الأمبيرات... حلٌّ مؤقت أمْ أمر واقع؟
رهام الساجر رهام الساجر

الأمبيرات... حلٌّ مؤقت أمْ أمر واقع؟

حلب عاصمة الاقتصاد السوري، هكذا كانت تعرف، وعلى ما يبدو أنها ما زالت، ولكنّها بطرق أخرى هذه المدينة المنكوبة والغنية، حتى بأزماتها، بلا طاقة اليوم. عانت حلب بشكل خاص من أزمات كهرباء ومياه حادة خلال سنوات الأزمة العشر، دون وجود حلول جدية أو مساعي لحلول جدية، بل على العكس أصبحت حلب مركزاً لتجربة (بدائل السوق) وتحديداً فيما يخصّ الكهرباء، إذ ظهرت المولدات ومنها نظام الأمبير مبكراً، وما كان يعدّ حلاً مؤقتاً لحين إخراج المدينة من ظلامٍ دامَ أكثر من عامين أصبحَ أمراً واقعاً، أفرغَ جيوبَ المواطنين. ليكون واحداً من معالم انحدار حال المدينة على لسان قاطنيها بلهجةٍ ساخرة ممزوجة بالكثير من الألم «صرنا متل العصر الحجري بس ناقصنا ديناصورات».

 

إلغاء دور الدولة

تحوَّل عمل توزيع خطوط الأمبيرات إلى تجارة رائجة في أحياء المدينة في ظل تقنين كهربائي شديد حتى أصبحت اليوم تشكل دخلاً مالياً مهمّاً بالنسبة للكثير من تجار الأزمة «المعروفين» الذين يهيمنون على هذا السوق بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق فرض الإتاوات على الموزعين في أحياء ومناطق أخرى، الأمر الذي يعني إلغاء دور الدولة بشكل كامل من تأمين الحاجات الأساسية وخصوصاً قطاع الكهرباء وتحويله لقطاع خاص بامتياز عبر دفع التجار لتوليد الكهرباء بشكل خاص، وصولاً لتعميم الحالة على كامل البلاد والتخلي الكامل عن أهم القطاعات الحيوية في البلاد.

imgin

وبما أنّ الاعتماد الرئيسي منذ سنوات في تأمين تيار كهربائي مستقر بشكل ما، هو على مولدات الأمبيرات – لارتباط سعر الأمبير بسعر مادة المازوت – ما يجعل هذا القطاع في مدينة حلب المتضرر الأكبر من أزمات المحروقات، فسياسة «سحب الدعم» عن المشتقات النفطية والرفع المتواتر لحوامل الطاقة ومنها سعر المازوت، الذي يؤدي ارتفاعه لآثار اهتزازية ترفع جميع الأسعار بما فيها الأمبيرات، مما يفسح مجال رفع سعر الساعة التشغيلية لدى التجار إلى ما لا نهاية. هذا الأمبير الواحد الذي لا يسمح بتشغيل أكثر من الإنارة المنزلية وشاشة التلفاز من دون القدرة على تشغيل بقية التجهيزات الكهربائية مثل البراد والغسالة وغيرها، وفي حال رغب المستهلك في تشغيل ذلك يحتاج أسبوعياً لشراء أكثر من أمبير ما يعني مزيداً من الكُلَف.

 

imgin2

 

من تكيُّف إلى فرض أمرٍ واقع

بدأت أولى بوادر هذه الظاهرة عندما انقطعت الكهرباء عن المدينة، بعد خروج المحطة الحرارية المغذِّية عن الخدمة، في 7 تشرين الثاني 2013، بسعر 300 ل.س أسبوعياً وفق آلية التزود آنذاك – النصف الأول من كمية الديزل بسعر 60 ل.س من المحافظة والنصف الثاني من السوق السوداء بـ 150 ل.س – ليرتفع بنسبة 66% ويغلِق مع نهاية السنة عند 500 ل.س. ومع اشتداد الحصار وغياب الكهرباء لفترة تصل إلى 20 ساعة يومياً عن المدينة، في عام 2015، نتيجة لتكرار توقف عمل المحطة الحرارية بسبب قطع الغاز عنها، و شن «داعش» هجوماً ضخماً على كافة جهات المحطة مسبِّبين أضراراً جسيمة فيها، بالإضافة لسرقة أغلب المعدات والكابلات، وصولاً للتوقف النهائي نتيجةً للقصف الأمريكي في تشرين الأول، وتفجير خطوط إمداد الغاز من الرقة، ما أدى لخسارة حلب الكهرباء بشكل كامل منذ ذاك الحين، حيث بدأت الوتيرة بالارتفاع حتى 700 ل.س لتتسارع في العام 2016 بنسبة تصل إلى 433%.

