«لا توجد معارضة في مناطق النظام»...  المعارضة هي من نسميها لكم وفقط!
ريم عيسى ريم عيسى

«لا توجد معارضة في مناطق النظام»... المعارضة هي من نسميها لكم وفقط!

ناقشنا في مقالات عديدة سابقة المقولة التي يتبناها حزب الإرادة الشعبية منذ 2005 تقريباً (مقولة الثنائيات الوهمية/ وكان في حينه هو اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين)... ومن أمثلتها الأوضح: (معارض/موالٍ)، (علماني/متدين)، إضافة إلى الثنائيات الطائفية والقومية وإلخ.

على أساس هذه الثنائيات الوهمية، يعمل المتشددون من الأطراف السورية على تقسيم الشعب السوري بشكل عمودي، وتحويله إلى «جماعات» متحاربة ومتصارعة، بل ويجري تصوير الصراع بينها على أنه «صراع وجودي»!
وأحد أشكال تقسيم المنهوبين السوريين في صفوف وهمية، لا يقف عند تقسيمهم بين «موالٍ» و«معارض»، بل وأيضاً ضمن المعارضة نفسها، أصرت جهات بعينها، ومنذ البداية، على خلق نوع جديد من التقسيم الوهمي يستند إلى المقولة التالية: «بما أنّ النظام قمعيٌ، فلا يمكن أن تكون هنالك معارضة ضمن مناطق سيطرة النظام... المعارضة هي فقط تلك التي خارج سورية».

حجم الشتائم ودرجة «المعارضة»

بمجرد انطلاق الحراك الشعبي في ربيع 2011، تحولت التغطية الإعلامية الكثيفة، وخاصة تغطية وسائل الإعلام الخليجية والغربية عموماً إضافة إلى المحلية، إلى إحدى أهم الأدوات في إعادة تشكيل (وتخريب) الحراك نفسه، وفي صياغة الأفكار والتوجهات العامة...
منذ تلك اللحظة، تركّز الضوء حول ثنائية «الاستبداد/الحرية»، وجرى اختصار المسألة بأسرها في هذه الثنائية، وذلك للتغطية على الأساس الاقتصادي الاجتماعي للحراك، ولتحويله إلى أداة يجري امتطاؤها لإعادة توزيع النهب بين الناهبين مع إبقاء المنهوبين منهوبين...
ولكن ضمن التفاصيل، فإنّ الاستخدام المباشر لثنائية (استبداد/حرية)، كانت في المقولة التي أشرنا إليها سابقاً، وهي أنه ليس من إمكانية لوجود معارضة في مناطق النظام، وإنْ وجدت فهي صنيعته... ولكن ما حقيقية هذا الأمر ولماذا جرى الترويج بهذه الطريقة؟
قبل كل شيء، ينبغي تثبيت حقيقة أنّ المعارضة الفعلية موجودة داخل وخارج البلاد، مع أنّ الأساس في وجودها يبقى هو الداخل لا الخارج. وينبغي الإقرار أيضاً بأنّ المعارضة المصنّعة سواء من استخبارات الدول أو استخبارات النظام، هي أيضاً موجودة داخل وخارج البلاد... ومعيار تقييم من هي المعارضة الفعلية ومن هي المصنعة هو أبعد ما يكون عن مجرد الشعارات و«حجم الشتائم» التي يجري إطلاقها... (علماً أنّ النمط كثير الشتائم، عادة ما يكون فارغ المضمون، وعادة ما يغطي بكثرة شتائمه على عمله في عكس مصلحة الناس...)

