قراءة أوّلية في أبعاد ومعاني ونتائج الضربة الإيرانية على الكيان...

قراءة أوّلية في أبعاد ومعاني ونتائج الضربة الإيرانية على الكيان...

يمتد طيف الآراء والتعليقات على الهجوم الإيراني يوم 14 نيسان على الكيان الصهيوني، من الأقصى إلى الأقصى؛ بين من يحاول تسخيف الهجوم وبين من يبالغ في تقييمه. هذا التفاوت ليس بالأمر الغريب، فحجم الاستقطاب محلياً وإقليمياً ودولياً قد بلغ ذرىً غير مسبوقة منذ عقودٍ طويلة.

المؤسف أنه ضمن هذا الاستقطاب الحاد في الآراء، تكاد الحقيقة الموضوعية تغيب، أو بالأحرى يتم إغراقها في التفاصيل العسكرية والأمنية بحيث تفقد قيمتها ومعناها.

فيما يلي، نحاول وضع تصورٍ أوليٍّ حول معاني ودلالات ونتائج الضربة الإيرانية، بالاستناد إلى فيض المعلومات حولها، ونحاول في الوقت نفسه ألا نغرق في ذلك الفيض...

ولنبدأ في محاولة قراءة متزامنة للمعطيات المتاحة ومعانيها:

أولاً: هذا الهجوم هو أول هجوم مباشر يتلقاه الكيان منذ 33 عاماً؛ أي منذ صواريخ صدام الـ40 مطلع عام 1991، والتي هي نفسها لا يمكن مقارنتها بالهجوم الإيراني الحالي، لأسباب عديدة ليس أهمها حجم كل من الهجومين، بل أهمها هو السياق الإقليمي والدولي الذي حصل كل منهما ضمنه؛ حيث: 1- الهجوم العراقي كان في سياق الحرب مع التحالف الأمريكي لـ«تحرير الكويت»، أي أنه جاء على هامش حربٍ أخرى، وليس بوصفه مركز تلك الحرب. 2- ضمن الإطار نفسه، فإنّ الهجوم العراقي شكّل قفزةً خارج السياق، ولم يأت ضمن معركةٍ متصاعدة متواصلة، وذلك على عكس الهجوم الإيراني الذي يمكن ببساطة أن نضعه ضمن سياقٍ تصاعدي تجاوز عمره العقدين على الأقل، ودخل مرحلة متسارعة منذ عدة سنوات. وهذا الأمر بالغ الأهمية في فهم تموضع هذا الهجوم والتنبؤ بمعانيه وبما يمكن أن يليه؛ فهذا الهجوم، حتى وإنْ شكل نقلةً نوعية، إلا أنه جزءٌ أصيل من سياقٍ واحد ممتد، له ما قبله، وله حكماً ما بعده. 3- الهجوم العراقي، لم يكن مقدراً له، وبغض النظر عن النوايا، أن يمضي أبعد مما وصل إليه؛ والسبب في ذلك أنه جاء في سياقٍ دولي ينهار فيه الاتحاد السوفييتي وتتفرد واشنطن -المالك الأكبر حالياً للمشروع المسمى «إسرائيل»- بالهيمنة المطلقة على العالم. في حين أنّ الهجوم الإيراني الحالي، يأتي في سياق تراجعٍ متسارعٍ لمجمل المعسكر الغربي، وضمناً واشنطن، وعلى خلفية هزيمة -باتت واضحة وإنْ لم تعلن بعد رسمياً- لهذا المعسكر نفسه في أوكرانيا، ناهيك عن التراجع الإنتاجي والاقتصادي والمالي للنفوذ الغربي ولنفوذ الدولار على المستوى العالمي.