في بداية العام 2017 ومع استعادة السيطرة في القسم الشرقي للمدينة، ومعاودة تغذية الكهرباء لمحافظة حلب عن طريق الخط البديل (حماة-السلمية-حلب) شهد سعر الأمبير انخفاضاً مؤقتاً، ليعاود الارتفاع في منتصف العام ذاته ليصل حد 1600 ل.س. أما العام 2018 فقد شهد تذبذباً في السعر سببه استقرار وضع الكهرباء، لينتهي العام بسعر قياسي وصل إلى 2000 ل.س للأمبير الواحد، في حين ارتفع السعر بشكل طفيف ليغلق عند 2200 ل.س.

ومع بداية 2020 وعلى مدار العام، اشتد الارتفاع وبتغيّرات ملحوظة محققاً رقماً قياسياً جديداً بلغ 5500 ل.س بزيادة بلغت 1800% تقريباً، في حين بلغ التدهور حداً كبيراً في 2021 ليطال 4300% بسعر يصل 13000 ل.س للأمبير الواحد أسبوعياً.

imgin3

وعند صدور أي قرار حكومي للحد من تجاوزات تُجّار الأمبيرات بتحديد سعر الساعة التشغيلية، والتي لم يتم التقيُّد بها يوماً، فإنّ قراراً جديداً آخر يتبعُه يدعمُ طمعَ التجار وجشعهم، وليرتفع هذا «الحد» وبشكل متوازٍ وبدعمٍ رسمي واضح، حتى يومنا هذا، فقرارات المكتب التنفيذي لم تكن إلا ترخيصاً لتمكين التجار من مضاعفة أسعارهم، لتحلّ تلك القرارات في كل مرة كالصاعقة على المدينة، التي عمّقت أزمتها أكثر فأكثر وأدخلتها في نفق مظلم لمْ تعدْ ترى فيه النور، وليتأرجَح المواطنون على أخبار انقطاع الخطوط البديلة وعودتِها، في حين كان يُفترض وجود خطوات جدية في حلّ هذه الأزمة، لكن تحوّلت الأمبيرات من حالة تكيّف مع الواقع وكسره... إلى فرضِ أمر واقع واستغلالٍ، توجِّهُ هذه القرارات.

 

شيلوا الأمبيرات... حلب بدا كهربا

الواقع الحلبي يقول: إنّ الابتزاز والاستغلال ما زالا مسيطرَين من قبل أصحاب المولدات بالتعاون مع الفاسدين حتى الآن، الذين اغتنوا وراكموا ثرواتهم من مصّ دماء المواطنين واستغلال حاجتهم، على حد وصف أحد المواطنين: «خلصت الحرب ومرتزقتها ما رح يخلصو ليخلّصو علينا».

هذا الشارع الذي يطالب وفي كل مرة بإنهاء هذه الظاهرة التي أرهقت كاهله واستنزفت جيبه حتى آخر ليرة، لتأتي التصريحات الرسمية للوزير مؤخراً «بأنه لن يشرّع الأمبير طالما بقي وزيراً وأن الأمبيرات هي استنزاف للوقود ولموارد الدولة»، إلا أنّ اعتماد حلب الكبير والمقونَن على الأمبيرات يتم تبريرُه منذ ما يقارب 4 سنوات وإلى اليوم دون العمل على إيجاد بدائل وحلولٍ جذرية وحقيقية. فالأجدى من كل تلك التبريرات هو وضع حد للفساد المعرقل لعملية إصلاح المحطة الحرارية. ورغم كل الوعود وكل ما يخصص من اعتمادات لهذه الغاية، فالسنوات تمرّ وتمضي دون إنجازٍ يذكر على هذا المستوى.

 إنّ إلغاء هذه الظاهرة، والتي شغلت الشارع الحلبي، وشكلت هاجساً له على مدار سنوات وحتى الآن، بسبب تحكم وابتزاز أصحاب مولدات الأمبير لهم، من دون التفاتهم إلى أية إجراءات عقابية صارمة، لا يمكن أن يتم دون إعادة عمل المحطة الحرارية، ودون السعي الجدي إلى إلغاء الاستثمار والاستغلال بالأمبيرات على حساب حاجات المواطنين ومن جيوبهم وعلى حساب معيشتهم.

 

آخر تعديل على السبت, 07 آب/أغسطس 2021 11:56