د. جميل: هنالك ملامح لبداية حل الخلاف حول آلية تنفيذ 2254

د. جميل: هنالك ملامح لبداية حل الخلاف حول آلية تنفيذ 2254

استضافت وكالة ريا نوفوستي يوم الاثنين الماضي 26 تموز، د. قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية ورئيس منصة موسكو للمعارضة السورية، ضمن ندوة لنقاش مستجدات الوضع السياسي السورية بعد اللقاء الأخير بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والمبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون.

وشارك في الندوة إلى جانب د. جميل الدبلوماسيان الروسيان ألكسندر زاسيبكين السفير الروسي السابق في لبنان، البروفيسور أندريه باكلانوف نائب رئيس جمعية الدبلوماسيين الروس، الأستاذ في مدرسة الاقتصاد العليا. وتنشر قاسيون فيما يلي المداخلات التي أدلى بها د. جميل خلال الندوة...

2254... كاملاً

الوضع في سورية دقيق وحساس وخطير، وهذا يلزمني أن أتكلم بوضوح وبأكثر صراحة ممكنة.
لقاء بيدرسون- لافروف كان هاماً جداً، ليس فقط بما يتعلق بالنقاط التي ذكرتموها، أي دعوة اللجنة الدستورية للانعقاد بأسرع وقت ممكن، ودعوة المجتمع الدولي للمساهمة في مساعدة سورية. في المقدمة التي تكلم بها السيد لافروف هنالك نقاط ليست أقل أهمية، والذي لفت نظري هو إصراره على التأكيد على أنه يجب تنفيذ القرار 2254 كاملاً.
مع الأسف، هذا الجانب لم تعره وسائل الإعلام، وحتى الروسية الناطقة بالعربية منها، اهتماماً كافياً. وأعتقد أن سر المشكلة التي نعاني منها في اللجنة الدستورية تكمن هنا بالذات، أي في التطبيق الكامل للقرار 2254. واقع الأمر أنه جرى تشكيل اللجنة الدستورية بصعوبة كبيرة بعد مؤتمر سوتشي، ولكن منذ أن بدأت أعمالها وحتى هذه اللحظة يمكن القول بجرأة إن نتائج عملها هي صفر صفر صفر. لم يجرِ أي تقدّم في عمل اللجنة الدستورية باتجاه بدء صياغة أو تعديل الدستور أو كما جاء في بيان سوتشي بدء عملية الإصلاح الدستوري على أن يتفق السوريون فيما بينهم على تعريف الإصلاح الدستوري. حتى الآن لم يتم تعريف الإصلاح الدستوري، هناك من يريد تغيير الدستور ونسف الدستور الحالي نسفاً جذرياً، وهناك من يريد إجراء تعديلات هامة في هذا الدستور، وإذا أردنا أن نتكلم أكثر من ذلك فهناك من لا يريد أبداً المساس بهذا الدستور.

1029-38

الخلاف حول آلية التنفيذ

إذاً عملياً، اللجنة الدستورية لم تعمل، لماذا؟ أعتقد أنه يجب العودة إلى جذر الموضوع، إلى تاريخ المرض؛ رسمة القرار 2254 تقول: أولاً المرحلة الانتقالية، ثانياً دستور، ثالثاً انتخابات. وذلك ضمن مهل زمنية حددها هذا القرار.
هذا القرار تم اتخاذه بالإجماع، ولكن رغم ذلك، فحين اتخاذه كان هنالك خلاف شديد ظهر فوراً ولاحقاً حول آلية تنفيذ هذا القرار، وهذه هي المشكلة الأساسية؛ لأن الغرب الاستعماري تاريخياً يريد تنفيذ هذا القرار بعقليته التقليدية الاستعمارية الاستعلائية الوصائية التي من خلالها يريد فرض ليس فقط الدستور، ولكن أيضاً شكل النظام السياسي القادم، ودون أن يعطي أي مجال حقيقي للشعب السوري وللسوريين أن يقرروا بأنفسهم ما يريدونه. ويريد فوق ذلك أن يتدخل في تشكيل البنى القادمة المستندة لهذا الدستور. بينما القرار 2254 يقول إن هذه العملية سورية ويملكها السوريون وهدفها إعطاء السوريين حق تقرير مصيرهم بأنفسهم. لذلك كان هناك خلاف حول آليات التنفيذ.
أعتقد أن ملامح بداية حل هذا الخلاف حول هذه النقطة قد بدأت بعد قمة بايدن- بوتين الأخيرة في جنيف. الآن يجري العمل لإيجاد توافق حول آليات تنفيذ 2254 بحيث يُعطَى السوريون حقهم في تقرير مصيرهم دون تدخل خارجي بحيث يقتصر دور الخارج على دعم ومساعدة السوريين على أن يتفقوا... وهذا هو الحل المنطقي والصحيح لهذا الموضوع.