معارضة البارشوت

الترويج لمقولة عدم وجود معارضة في الداخل، وعدم إمكان وجود معارضة في الداخل من الأساس، كان ضرورياً جداً في البدايات لتبرير إنشاء تشكيلات «معارضة» في الخارج من نمط «المجلس الوطني السوري» - الذي تحول هو نفسه لاحقاً مع بعض الرتوش إلى الائتلاف السوري. لقي إنشاء المجلس في حينه ترحيباً واسع النطاق من الغرب وحلفائهم الإقليميين (وهذا أمر طبيعي لأنّ منشئيه هم أنفسهم من رحبوا به!).
بالنظر إلى تركيبة المجلس الوطني في حينه، فإننا نجد أنّ القسم الأعظم من الشخصيات الأساسية ضمنه، كانت من ذلك النمط الذي استمر يعيش خارج سورية ما قبل 2011 لعقود عديدة متتالية، عقدين وثلاثة وأربعة...
ومن ينقطع بشكل مستمر عن العيش في بلد معين لمدة تصل إلى أربعين سنة، وبغض النظر عن مدى انتمائه إلى ذلك البلد، ومحبته المفترضة له، فإنه سيكون بالضرورة غريباً عنه وعن تفاصيله، خاصة أن الحديث يجري عن شخصيات فحسب، وليس حركات سياسية لها وجود وحيثية اجتماعية...
ولذا كان من الضروري تبرير تقديم مجموعة من (المغتربين المزمنين) إلى الصفوف الأولى، خاصة أنّ هؤلاء يشتركون عموماً في كونهم غربيي الهوى والعقل...
وكي تكتمل الصورة، تتحول هجرة هؤلاء إلى رواية حول نضال عنيد طويل بدؤوه قبل أن يبلغوا الثامنة عشرة، وتسبب في تهجيرهم من البلاد...هذا لا يعني بطبيعة الحال أنّ النظام لم يتسبب في تهجير وهجرة كثيرين، ولكن للمصادفة فإنّ أولئك الذين تصدروا المشهد بالذات، كانوا من الذين يترددون بين الحين والآخر على سورية ليلقوا محاضرات ولينظروا في مسائل المجتمع المدني، بل ولكي يقوموا بالتنظير لانتقال النظام المعلن نحو الليبرالية الاقتصادية، وللعلاقة «الطيبة» مع جاك شيراك ومع الغرب عموماً!
أحد المقاصد الواضحة من هذا النمط من التشكيلات، كان تسهيل عملية توجيه الأحداث على الأرض من قبل الغرب، خدمة لأجنداته بالدرجة الأولى.

التدخل العسكري

القول باستحالة وجود معارضة سياسية في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ليس ضرورياً لاختراع نمط مناسب من «المعارضة» فحسب، بل وضروري أيضاً لتبرير طلب التدخل العسكري الخارجي؛ عبر القول إنّه من غير الممكن القيام بأي شيء من الداخل ولذا يجب طلب «معونة» الخارج، وهو بالضبط ما قامت به معارضة الباراشوت في المجلس الوطني والأِشكال اللاحقة التي تطور لها هذا المجلس...

العنف والعمل العسكري

نفي أية إمكانية للعمل السياسي في الداخل، ليس استدعاء لتدخل عسكري خارجي فقط، بل هو أيضاً جزء من تبرير «ضرورة الانتقال للعمل العسكري»!
فحين لا تكون هنالك أية إمكانية للنضال السياسي في الداخل، فهذا يعني أنه لا توجد إمكانية لنضال سياسي سلمي في الداخل، وبالتالي فإنّ الممكن هو فقط العمل العسكري... والعمل العسكري يحتاج بدوره إلى سلاح وتمويل... ولكي يأتي السلاح والتمويل، لا بد من مزيد من التبعية للخارج، ولا بد من إعطاء أولوية أعلى للأجندات الخارجية على حساب الأجندة الوطنية... الأمر الذي وصل بالبعض إلى درجات من الوقاحة والعمالة ربما غير مسبوقة تاريخياً، على غرار مناشدة الولايات المتحدة، والغرب، والناتو... بل إنّ بعض التافهين وصلت بهم الأمور حدّ التعبير عن امتنانهم للضربات التي يقوم بها الكيان الصهيوني!

متشددو النظام يدعمون هذه التوجهات أيضاً

وقد ساعد متشددو النظام، وعبر العنف والقمع والدعاية المكثفة، المتشددين من الطرف الآخر في العمل على ترسيخ هذه الفكرة (أي إنه لا توجد معارضة حقيقية في الداخل). وجرى ذلك عبر تصنيع «معارضات» عديدة، وبدرجات متفاوتة من القدرة على «الشتم»، (لأنّ هذا معيار درجة المعارضة وفقاً للإعلام)، وأيضاً بمواقع عمل متباينة بين الداخل والخارج...
ولم ذلك كلّه؟ لأنّ هذا النمط من المعارضة الذي يبعد الضوء عن المسائل الجوهرية، الاقتصادية الاجتماعية والوطنية، ويركز على جزء شكلي فقط من الجانب الديمقراطي، هو من أفيد أنواع المعارضة للمتشددين ضمن النظام... فهو يسمح بتكريس تقسيم السوريين على أسس وهمية وليس على أساس ناهبين ومنهوبين. والتقسيم على أسس وهمية يعني أنّ الـ20 مليون منهوب تقريباً من السوريين، سينقسمون ملايين هنا وملايين هناك، وبالتالي لن يتمكنوا من إحداث تغيير جذري في المنظومة القائمة، ولا في «المعارضة» القائمة، بل وسيتحولون كما أسلفنا إلى أداة بيد النخب تتحارب بها لتقاسم النهب وإبقاء المنهوبين منهوبين...

