أوكوس: تصعيد نووي أم صفقة سلاح بخطاب حربجي لتبريرها؟
فيخاي برشاد فيخاي برشاد

أوكوس: تصعيد نووي أم صفقة سلاح بخطاب حربجي لتبريرها؟

بعيداً عن تعقيد الطرح، أوكوس AUKUS «الشراكة الأمنية الأسترالية-البريطانية-الأمريكية»، هي صفقة أسلحة نووية تهدف لزيادة الضغط على الصين، وهذا من شأنه أن يجعلنا نصبح شديدي القلق. لكن بوجود كلّ هذه المنصات الأمنية: مثال الرباعية التي تشمل أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، أو شبكة التنسيق الأمني المدعوة «العيون الخمسة» التي تشمل دول أوكوس إضافة لنيوزلندا وكندا، ما هي الحاجة لنسيق أمني جديد، وما الجديد الذي قد يحوّله لتهديدٍ للسلم والأمن الدوليين؟

 ترجمة : قاسيون

منظمة أمنية أخرى بتكاليف أعلى

أعلن رئيس الوزراء الأسترالي موريسون بأنّ «أوّل مبادرة لأوكوس ستكون تسليم غواصة تسير بالوقود النووي لأسطول أستراليا». يجعلنا هذا نتساءل في أمرين: ما الذي سيحدث لصفقة الغواصات التي تعمل بالديزل والتي اتفق الأستراليون عليها مع فرنسا. والسؤال الثاني الأهم: هل تخرق صفقة الغواصات النووية التزامات معاهدة «الحدّ من انتشار الأسلحة النوويّة NPT»؟

كان من المخطط أن تُخرِج أستراليا غواصاتها الحالية من الخدمة قرابة 2030، وأن تستبدلها بالغواصات التي ستزودها بها فرنسا، حيث كانت تكلفة الصفقة مع «نافال غروب» الفرنسية 90 مليار دولار أمريكي لشراء الغواصات، و145 مليار دولار لصيانتها مدى الحياة.

لكنّ أستراليا ألغت الصفقة مع الفرنسيين، وستشتري الغواصات التي سيتم بناؤها إمّا في الولايات المتحدة أو بريطانيا بتكاليف أعلى، ناهيك عن أنّها ستعني إجبار أستراليا على الاعتماد بشكل أكبر على صناعات السلاح الأمريكية والبريطانية.

ورغم أنّ الحكومة الأسترالية تهربت من الصحافة في الرد على الأسعار التي سيدفعونها مقابل الغواصات النووية، فيمكننا أن ندرك الحدود العامة عبر النظر إلى دراسة التكاليف المذكورة في تقرير لصالح الكونغرس عن الغواصات النووية الأمريكية فئة فيرجينيا، والتي تكلّف 3.45 مليار دولار للغواصة الواحدة، علاوة على الحاجة لإضافة تكاليف تشغيل وصيانة الغواصة، وكذلك تحديث القواعد البحرية الأسترالية بحيث تتلاءم مع الغواصات الجديدة، ما ينبئ بأنّ أرباحاً هائلة ستحققها شركات السلاح الأمريكية والبريطانية من هذه الصفقة.

علينا هنا أن نعود قليلاً للوراء إن كنّا نريد فهم الموقف الفرنسي الذي اتهم الأمريكيين «بالخيانة». منذ توقيع العقد بين أستراليا وفرنسا، والإعلام الأسترالي المرتبط بالولايات المتحدة، أمثال إعلام روبرت مردوخ، اتخذ موقفاً معادياً للصفقة. كّل تأخير صغير، أو تعديل للعقد، كان يجد طريقه إلى الصفحات الأولى للأخبار. ولاستشعار الفرنسيين بالخطر، فقد تحدّث وزير الخارجية الفرنسي لو-دريان إلى وزير الخارجية الأمريكي بلينكن عن الأمر في باريس في 25 حزيران 2021.

حرص الفرنسيون على إفهام الأمريكيين بأنّ الصفقة ليست فرنسية فقط، بل أنّ للولايات المتحدة حصّة فيها منذ تمّ إدخال شركة لوكهيد مارتن في الصفقة. حاول الفرنسيون جاهدين إقحام الأمريكيين في الصفقة كي لا يخربوها، لكنّ هذا كان بلا فائدة تبعاً لبدء الأمريكيين بالتباحث مع البريطانيين والأستراليين من أجل إطلاق صفقة «أوكوس».

لهذا يمكننا فهم السبب الذي دعا باريس إلى اعتبار الصفقة «خيانة».

 ini8038

التصعيد وضرب الالتزامات النووية عرض الحائط

يأخذنا هذا إلى السؤال الثاني: هل تخرق الصفقة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية؟ صادقت أستراليا على المعاهدة في 1973، كما أنّها من الموقعين على «معاهدة راروتونغا» في 1985، والتي تحتم إيجاد منطقة خالية من السلاح النووي في جنوب المحيط الهادئ. لا تملك أستراليا أسلحة نووية، وتعهدت بألّا تمتلك أسلحة نووية أو مواد نووية في جنوب المحيط الهادئ.

أستراليا هي ثاني أكبر منتج لليورانيوم في العالم بعد كازخستان، وهي تبيع موادها النووية منذ عقود إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، ما يجعل أستراليا بمثابة «عتبة نووية». لكنّها وعدت بعدم تصعيد برنامج أسلحتها النووية.

رؤساء حكومات دول أوكوس الثلاثة صرحوا بأنّ نقل الغواصات النووية إلى أستراليا لا يعدّ نقلاً للأسلحة النووية، وذلك رغم أنّ هذه الغواصات ستكون قادرة على إطلاق أسلحة نووية. وهذا لم يَدفع الصين لوحدها، بل وأيضاً كوريا الشمالية إلى التحذير من سباق تسلّح جديد في المنطقة بعد صفقة غواصات أوكوس.

يبدو أنّ موجة التصعيد في بدايتها. في 16 أيلول أصدرت الحكومتان الأسترالية والأمريكية تصريحاً مشتركاً يشمل هجوماً مباشراً على الصين، مع الإشارة إلى بحر الصين الجنوبي وتايوان وتشينغيانغ وهونغ كونغ. ثمّ بعد يومين من ذلك، نشرت صحيفة «الأسترالي»، وهي الصحيفة الأبرز في أستراليا مقالاً لبول مونك، رئيس مكتب الصين في «منظمة استخبارات الدفاع الأسترالية»، أعلن فيه بأنّ على حكومته أن «تسهّل قيام انقلاب داخل الحزب الشيوعي الصيني». تبدو هذه دعوة مباشرة للتدخل في الصين وتغيير النظام فيها.

لا ينبغي لنا الاستخفاف بالخطاب الحربجي في أستراليا. فرغم أنّ الصين هي الشريك التجاري الأكبر لأستراليا «سواء من حيث الصادرات أو الواردات»، فالاتفاقية العسكرية الجديدة هذه – والتي تحمل في طياتها تصعيداً نووياً، تهدد الأمن في المنطقة، والعالم.

وحتّى لو كانت مجرّد صفقة سلاح تختبئ وراء اتفاقية عسكرية، فهي إذن استخدام ساخر للخطاب الحربجي لأغراض تجارية تنفع شركات السلاح وسماسرتها. لكنّ هذه السخرية قد تنقلب إلى جد وتجلب الكثير من المعاناة معها ضمن أيّ خطأ مستقبلي غير محسوب.

 

بتصرّف عن: Clear away the hype: the US and Australia signed a nuclear arms deal, simple as that

 

آخر تعديل على الإثنين, 27 أيلول/سبتمبر 2021 14:09