حول سوتشي

المشكلة في سوتشي أنه تعبير عن تشكيل وعقد اللجنة الدستورية، وهذه هي المرحلة الثانية في القرار 2254 بعد بدء المرحلة الانتقالية. وكان رأيي منذ البداية، وقلته للأصدقاء الروس، أنّ سوتشي وما سيخرج منها لن يعطي أية نتائج عملية ما دامت لم تطبق النقطة الأولى.
مع ذلك، وافقنا وحضرنا مؤتمر سوتشي بعد تردد بصراحة. لماذا حضرنا؟ لأننا شعرنا أنه هنالك قوى وخاصةً في الغرب تريد أن تكون العملية السياسية المرتبطة بالأزمة السورية ميتة، ورأينا أنه في هذا الوقت المستقطع ليس من السيئ أن تقوم سوتشي وفيما بعد اللجنة الدستورية، بإبقاء العملية السياسية في حالة إنعاش ولو شكلياً إلى أن يحين وقت البدء فيها فعلياً.
إذا كانت هنالك إيجابية لسوتشي وللجنة الدستورية التي لم تنتج شيئاً -وهذا الذي كنا قد توقعناه منذ اللحظة الأولى- فالإيجابية الوحيدة حتى الآن أنها أبقت العملية السياسية تحت المنظار وجعلتها لا تموت ولم تدخل هذه العملية غرفة الإنعاش المركزة، وهذه هي الإيجابية الوحيدة لسوتشي.
لسوتشي أيضاً مشكلة أخرى؛ أنا حضرت سوتشي، وكنت ضمن رئاسة المؤتمر، المشكلة أنه صدرت عن هذا الاجتماع وثيقتان، الوثيقة الأولى التي قرأها السيد لافرينتيف والتي جرى إقرارها من الناحية الشكلية التصويتية في المؤتمر، والوثيقة التي أصدرتها وزارة الخارجية السورية التي تختلف عن الوثيقة التي عرضها السيد لافرينتيف، والتي اعتبر أنها قد تم إقرارها في المؤتمر؛ بمعنى آخر فإن الحكومة السورية ذهبت إلى سوتشي (قدمٌ إلى الأمام وقدمٌ إلى الوراء)، وأنا كان رأيي منذ الأساس حول جنيف وكل العملية السياسية: إن كنت تستطيع أن تأخذ الحصان إلى النهر لكي يشرب فلا يمكنك إذا وصلت به إلى ضفة النهر أن تجبره على الشرب، وهذا ما رأيناه عملياً في جنيف؛ في جنيف، جرى من قبل الطرفين المتشددين من النظام والمعارضة عرقلة أي تقدم ممكن، نحن الآن نظرياً على أعتاب جولة جديدة للجنة الدستورية، السادسة أعتقد، فما الذي أنتجته الجولات الخمس السابقة فعلياً؟ لم تنتج شيئاً. ألا يستحق هذا الأمر التوقف عنده ودراسته وتفحصه والخروج باستنتاجات حول هذا الموضوع؟ هل المشكلة فقط ثانوية- عرضية أم أن المشكلة هي في جذر هذه العملية وكيف بدأت؟
كانت لدى النظام ورقته، المعارضة ماذا كان وضعها؟ المعارضة الرسمية المتمثلة بهيئة التفاوض رفضت بأكثريتها الصوتية الشكلية الميكانيكية حضور سوتشي. نحن خالفنا هذا القرار وصوتنا ضده وخالفناه وحضرنا، منصة القاهرة صوتت ضد هذا القرار ولكنها لم تتجرأ على الحضور، والباقي لم يحضروا وليس فقط لم يحضروا! بل هاجموا سوتشي قبل حدوثه وهاجموا سوتشي خلال إجرائه وهاجموا سوتشي ونتائجه، أي اللجنة الدستورية بعدما انتهى. أي إن الطرف الثاني ليس أكثر تقبلاً لهذه الفكرة من الطرف الذي يمثله النظام أي الحكومة السورية.

