افتتاحية قاسيون 982: مذكرة التفاهم: المعنى، الأهداف، المآلات

افتتاحية قاسيون 982: مذكرة التفاهم: المعنى، الأهداف، المآلات

أول ما يُسجل لمذكرة التفاهم الموقعة بين حزب الإرادة الشعبية ومجلس سورية الديمقراطية في موسكو يوم الاثنين الماضي 31/8/2020، أنها جاءت نتاجاً لحوار سوري- سوري دون وسطاء، وأنها قدمت بذلك نموذجاً عن كيف يمكن لطرفين سوريين مختلفين أن يقدما عبر الحوار تنازلات متبادلة، ودون التخلي عن مبادئهما، للوصول إلى قواسم مشتركة.

وهي بذلك تثبت أنّ السوريين قادرون فعلاً، حين يمتلكون الإرادة السياسية، أن يصلوا إلى تقاطعات وتفاهمات تحل أزمتهم وتوقف المعاناة والكارثة التي استنزفتهم ودمرت بلادهم.

من ناحية ثانية، فإنّ المذكرة بما تضمنته من بنود، قد وضعت ما يشبه تصوراً عاماً أولياً عن شكل سورية المستقبل؛ أي أنها ثبتت اقتراحات دستورية توافق عليها الطرفان. انطلقت هذه الاقتراحات من وحدة سورية أرضاً وشعباً، وبنت عليها رؤى مشتركة تتعلق بالمواطنة المتساوية وبالعدالة الاجتماعية وبحل القضية الكردية في الإطار السوري، وبالمسألة الديمقراطية وبشكل الدولة والعلاقة بين المركزية واللامركزية وتوزيع السلطات... وغيرها من القضايا.

إنّ إحدى أبرز الدلائل على أهمية المذكرة وتأثيرها، هو الهجوم الشرس الذي تعرضت له حتى قبل الإعلان عن بنودها؛ ومن ذلك الأكاذيب التي قالت بأنها تدعو إلى الفيدرالية وغيرها من الكلام الذي لا أساس له. وهو أمر مفهوم وواضح؛ فالمتشددون من كل الأطراف يرون أنفسهم متضررين من هكذا تفاهم لسببين واضحين، الأول هو أن هذا التفاهم يشكل خطوة كبيرة باتجاه استكمال تمثيل الأطراف السورية المغيبة عن العملية السياسية. والثاني هو أنه وللسبب الأول نفسه فإنّ المذكرة تشكل خطوة مهمة باتجاه تنفيذ القرار 2254 كاملاً.

يضاف إلى ذلك، أنّ المتشددين، المحليين والإقليميين والدوليين، لم تعد بيدهم من أوراق للعب بها، سوى الدفع باتجاه اقتتال جديد بين السوريين عبر الورقة القومية، بعد أن استُنفد مفعول الورقة الطائفية، ولذا فإنّ هذه المذكرة تقطع عليهم الطريق وتفقدهم هذه الأداة.

إنّ الأهداف العميقة لمذكرة التفاهم هذه، لا تنحصر في البحث عن سُبل ملموسة لتمثيل مجلس سورية الديمقراطية والقوى السياسية في شمال شرق سورية ضمن العملية السياسية، على أهمية هذا الهدف، بل تتعدى ذلك إلى المساهمة الأولية في تشكيل اصطفاف سياسي وطني عريض يملك من المشتركات قدراً مهماً يسمح له بالتعاون، لا في المرحلة الراهنة فحسب، بل ويفتح أبواب العمل المستقبلي المشترك أيضاً.

كمحصلة، فإنّ توقيع مذكرة التفاهم هذه، بمضمونها، وبمكان توقيعها، وما تلاه من لقاء مع الخارجية الروسية بما لذلك من دلالات، يشكل نقطة انعطاف مهمة في تطور الأزمة السورية، ومدماكاً أساسياً للوصول إلى الحل السياسي ولتطبيق القرار 2254 تطبيقاً كاملاً، ولتحقيق التغيير الوطني الديمقراطي الشعبي الجذري الشامل.

لتحميل العدد 982 كاملاً بصيغة pdf

معلومات إضافية

العدد رقم:
982
آخر تعديل على الأحد, 06 أيلول/سبتمبر 2020 22:35