النظام وجهاز الدولة وفي المجتمع ضدّ الوجه الآخر من عملة المؤامرة المختبئ في ظلّ الداخل، أي جميع قوى الفساد الداخلي الكبير بشبكات نهبه وتخريبه المقاتلة عملياً في صفّ العدوان الخارجي على الجبهات الاقتصادية-الاجتماعية من خلال مفاقمة الضيق المعيشي للمواطنين والاتجار بالأزمة والثراء رغم الحصار الغربي، وإضعاف ليرة الوطن أمام دولار العدو. وعلى الجبهة العسكرية عبر ميليشياتها المختلفة المناقضة في كثير من سلوكها وفسادها، للخطّ الوطني للجيش العربي السوري، الذي اضطرّ عبر الأزمة إلى تقديم التضحيات والشهداء في معارك الأزمة الداخلية متحملاً تقصير كثير من السياسيين في السعي إلى حل سياسي حقيقي، وهو اليوم أحوج لإيقاف نزيفه وتضميد جراحه ومساندة ظهره سياسياً وشعبياً في مهمته الوطنية الأولى واختصاصه الأوضح في صدّ ضربات هجمة خارجية معلنة دون أي قناع مؤامراتي، دفاعاً عن الوطن وحدوده ووحدة أراضيه وشعبه.
إقليمياً ودولياً
هذه التجربة إذ ستضيف فشلاً جديداً لأمريكا كرأس حربة للإمبريالية العالمية، لن تمرّ دون انعكاساتها على موازين القوى الإقليمية نحو إضعاف أدواتها وعملائها وعلى رأسها «إسرائيل» الصهيونية، التي بغض النظر عن ذعرها اليوم من زعزعة «أمنها» بسبب أية ردود محتملة من جانب قوى محور المقاومة في المنطقة، فإنّ تقهقراً وضعفاً جديداً سيصيبها بوصفها الثكنة / الذراع، نتيجة أية هزيمة جديدة للمركز الأمريكي، والذي يبدو أنه بمجرد اضطراره للتفكير باللجوء إلى التدخل العسكري المباشر، ولو كان محدوداً، مقبل على هزيمة جديدة استراتيجية وسياسية في المضمون، وإن كانت تأخذ شكل هروب إلى الأمام. والهزيمة ذاتها لا بدّ ستطال أظافره الهشة والقذرة الأخرى من خليجية وتركية.
إذا كان هدف أمريكا من العدوان الجديد المزمع على سورية هو كسب أوراق للتفاوض على مصالحها في التسويات الدولية الوشيكة للأزمات العالمية ومنها الأزمة السورية، فإنها على الأقل في الأزمة السورية تصادف، وهذا لحظّ السوريين، أن وصلت إلى منعطف جديد مختلف نوعياً عن الحالات السابقة منذ يوغسلافيا مروراً بأفغانستان والعراق وليبيا ومصر. إذ فضلاً عن التوازن الدولي الجديد الناشئ والمترسخ بصعود دول «البريكس»، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ أمريكا إذ تحاول أن تكسب أوراقاً جديدة فيما تحلم بأنّه «تعديل للتوازن» إنما تحرق وتسوّد حتى الرّماد آخر مساحات أوراقها الصفراء الضعيفة أصلاً من شاكلة الشخصيات المعارضة العملية من شراذم مجلس اسطنبول وأضرابه، التي هللت للتدخّل الخارجي المباشر سابقاً، وتكرر غباءها ذاته اليوم، الأمر الذي وبالرغم من تأخير الأمريكان للمؤتمر الدولي، إنما يصب في مصلحة الوطنيين في المعارضة الوطنية وفي النظام، في معاكسة هذا التأخير عبر تسريع الفرز والتصحيح للاصطفافات على أساس وطني، وبالتالي بذهابهم بقوة أكبر إلى المؤتمر الدولي وبداية الحل السياسي وتأثيرهم على منحاه ودفع مساره أكثر نحو تحقيق التغيير الوطني المنشود لمصلحة مستقبل أفضل للشعب السوري ووحدة واستقلال بلاده وتطورها اللاحق.
أعتقد بأننا سنشهد مثالاً عن الصرامة والقوة التي تشقّ بها قوانين التاريخ طريقها لتسحق مقاومة أنظمة علاقات الإنتاج عندما تصبح بالية وقديمة ومتناحرة تماماً مع أي تطوّر وتحرر جديد لقوى الإنتاج، وبالتالي المعاكسة لتطور البشرية، هذه المعاناة التي تمرّ بها الإمبراطورية الأمريكية المتهاوية اليوم والنظام الرأسمالي العالمي برمّته، والذي تنهض ضدّه الاحتجاجات والحركات الشعبية داخل بلاده الرأسمالية نفسها، والتي تحمل نزعة معادية للحروب ومناصرة للسلام وللانتقال إلى نظام اقتصادي-اجتماعي سياسي جديد أكثر عدالة وإنسانية، وما علينا إلا بمزيد من الصمود والنضال حتى النصر.