1029-24

متناقضان ومتفقان!

لدينا صعوبات جدية... المضحك المبكي في الموضوع، أن طرف المعارضة الذي رفض المشاركة في سوتشي تمثل في اللجنة الدستورية وتلك الأطراف من المعارضة التي تجرأت وحضرت سوتشي لم تتمثل في اللجنة الدستورية، لماذا؟ لأن الأمم المتحدة اعتبرت أنّ الممثل الشرعي والوحيد للمعارضة السورية هو هيئة التفاوض، وهيئة التفاوض يوجد فيها «حزب قائد» هو الائتلاف الذي يقطن في اسطنبول، وهذا «الحزب القائد» لعب دوراً سلبياً -على طريقة الأحزاب القائدة تاريخياً- في عملية تطور المعارضة وعملها.
بكل الأحوال سوتشي كان ضرورياً، وإذا كنا نريد أن نقيّم موضوعياً ما جرى، فسوتشي له نقطة إيجابية أنه منع إدخال العملية السياسية غرفة الإنعاش المركز، ولكن الآن هذا لم يعد يكفي. برأيي، كي تعطي اللجنة الدستورية الآن نتائج، ينبغي العودة إلى النقطة الأولى من القرار الذي أقره مجلس الأمن 2254؛ موضوع المرحلة الانتقالية. ولا بدّ من الذهاب إليها، وأعتقد أن هذا ما لمح إليه لافروف في حديثه مع بيدرسن حينما تحدث عن ضرورة تنفيذ جميع جوانب 2254، وهذا يتطابق مع موقفنا.
المواقف الأخيرة للطرفين الأساسيّين تؤكد ما قلته؛ النظام بعد الانتخابات الرئاسية، صرح مسؤولون فيه أنهم يرفضون تعديل وتغيير الدستور وأن الظروف قد تغيرت. في المعارضة، هناك تصريحات من قياديين فيها آخرهم نصر الحريري، الرئيس السابق للائتلاف الذي انتهت ولايته منذ أيام، أن العملية السياسية ماتت وأن اللجنة الدستورية ماتت. بمعنى آخر، لدينا مفارقة عجيبة: عملية عرقلة ومعارضة جنيف- اللجنة الدستورية، تأتينا بنفس الحدة من طرفين يظهران من حيث المظهر الخارجي وكأنهما ضدان لا يتفقان، ولكن بالجوهر هما متفقان كثيراً، أي الطرفان المتشددان الموجودان على طرفي المتراس. ولا ضرورة أن أضيف بأن النظام بأحاديثه المختلفة وتصريحاته، قد نسي 2254، بالنسبة له 2254 غير موجود.

