هل الفساد «طريقة حياة»؟!
أحمد علي أحمد علي

هل الفساد «طريقة حياة»؟!

تحاول الكثير من المنصات الإعلامية التابعة لجهات مختلفة تثبيت فكرة أن الفساد في سورية «طريقة حياة».. ما الهدف من ذلك؟ وما السبيل للقضاء على الفساد؟!

السائد في طريقة التعاطي «الرسمي» مع الفساد هو «التعاطي العام» الذي يقول: «نعم هناك فساد، والفساد طبيعي، وفي كل دول العالم يوجد فساد... إلخ».

ما المشكلة في «التعاطي العام»؟!

المشكلة الحقيقية في التعاطي العام هذا مع الفساد أنه لا يسمح بالتأسيس للقضاء عليه لا نظرياً ولا عملياً؛ لأن ما ينتج عن هذا النمط من التعاطي في نهاية المطاف أن: «الطاسة ضايعة والكل فاسد، ولا حول لنا ولا قوة، وبعين الله»..
وعند هذا الحدّ تظهر أهمية القول بأن الفساد «طريقة حياة» بالنسبة لأصحابه وأجهزتهم الإعلامية، فهم يريدون تثبيت شكل «التعاطي العام» هذا في وعي الناس إلى آجال بعيدة، لأنه يساهم في المحصلة النهائية بالحفاظ على الفساد، والإطالة بعمره، وبمعنى آخر: يريدون أن تبقى «الطاسة ضايعة» وأن تستمر بالدوران في فَلكهم حتى تسقط صريعة دون أية جدوى! ولذلك فإن هذا الطرح يمثّل بالعمق مصلحة الفساد ورجاله، لا مصلحة الشعب الذي مات جوعاً وقهراً تحت وطأة الظلم والعوز والحرمان.
والملفت في الأمر، هو تزامن الدعايات الإعلامية تلك مع ضغوط الواقع المعيشي المؤلم، الذي يدفع الناس للسعي بأي اتجاه وبأية طريقة لتأمين العيش، ما يوسّع من المجالات التي يمكن من خلالها للفاسدين الكبير تطويع الناس، وإعادة صياغة سلوكياتهم وأخلاقهم بما يتناسب مع الأخلاقيات المنحطة للفاسدين الكبار...
وحول هذا الأمر؛ أي توسّع دائرة الفساد؛ فربما نجد التفسير فيما قاله الراحل ممدوح عدوان: «عندما تزيد نقمة الناس، تزداد مخاوف السلطة، الأمر الذي يؤدي إلى تشديد قبضتها، في محاولة منها لإجبار الناس على القبول بالأمر الواقع، أو التأقلم معه، أو السكوت عنه، ولأن السلطة تعرف بأنه لا يمكن اختزال الناس بهذه الطريقة، فإنها تعمل على زيادة دائرة المستفيدين من فُتاتها لكي تحوّلهم إلى جلّادين وأصحاب مصلحة في حماية النظام، ومنع تغييره...»

الفساد الكبير «دينمو» شبكة الفساد..

لا نُخرج «الزير من البير» حين نقول مجدداً بأن الفساد هو نوعان؛ فسادٌ كبير بلعَ الأخضر واليابس من خيرات البلد وثرواته وتركها لنا حطباً، وهو يحوز تاريخياً حوالي 80% من الفاقد الاقتصادي (الذي يتراوح بين 20 و40% من الناتج). والثاني هو فساد صغير ناشئ عن الكبير ونتيجة حتمية له، ويمتاز بأنّ أعداد الضالعين فيه كبيرة جداً، بل وشديدة الضخامة مقارنة بالأول، ويأخذ بالمجموع ما يصل إلى 20% من الفاقد... أي: إنه يأخذ «الفُتات» حسب تعبير عدوان.
وعلى هذا الأساس، يبدو واضحاً أن ضرب الفساد الكبير هو الأولوية، لأن القضاء عليه وإعطاء الناس حقوقها وتحقيق عيشها الكريم، سيجعل الفساد الصغير يتضاءل تدريجياً حتى النهاية...
تكمن أهمية هذا الفرز أو التقسيم البسيط للفساد أنه يسمح بتحديد مربط الفرس بضرب الفساد كظاهرة من جهة، ويفتح إمكانية القضاء عليه من جهة أخرى، بعيداً عن تشتيت هذه الإمكانية بوضعها في إطار تقديم الفساد كـ «طريقة حياة»، أو حتى كقضاء وقدر!
الفساد في سورية شبكة معقّدة ومنظّمة ومقوننة، وليس ضربات استثنائية لهذا أو ذاك من «الانتهازيين والجشعين» بل قاعدة عمل للمنظومة، لها علاقاتها وقوانينها، وقد طالت حِبالها اليوم كل القطاعات والمؤسسات والدوائر، ووصلت إلى لقمة المواطن وممتلكاته، لكن يبقى «دينمو» هذه الشبكة هو «الفساد الكبير» صاحب المكانة والنفوذ والقوة.

ماذا عن الفساد الكبير؟

أمّا الفساد الكبير فهو فساد «نخب أول»، هو عبارة عن شريحة ضيقة من الناس ومحدودة الأعداد، ولأن الأمر كذلك، فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا تتم المحاربة الجديّة للفساد؟! وربما الإجابة في سؤال آخر: هل يحارب الفساد نفسه!؟
ولأجل ذلك لا نرى محاربة جديّة للفساد اليوم، ولن نراها في ظلّ المنظومة القائمة، فالأمر يتطلب وجود إرادة سياسية حقيقية لضرب الفساد، وهذا يحتاج إلى تغيير المنظومة تغييراً جديّاً ورفع مستوى الحريات السياسية وتفعيل دور الرقابة الشعبية؛ وذلك كلّه يتطلب البدء بتنفيذ الحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254 بكل مقتضياته..
وعند ذلك، ستُفتح الأبواب على مصاريعها أمام الشعب السوري للوصول إلى جوهر منظومة النهب والفساد وضربها، وإعادة بناء الدولة من جديد؛ الدولة التي ينال فيها المواطن حقوقه وكرامته، والتي سيتهاوى فيها الفاسدون الكبار وتتهاوى مصالحهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1014