أبعد من ذلك

أخطر ما في الأمر هو النقطة الأخيرة التي وصلنا إليها بالحديث، والتي تتجاوز مسألة تصنيف المعارضة نفسها، إلى تصنيف السوريين أنفسهم. فقد وصل الإجرام اتجاه أذهان وعقول وقلوب السوريين، أنْ بات البعض يبرر أو يقبل أن يتعذب السوريون الموجودون تحت سلطة النظام ويجوعوا من العقوبات تحت ذريعة (بيستاهلوا لماذا لم يثوروا!)... ومن طرف آخر هنالك من وصل بانعدام إنسانيته للتصالح مع فكرة أنّ النصرة تفتك بجزء من السوريين (لأنهم بيستاهلوا هني يلي جابوها..!)

القمع لا يتم دون قدر من الرضا!

إن الاستناد الشكلي إلى فكرة القمع والعنف والاستبداد لتصنيف السوريين بشكل نهائي على أساس المنطقة التي يوجدون بها، هو استصغار للشعب السوري نفسه، وهو فكر معادٍ للسوريين عموماً لأنه يعتبرهم مجرد تابعين أذلاء لا رأي لهم ولا حول ولا قوة ولا إرادة...
إنّ من يفكر بهذه الطريقة، أولى به أن يكفّ عن القول بكلمات مثل «ثورة» و«تغيير»، لأنّ تفكيره ينتمي بشكل واضح إلى النمط المستعلي والمتكبر على الناس... وهؤلاء الذين يفكرون بهذه الطريقة، نراهم ضمن الممارسة الفعلية في المناطق التي يسيطرون عليها، يعيدون بشكل حرفي تقريباً ممارسات النظام الذي يدّعون معارضته...
بكل الأحوال، فإنّ ما يجب توضيحه في مسألة القمع، هو أنها ليست مسألة مجردة وخاضعة فقط لأهواء الحكام، بل هي مسألة لا يمكن أن تتم دون حد أدنى ضروري من الرضا الاجتماعي عنها... أي إنّ السلطات التي تمارس القمع، تستند في عملية القمع إلى تجييش جزء من الناس معها، بغض النظر عن طريقة التجييش تلك. ولكن الأساس الأولي للقمع طويل الأمد هو أساس اقتصادي... ما أقصده هو أنّ قدرة أي نظام على ممارسة قمع شديد وطويل هو وجود شريحة واسعة تعتقد أنّ النظام المعني يدافع عن مصالحها، وتسمح له تالياً، بل وتشاركه في عمليات القمع...
حين تفقد الأنظمة الشرائح الاقتصادية الواسعة الداعمة لعمليات القمع، فإنها تبحث عن مبررات وذرائع أخرى للقمع، وتستفيد في هذا الإطار من الثنائيات الوهمية الطائفية والسياسية والقومية والعشائرية وإلخ... وهذا ما جرى مع متشددي النظام السوري بعد فقدان التأييد الاقتصادي خلال سنوات الليبرالية الاقتصادية ابتداء من 1991 عملياً، والتي أكلت مكتسبات العمال والفلاحين بشكل تدريجي، ثم بدأت بالتهام لحمهم، ووصلت إلى العظم.

على المنهوبين أن يتحدوا

هذا كلّه، لا يريد لنا الغرب عموماً، ومعه أمراء الحرب من كل الأطراف، أنْ نراه أو ننظر إليه... يريدون لنا أن نبقى على سطح المسألة فقط، وأن نترك عمقها لهم هم: بوصفهم «النخب»، وباعتبار الشعب «جاهلاً» تحركه فقط العواطف والشعارات العامة... وهو ما لا ينبغي أن يكون، ولا ينبغي أن يستمر إنْ كان... وأداة عدم السماح باستمراره هي المزيد من الانخراط النضالي في توحيد صفوف المنهوبين السوريين بغض النظر عن الآراء الأولية التي يطرحونها، وتنظيم صفوفهم للمعارك الكبيرة القادمة، والتي سيكون تطبيق الحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254 مجرد باب واسع للدخول إليها، وصولاً إلى الثورة الحقيقية التي تقف أمام الشعب السوري، لا وراءه!

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1025
آخر تعديل على الأحد, 11 تموز/يوليو 2021 15:00