آلية التنفيذ

من وجهة نظري آلية تنفيذ 2254 هي أولاً: نريد تعريف الجسم الانتقالي الموجود مصطلحه في القرار، وأعتقد أن السوريين هم الذين يجب أن يهتموا بهذا الموضوع، ماذا يعني الجسم الانتقالي بالنسبة للسوريين؟
وهذا الموضوع لا تقرره أمريكا ولا روسيا ولا انكلترا ولا ألمانيا ولا السعودية ولا تركيا، هذا الموضوع يجب أن يقرره السوريون. إذا اتفقنا ما هو الجسم الانتقالي، يجب أن نتفق بعد ذلك على صلاحياته استناداً إلى الدستور الحالي المعمول به وإلى ضرورة إدخال بعض التعديلات الممكنة عليه كي تعطى صلاحيات حقيقية للجسم الانتقالي. ثالثاً: نريد أن نسمي الجسم الانتقالي بالتوافق بين الطرفين. هذا اسمه تجهيز المرحلة الانتقالية، هذا إذا جرى سيخلق الأجواء الملائمة والإيجابية لعمل اللجنة الدستورية كي تستطيع أن تنجز شيئاً، وأنا أقول لكم وأنا مسؤول عن كلامي إذا حدث هذا الشيء فإنّ موضوع إنجاز عمل اللجنة الدستورية لن يستغرق وقتاً طويلاً. أنا كنت عضواً في اللجنة الدستورية التي صاغت دستور 2012 وكانت لدي ملاحظات كثيرة وصوتت معترضاً على نقاط عديدة، ولكن هذا الدستور في العمل عليه أخذ أشهراً قليلة من الاجتماعات المستمرة يومياً للجنة الصياغة المصغرة. وأعتقد أنه إذا ركزنا على هذا الموضوع- موضوع المرحلة الانتقالية ونقلنا أعمال اللجنة الدستورية إلى دمشق بإشراف الأمم المتحدة وحمايتها وسلّطنا على عملها كاميرات التلفزيون بحيث يكون عملها شفافاً وواضحاً وعلنياً أمام السوريين... ما يجري حالياً هو مهزلة؛ اللجنة الدستورية تجتمع أسبوعاً وتغيب ثلاثة أشهر وبعدها تجتمع أسبوعين وتغيب عدة أشهر. إذا نقلنا أعمالها إلى دمشق مع الضمانات الأممية الضرورية لكل أعضائها بالعمل والعيش خلال فترة عمل اللجنة الدستورية أعتقد أنها ستحقق نتائج حقيقية وسريعة.

1029-2

اللجنة مجرد مفتاح

أخيراً أريد أن أقول لكم، اللجنة الدستورية كانت وما زالت مجرد مفتاح للعملية السياسية، ولكن المفتاح يحتاج إلى قفل ويجب أن نجد القفل المطلوب كي يعمل به هذا المفتاح، وإذا كان المفتاح على قياس القفل فيجب أن نعلم كيف يجب أن ندير المفتاح في القفل كي نفتح القفل لكي تبدأ العملية السياسية. بمعنى آخر، اللجنة الدستورية شيء جيد ولكن يجب عدم المبالغة في الحديث عن نتائجها لأنها إن عملت وخرجت بنتيجة فالنتيجة عملياً يجب أن تكون هي بدء العملية الانتقالية نحو بنية سياسية تمنع الفساد وتسمح بالنمو وتسمح بالعدالة الاجتماعية وتزيل المشاكل البنيوية التي أدت إلى انفجار الأزمة السورية في آذار 2011، وإلا فما هي النتيجة؟ كما يقال من تحت الدلف لتحت المزراب... كل هذه الدماء وهذه الآلام- العذابات التي تكبدها الشعب السوري كرمى لماذا؟ لكي تبقَى الأمور كما كانت عليه؟! نقولها منذ البداية نريد تغييراً جذرياً حقيقياً سلمياً تدريجياً، والآن عوضاً عن كلمة تدريجي أضيف إليها تدريجي سريع لأن الوضع لم يعد يتحمل.