ثانياً: ضمن السياق الدولي أيضاً، فإنّه ليس من الصعب التقاط التمايز في الموقفين الروسي والصيني تجاه ما يجري؛ رسمياً، تدعو الدولتان إلى التهدئة وضبط النفس، وتحيلان الأمر كلّه إلى جذره المتعلق بالقضية الفلسطينية مؤكدتين أنّ عدم حلّها حلاً عادلاً، وأنّ الدور الأمريكي في منع ذلك الحل، هو أساسٌ مركزي لمختلف أزمات المنطقة. عملياً، ليس خافياً التعاون الاقتصادي الكبير بين الدول الثلاث، الصين وروسيا وإيران، وليس خافياً أيضاً التعاون العسكري الكبير بين الروس والإيرانيين، وخاصة فيما يتعلق بتقنيات الطيارات المسيرة، ناهيك عن تقنيات الصواريخ فرط الصوتية والدفاعات الجوية وصولاً إلى الحديث العلني عن تزويد محتملٍ للإيرانيين بطائرات روسية من الجيل الخامس. هذا السياق الدولي بمجمله، يسمح بفهمٍ أفضل للبيئة الإجمالية التي جرى ضمنها الهجوم الإيراني، والذي يمكن -ضمن هامش خطأ معين- اعتباره جزءاً من المواجهة الشاملة بين القوى الصاعدة والغرب، بما في ذلك «إسرائيل» التي تصاعد التناقض العلني بينها وبينها روسيا بشكلٍ كبير خلال السنتين الماضيتين، أي مما بعد أوكرانيا، ووصل حد وضع وكالة الهجرة اليهودية تحت الملاحقة والمحاكمة القانونية ضمن روسيا.

ثالثاً: إذا اعتمدنا التفريق الوارد في الفقرتين السابقتين بين الهجومين الإيراني والعراقي على الكيان، فهذا يقودنا للقول إنّ الهجوم المباشر الأخير، ليس محطةً نوعيةً لم تُطرق منذ 33 عاماً فحسب، بل ومنذ 50 عاماً، حين جرت آخر مواجهة مباشرة على مستوى «دولة/دول» مقابل الكيان؛ فطوال خمسين عاماً مضت، انحصرت معارك الكيان مع الفلسطينيين في الداخل والخارج، ومع جماعات مقاومة مختلفة، تتبع جميعها أسلوباً أقرب إلى أسلوب حرب العصابات، وبكل الأحوال لا تحارب بوصفها دولاً بل بوصفها مجموعات... نزعم أنّ هذا التأطير السياقي للهجوم الإيراني، ضروري في فهم معانيه والاحتمالات التي يفتح أبوابها.

رابعاً: أيضاً في إطار فهم السياق، وهنا السياق الإقليمي، لا يمكن القفز فوق حقيقة أنّ الولايات المتحدة تطالب الآن دول الخليج العربي بأن تأخذ أحد الصفين، فإما مع «إسرائيل» أو ضدها. بالمعنى العملي، يجب على هذه الدول، من وجهة النظر الأمريكية، أنْ تسمح للسلاح الأمريكي أن ينطلق من القواعد الأمريكية الموجودة فيها صوب إيران، سواء دفاعاً أم هجوماً، وهو ما رفضته علناً بعض تلك الدول، خاصةً مع التهديد الإيراني الواضح أنّ القواعد التي ستستخدم ضدها ستكون هدفاً مشروعاً لها. وهو الأمر الذي، في حال جرى، من شأنه أن يطيح ليس فقط بالتسوية السعودية الإيرانية التي تم الوصول إليها بشق الأنفس بوساطة صينية وروسية طويلة الأمد، بل وأيضاً من شأنه أن يطيح بالاستقرار النسبي الذي تعيشه هذه الدول في علاقتها مع العراق ومع اليمن خصوصاً، وذلك بعد تجربة ملموسة فاشلة في الاعتماد على الأمريكان للمساعدة في حفظ أمنها؛ تجربةٌ بات الكل عالماً بأنّ الأمريكان لم يفعلوا خلالها سوى استثمار التهديدات الفعلية والمتخيلة ضد الدول الخليجية كأداة في ابتزاز تلك الدول وإحكام السيطرة عليها ونهبها مالياً. أكثر من ذلك، وخلال الحرب على غزة، ومع نشاط الحوثيين ومحاولات الأمريكان ضبطه ومنعه، كذباً أم صدقاً، تبيّن أنّ الأمريكان وحلفاءهم لا يملكون من القوة والسيطرة ما يمكنهم من تطويق الحوثيين وشلّ تأثيرهم... إذا أردنا التأمل في هذه الأمور قليلاً، لن يكون من الصعب تبيّن بداية الانقلابات الاستراتيجية في التموضعات الإقليمية عما كانت عليه قبل بضع سنوات فقط؛ في حينه كانت مشاريع من قبيل «الناتو العربي» الذي يجمع الخليج مع الكيان ضد إيران، ومن قبيل «اتفاقات أبراهام»، هي الموضة السائدة في المنطقة. اليوم تسعى عدة أنظمة عربية، من تلك التي كانت قد مضت خطوات في هذه المشاريع، أن تقف على الحياد بين المعسكرين علّها تخفّض خسائرها للحد الأدنى. هذا بحد ذاته تحوّل ينبغي النظر فيه بجدية، ناهيك عن أنّ رفع درجات الابتزاز والضغط الأمريكي، وفي ظل تراجع، إنْ لم نقل انهيار، الردع «الإسرائيلي»، يفتح الباب على انتقالٍ أكبر لهذه الدول في تموضعها، واحتمال أن تميل بتموضعها نحو القوى الصاعدة يتعزز موضوعياً، مع كل يومٍ إضافي ضمن المواجهة الشاملة...

