الاشتراكية على جدول الأعمال
محمد المعوش محمد المعوش

الاشتراكية على جدول الأعمال

هو الصراع ضد الرأسمالية، في شكلها الإمبريالي، شاملٌ كل مستويات البنية الاجتماعية، من الاقتصاد إلى السياسة إلى الفكر، أي مجمل النمط الاجتماعي السائد وعلاقاته وانعكاساته في كل ميادين الحياة.
وكان للمشروع النقيض للقائم، أي الاشتراكية (نحو الشيوعية)، طرح شامل من أجل مجتمع إنساني بديل ، ضد الاستغلال والقهر والاغتراب، ينطلق في علاقته بالجماهير من شروط المرحلة التاريخية المحددة لا خارج هذه الشروط.
فلماذا يغيب هذا الطرح اليوم في مرحلة اشتداد تناقضات الإمبريالية، لا كطرح ضد الإمبريالية فقط، بل لتأكيد بديلها، الإشتراكية، كمجتمع نقيض على كل المستويات؟

فبعد المناورة التي قامت بها البورجوازية لمواجهة القوى الثورية الصاعدة في المنتصف الأول من القرن الماضي، وذلك من خلال إيهام المجتمع بليبرالية تؤمن للفرد التطور والتقدم والارتقاء والاعتراف به في المجتمع الاستغلالي ذاته.!
وإذا كانت المناورة اليوم وصلت إلى خاتمتها، وعادت الإمبريالية فكشفت عن وجهها الفاشي العدواني المعادي للشعوب وللحياة والتقدم والتطور، ناشرة الموت والدمار والحروب على امتداد العالم، وأظهرت فشل نمط الحياة الذي روجت له، فهل يجوز الانكفاء عن الهجوم بنمط حياة جديد من قبل قوى التغيير الثوري، لا مجرد برامج "تنموية"(إصلاحية) محدودة.؟
وفي حين انطبع الصراع عامة في القرن الماضي بالشكل الكمي منه (الأجور، ساعات العمل، التقديمات الاجتماعية، ظروف العمل، التعليم...) تلاقياً مع ظروف حياة الجماهير وقتها التي كانت مهمشة على هذا المستوى، فهذا الصراع يُطبع اليوم بشكل نوعي، بناء على ولادة تناقضات جديدة على أرضية العلاقات الليبرالية وانعكاساتها على كل المستويات(ثقافة،فكر،علاقات اجتماعية...)، مولدة حاجات اجتماعية الجديد، ترتبط بمجمل نمط الحياة الرأسمالي وعلاقاته، وليس فقط الجانب الاقتصادي.
فأصبح وعي الجماهير عامة، على احتكاك بجوهر تناقضات علاقات النظام القائم (كعلاقات تهميش كلي للفرد، وتلمس مفهوم الاغتراب عملياً)، وليس فقط المستوى المادي(المعيشي)، ما يهيئها للبحث عن البديل في علاقاته وانعكاسها في الفكر والثقافة والأخلاق والفن...ما يحول اليوم المشروع الاشتراكي، نحو مجتمع بديل شامل، من المستوى النظري إلى المستوى الملموس.
وبمفاهيم البنية التحتية والبنية الفوقية للمجتمع الرأسمالي، وضرورة التلاؤم بينهما، فالتحسين الكمي النسبي في حياة الجماهير، والتناقضات التي وُلدت، كشفت تناقضات البنية الفوقية بوضوح (مجمل نمط الحياة والصراع السياسي القائم)، وطَرَح عدم قدرة البنية الفوقية على التجدد(في وعي الجماهير).
والرفض لما هو البنية الفوقية للنظام القائم وطرح تغييرها أصبح يحتم تغييراً ضرورياً على مستوى البنية التحتية، أي حل التناقض في علاقات الإنتاج، لا مجرد إصلاحات كمية في النظام، فلا تحول جذرياً فوقياً، بلا تحول جذري تحتي، هو أساس له، ولا إمكان للتحتي (الاقتصادي) أن يتجدد دون تجدد الفوقي، الذي لم يعد قادرا على التجدد- إلا بالقوة الفاشية.
شروط تاريخية ملموسة تشكل الأرضية لتقديم الإشتراكية كنمط بديل من الحياة على كل المستويات(انهيار سياسي واجتماعي شامل)، وليس فقط تقديم الجانب المعيشي منها( بمضمونها الإصلاحي). والفئات المتضررة جاهزة على مستوى بنيتها الفكرية والنفسية ووعيها ككل لنمط كهذا، أكثر من أي وقت مضى.
فالتلاؤم كبير بين المشروع السياسي (الاشتراكية) ومتطلبات المرحلة التاريخية، بسبب من استنفاذ الرأسمالية للمناورات الاقتصادية والأضاليل الأيديولوجية.
ونرى عجز الرأسمالية عن التجدد في محاولتها إحياء مجمل التيارات الأيديولوجية المثالية والرجعية التي ظهرت في التاريخ محاولة(واهمة) لتبرير التناقضات القائمة في حياة الجماهير. وهذا يفرض الهجوم  على الجبهة الأيديولوجية بقوة ومواجهة وتعرية كل هذه التيارات الأيديولوجية وهزيمتها في عدميتها.
وهنا ضرورة أن يحمل برنامج وخطاب الحزب الثوري خطوات ملموسة تلاقي هذا الواقع، ما يتخطى طرحها الاقتصادي (الكمي الإصلاحي)، ما يرفع من صداها في وعي القوى المتضررة وتوحيد المجتمع في وجه التفتيت والتقسيم والعدوانية الإمبريالية في اندماج المعركة الوطنية مع معركة التغيير الاجتماعي. فظروف الحرب والأزمة الوطنية لا تنفي ما تراكم في وعي الشعوب وبنيتها الفكرية وموقفها من نمط حياتها السابق(وكل الاضطرابات الاجتماعية المعاشة) خلال فترة "الاستقرار" السابقة(والتي لا تزال موجودة في بعض الدول)، الذي تمردت على أساسه في الدول العربية والعالم.
مشروع اجتماعي شامل له أهداف محددة واضحة، يلاقي ما تراكم في المجتمع خلال المرحلة الماضية وحتى الآن، يرفع من المبادرة الجماهيرية في الصمود والمواجهة وهو يطرح  الاشتراكية(ضد الإصلاحية الليبرالية) كهدف على جدول الأعمال الاجتماعي حتى لو كان السير نحوها يحتاج إلى مراحل مختلفة.
إنها ممارسة  "... تخلخل وتصدع، لا يخيفها عائق، وهي التي تخيف، وبها ينهار عالم بكامله، ويشرئب إلى الولادة آخر، تتفكك نظم من الفكر والاقتصاد والسياسة يصعب عليها الموت بدون عنف، تتصدى لجديد ينهض في حشرجة الحاضر، وتقاوم في أشكال تتجدد بتجدد ضرورة انقراضها، تنعقد بين عناصرها المتنافرة تحالفات، هي فيها على موعد مع الموت...."(الشهيد مهدي عامل).