دون حل سياسي...
الانتصار العسكري سيتبخر

لدي بعض التعليقات والملاحظات السريعة حول الحديث الهام للسيد باكلانوف الذي شبه فيه التجربة السورية بالتجربة الإسبانية وأنه يجب الاستفادة من ذلك؛ مع الأسف، فإن ما يجري هو عدم الاستفادة من التجربة الإسبانية اليوم، والذي أريد إضافته لحديثي الأولي حول سوتشي أنه جاء في مرحلة كان مركز الثقل فيها هو العمل على الأرض ضد الإرهاب، وكانت العملية السياسية مجمدة عملياً، وجمودها كان يهدد بإدخالها غرفة الانعاش، لذلك سوتشي كان إبقاءً لهذه العملية حية ولو شكلياً.
السؤال الآن، بعدما تحدث السيد باكلانوف عن انتصار للنظام... هذا الانتصار العسكري تحقق أيضاً بفضل دعم حلفاء النظام، وأعتقد أن الجيش الروسي لعب دوراً هاماً في تعديل ميزان القوى منذ دخوله في أيلول 2015 ولولا ذلك لا أعتقد أن تحقيق هذا الانتصار على الإرهاب كان ممكناً، لأنه حتى ذلك الوقت، كان الوضع العسكري مأساوياً وبحالة شبه انهيار. تعدل الوضع بعد الدخول الروسي، أخذ وقتاً ولكنه تعدل. الآن وقد أنجزت مهمة تدمير الإرهابيين عسكرياً والحد من نفوذهم ونشاطهم، السؤال الجدي الذي يجب أن نفكر به جميعاً: كيف الحفاظ على ثمار الانتصار العسكري؟ إذا بقي الوضع على ما هو عليه الآن، فإنّ ثمار الانتصار العسكري ستتبخر، لأن ما يجري الآن هو قتل الناس ليس بالرصاص وإنما بالجوع والبرد والأوضاع السيئة. هل لديكم تصور ما هو الوضع الاقتصادي- الاجتماعي اليوم على الأراضي السورية التي هي تحت سيطرة النظام؟ هي أسوأ «على فكرة» من المناطق التي ليست تحت سيطرته ولكنها جميعاً في وضع سيئ. اليوم الدولار 3000 ليرة سورية وفي بداية الأحداث كان بـ70 ليرة، أي إنه قد تغير عشرات المرات بينما الحد الأدنى للأجور لم يتغير إلا عدة مرات. اليوم الراتب الشهري للإنسان لا يكفيه للطعام إلا خلال الأيام الأولى من الشهر. بالنسبة للكهرباء في دمشق فهي تأتي ساعتين أو ثلاثة في اليوم، محروقات لا يوجد فعلياً، الوضع مأساوي بكل معنى الكلمة، بسبب ماذا؟ هل ستقولون لي بسبب العقوبات الغربية فقط؟ لا، السبب هو الفساد المرتبط ببنية هذا النظام الذي يجب تغييره ودون ذلك لا يمكن تحقيق أي تقدم.

1029-39

العودة إلى 2254 تعني حل أصل المشكلة

حين تكلمت عن العودة إلى2254 لم أتكلم بمعنى العودة الزمنية إلى تلك اللحظة؛ العودة إلى 2254 تعني العودة إلى لحل السياسي- تنشيطه بعد أن أنجزت مكافحة الإرهابيين وتحطيم نفوذهم نسبياً. اليوم المطلوب حل المشاكل الحقيقية التي يعاني منها السوريون، وإلا نحن أمام دورة جديدة من الأزمة وانفجارها، وكل كلام آخر حول هذا الموضوع هو غير واقعي وغير ممكن وقد شاخ زمانه. السوريون يتطلعون إلى تغيير حقيقي لأنه إذا تأخر هذا التغيير ستتغير المعطيات نهائياً وستصبح معالجة الوضع شبه مستحيلة، وإذا أضفنا إلى ذلك أن سورية مقسمة واقعياً إلى ثلاث مناطق فإنّ استمرار التقسيم سيخلق حالة تعود، عملياً لا يوجد اتصال اقتصادي وبشري كبير بين هذه المناطق، هذا الوضع سيخلق تعقيدات كبيرة تؤثر على وحدة سورية وسيادتها. من هنا أرى أن الحل هو نعم بالعودة إلى 2254 وتنفيذه كاملاً، وهو أصلاً لا ينظر إلى الإرهابيين كمشاركين في العملية السياسية، بل إلى السوريين الذين يريدون التغيير من جميع الأطراف.

شمال سورية

هل سيخرج الأمريكان من المنطقة؟ سيخرجون ولن يخرجوا، كما يقال سيخرجون تاركين «مسمار جحا». كل الدلائل تقول إنهم سيخرجون من العراق إلا من شماله. وجود الأمريكان في الجزيرة السورية هو استطالة لوجودهم في العراق، ولكنهم لن يستطيعوا البقاء طويلاً في هذه المنطقة.

1029-27

الملقّنون!

شاركنا في اللجنة الدستورية رغم قناعتنا بأنها من الصعب أن تنتج ضمن الظروف التي نشأت ضمنها، وسنظل ندعمها. ولكننا نقول اليوم رأينا فيما يخص تنشيطها لاحقاً: إذا كان مركزا القرار اللذان يديران كملقّني الوفدين الأساسيين في اللجنة الدستورية لا يريدان التقدم.. فكيف ستتقدم الأمور؟
لن تتقدم، يجب أن يتم تغيير بنية الملقنين، الملقن يجب أن يلعب دوراً إيجابياً لأن الذين يشاركون من الطرفين الأساسيين النظام والمعارضة لديهم ملقنون يلعبون دوراً كبيراً. إذا لم تجرِ تغيرات بنيوية في الملقنين، فلا تحلموا بأي دور للجنة الدستورية... كما قلت: الحصان يمكن أن تأتوا به إلى النهر لكي يشرب ولكن لا يمكنكم إجباره على الشرب. وهذا ما جرى فعلياً بكل معنى الكلمة.

الفساد الكبير يمنع التوجه شرقاً

طُرح شعار توجه سورية شرقاً في عام 2012 حينما كنت في البلاد وأقوم بمهمة رسمية حكومية بتكليف من حزبي. بدأنا بتنفيذ هذا الشعار الذي كان بتوجيه رئاسي، هل تعلمون حجم المقاومة بأجهزة الدولة حول هذا الموضوع، ولماذا؟
تاريخياً 70% من علاقات سورية الاقتصادية والتجارية هي مع أوروبا الغربية تحديداً، وهذا الأمر متعلق بشركاء ووكلاء لهم نفوذ كبير في أجهزة الدولة تاريخياً على مدى عشرات السنين، لذلك أي عملٍ للتوجه شرقاً كان يُخرّب- يُعرقل ولم نستطع أن نتقدم خطوة واحدة، لم نستطع في ذلك الحين أول الأزمة السورية أن نؤمّن استيراد محروقات من روسيا، ليس بسبب روسيا التي أبدت رغبتها مشكورة في مساعدتنا- ولكن بسبب عرقلة الجهاز الفاسد البيروقراطي.
لذلك فإنّ الحديث في الظروف الحالية عن التوجه شرقاً في ظل البنية الحالية وفي ظل العقوبات الجائرة والحصار التي تتعرض له سورية هو وهم وقبض للريح، لا يمكن ولن ترضى أصلاً الأطراف الصديقة أن تمد يد المساعدة الجدية في حين أن مجارير الفساد واسعة وكبيرة وتمتص كالثقب الأسود كلما يأتي إلى البلاد وهذه الحقيقة يعرفها الجميع. لذلك دون إصلاح جذري في البلاد لجهاز الدولة وفي المجتمع ومنظومة العلاقات الاقتصادية لا يمكن الحديث عن أية إعادة بناء لأنها ستكون وهماً كبيراً، لأنها ستضع جميع الأصدقاء في موقف محرج، سيقدمون في ظل هذه البنية ولن تظهر النتائج.

1029-20

فساد شامل

أريد أن أنقل لكم حادثة طريفة حدثت معي في إيران، حيث كنت ألتقي مسؤولين على مستوى عالٍ ونتحدث عن الوضع في سورية. إحدى ملاحظاتنا التاريخية أنه هناك حجم غير مقبول من الفساد، فقال لي المسؤول الإيراني: لا غير صحيح. فقلت له: لماذا غير صحيح؟ فقال: «المنظومة كلها فاسدة، هناك فساد شامل».
نحن نعلم أنه في كل بلد هناك فساد بنسب مختلفة ولكن الذي أقوله لكم إن الفساد في سورية فساد شامل، وهو أحد أسباب الأزمة التي انفجرت وأحد أسباب تعمقها اليوم بعد الانتصارات العسكرية على الإرهاب وبعد إمكانية الوصول إلى حل سياسي.

البراغماتية الأمريكية

ثانياً: أريد أن أقول إني أوافق أن الأمريكان لا يمكن أن نأمل منهم الكثير، وتاريخياً لا نثق بهم، ولا يمكن أن نبني عليهم وعلى مواقفهم، ولكن توجد حقيقة يجب أن نعترف بها هي أن الأمريكان برغماتيون، برغماتيتهم عبّر عنها بايدن مؤخراً بالقول إنهم يركزون جميع مواردهم للمنافسة مع الصين... وهذا عملياً ما يجبرهم على الانسحاب من أفغانستان ومن العراق، ولكن الذي قلته في مداخلتي الأساسية إن الانسحاب من العراق لن يكون كاملاً، سيبقون موقع قدم من أجل استمرار وضع «الفوضى الخلاقة» إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

1029-16

تغذية نزعات الانفصال

هذا الوضع في العراق، سيؤثر على سورية، لذلك هم يدغدغون مشاعر بعض القوى في شمال شرق سورية، ومن الخطأ إذا فكرنا أنهم يدغدغون مشاعر بعض الأكراد فقط، هم يدغدغون مشاعر بعض العرب أيضاً... إنْ كان هناك قوى وشخصيات تتم دغدغة المشاعر الانفصالية عندها فهي عربية وكردية. ولكن هناك قوى كردية- جدية- وطنية موجودة في كل التنظيمات وأولها مسد الذين وقعنا معهم في موسكو نهاية آب مذكرة التفاهم والتقينا مع لافروف.
هناك اتجاه واقعي وطني يجب أخذه بعين الاعتبار وعدم وضعهم كلهم في سلة واحدة وعدم تصوير الصراع معهم أنه صراع قومي، لأن الانفصاليين في شمال سورية بينهم عرب وبينهم أكراد، وهذه الروح الانفصالية منشؤها رغبة- طموح لتحقيق بعض المصالح عبر النفط ونهب الثروات في هذه المنطقة.

مركزية ولامركزية

هنالك أساس تاريخي للحديث عن اللامركزية برأيي، وهو مفهوم ولو كان أحياناً مبالغاً به. الذي حدث في سورية أن المبالغة في دور المركز تاريخياً عبر عشرات السنين خلق قوى نابذة عند الأطراف، والأطراف ليسوا فقط شمال شرق، بل كل المحافظات عدا دمشق وحلب، لديها قوى نابذة عن المركز. مثال: محافظة الحسكة تنتج كمية هائلة من النفط السوري أكثر من 50%، تنتج نسبة عالية جداً من القمح والقطن، فيها 15% من سكان سورية، تقدم موارد هائلة للدولة ولكنها تاريخياً بالموازنة الاستثمارية المركزية لا تحصل على أكثر من 3%. الحسكة التي تقدم أكثر القمح لسورية لم يكن فيها سوى مطحنة واحدة عاملة، فهل تصدقون أن الحسكة كانت تستورد الطحين من خارج المحافظة وهي خزان قمح سورية. أي إنه توجد تشوهات بنيوية أدت إلى نمو المشاعر اللامركزية كرد فعل عفوي غريزي على الدور المبالغ به من المركز، والذي سببه كان الركض واللهث وراء النهب والفساد.
هذه العملية، هذه الرسمة، يجب أن تتغير، علاقة المركز بالأطراف، لذلك سجلنا في مذكرة التفاهم مع مسد أنه مطلوب منا صياغة شكل نظام مركزي- لامركزي. لامركزي فقط مضرة وخطيرة، والمركزية المطلقة كما أثبتت الأحداث أيضاً مضرة وخطيرة. يجب أن نبحث عن التوازن الذهبي بين المركزية واللامركزية، وهذه مهمة السوريين ولا يمكن لأحد غيرهم أن يقوم بها.

1029-5

الفساد والإرادة السياسية

أحيي السيد زاسيبكين على هذه المداخلة حول الوضع الاقتصادي وأنا موافق معه كلياً ما عدا نقطة واحدة أريد أن ألفت الانتباه إليها: المشكلة هي أنه لا توجد إرادة سياسية لمكافحة الفساد، لأن النخب المرتبطة بالنظام فاسدة «بالمية مية»، وإذا كان الفساد بالسبعينات متمثلاً بما كان يقال عن المستر محمد حيدر نائب مجلس الوزراء الشؤون الاقتصادية، والذي كان يلقب مستر فايف بيرسنت «Five percent» (السيد 5 بالمئة)، فإنه بعد الخطة الخمسية الرابعة عام 1974 ارتفعت النسبة لـ ثيرتي بيرسينت «Thirty percent» (30 بالمئة)، في حينها رفعت الأسد والاستثمارات التي أتت لدعم سورية بعد حرب 1973... فاليوم نسب النهب عبر الفساد لأنه لم يعد يوجد اقتصاد منظم، اقتصادنا اسميه حواجز، اليوم حجم الفساد كبير لدرجة أنه يشفط أكثر من 80% عملياً من الدورة المتبقية اقتصادياً. لذلك مشكلتنا الحقيقية في سورية أن الإرادة السياسية لمكافحة الفساد لم تكن موجودة، فهذه الإرادة السياسية كانت تدير الفساد، ولذلك نحن بقلب محروق عندما نقول أنه يلزمنا تغيير، فبالذات من أجل تغيير هذه القضية. الفساد نسبه في سورية بلغت مدىً خيالياً، ولذلك دون تغيير هذه الإحداثية لا يفكرنّ أحد بحدوث تغيير جذري بحدوث تغيير اقتصادي بحدوث نهوض اقتصادي، حتى أنتم لن تأتوا، اسألوا رجال الأعمال الروس الذين يحاولون العمل في سورية. يجب أن يتغير الوضع، وبدونه يكون من الوهم التعاطي معه.
هذا النظام ليست لديه الإرادة السياسية لمكافحة الفساد، ليس بمقدوره ذلك لأن الفساد جزء من البنية، هذا ما نريد تفكيكه حينما نقول عن تغيير جذري في النظام وكنا نريد تغييره منذ زمن من قبل الأحداث، انفجرت الأحداث وكان أحد أسبابها هذا الموضوع، كنا نريد تغييره بشكل سلمي- عميق وتدريجي، هذا لم يجرِ وتعمّق الفساد، هذه هي المشكلة اليوم التي نعاني منها والتي نريد حلها، لذلك نأمل بالحل السياسي على أساس القرار الدولي 2254 لأننا نرى فيه أملاً في وضع سورية بمكان جديد يستطيع فيه شعبها أن يقرر مصيره بنفسه.

كيف نتحضر للانسحاب الأمريكي؟

دون حل سياسي على أساس 2254 فإنّه من غير الواقعي وحدة البلاد، الواقعي هو استمرار هذا الوضع وهذا ما يريده بعض الغرب. استمرار هذا الوضع كأمر واقع، تقسيم أمر واقع، ويأخذ سنوات كي يفرض وقائعه هذا ما يريده الغرب. هل سيخرج الأمريكان؟ نعم سيخرجون. ولكن السؤال متى وكيف؟
القرار الإستراتيجي للانسحاب من المنطقة تم اتخاذه، وطريقة تنفيذه معقدة كما رأينا في أفغانستان والعراق، بالنهاية سينسحبون، ولكن السؤال ما مدى الخراب الذي سيتركونه في سورية؟ لذلك ننصح كل المكونات السياسية في شمال شرق سورية ألّا تبني آمالاً على المواقف الأمريكية، لأن الأمريكان يعدون ويكذبون ويورطون، توجد أغنية معروفة لدينا تنطبق على هذه الحالة: «وصلتونا لنص البير وقطعتوا الحبل فينا»، الأمريكان عملياً هكذا فعلوا؛ فالأكراد في الإدارة الذاتية في قضية عفرين في المناطق التي احتلتها تركيا، الذي انسحب هو الأمريكان وعملياً هم الذين قاموا بتسليم الأراضي للأتراك في الوقت الذي يعلنون فيه دعمهم للأكراد، لذلك أعتقد أن الأمريكان يبحثون عن مصلحتهم، ومصلحتهم أن يشتبك الجميع مع الجميع ولكن إمكاناتهم وقدراتهم ومواردهم تنخفض سريعاً. وبقدر ما تسطيع القوى الوطنية السورية أن تتلاحم وأن تواجه الألاعيب الأمريكية الخبيثة بقدر ما نستطيع إفشال مخططاتها والحفاظ على وحدة الدولة السورية...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1029
آخر تعديل على الإثنين, 02 آب/أغسطس 2021 17:34