خامساً: تتجه تحليلات كثيرة نحو القول إنّ الهجوم ليس أكثر من «حفظٍ لماء الوجه» الإيراني، تمّ إخبار كل الدول به وبميعاده بشكلٍ مسبق، وأنّه بهذا المعنى ليس أكثر من «مسرحية». فلنسلم بهذا القول افتراضاً، ولنتأمل قليلاً في معانيه، بعيداً عن التشنج والتعصب. هل كان ممكناً أو «مسموحاً» (بافتراض أنها مسرحية)، طوال خمسين سنة الماضية، لأي دولةٍ تعتدي عليها «إسرائيل»، أن تقوم بحفظ ماء وجهها، حتى ولو عبر مسرحية؟ هل توفرت الإرادة السياسية والإمكانية العملية في أيِّ دولة من الدول التي اعتدت عليها «إسرائيل» مراراً خلال نصف قرن، لكي تقوم بأي إجراء يؤمن لها «حفظ ماء وجهها»؟ قطعاً لا... ولذلك، فحتى أولئك المصطفون مع الأمريكان ومع الكيان، علناً أو سراً، عن وعيٍ أو عن سذاجة، إنما يقرّون ضمناً بأنّ المعادلات قد تغيّرت، وأنه يمكن لدولة مثل إيران، حتى في إطارٍ مسرحي مفترض، أنْ تحوز إمكانية حفظ ماء وجهها...

سادساً: إذا كانت إيران قد خطت خطوةً مهمةً إلى الأمام في حدود النفوذ المعنوي الإقليمي عبر دعمها المعلن للمقاومة الفلسطينية، وعبر تصديق فصائل المقاومة -بما فيها حماس- المتكرر على هذا الدعم بأشكاله المختلفة، فإنها خطت خطوة أوسع عبر هجومها الأخير على مستوى الوعي الشعبي للشعوب العربية والإسلامية. حتى الأنظمة التي كان جزء من شعوبها يشاطرها تخوفها مما أسمته «مشروعاً فارسياً/شيعياً إلخ»، بات يُنظر إليها اليوم، وعلى مستوىً واسع، بأنّ حديثها عن «الخطر الإيراني» إنما المقصود منه هو التغطية على أدوارها المتخاذلة بما يخص فلسطين، ناهيك عن الأنظمة المطبّعة التي تهاوت أسهمها بشكلٍ مضاعف بعد 7 أكتوبر... إذا أردنا أن نكون موضوعيين، فعلينا الاعتراف بهذه الحقيقة، وذلك بغض النظر عن طبيعة اصطفاف كلٍ منا تجاهها؛ فحتى مراكز الأبحاث الغربية و«الإسرائيلية»، باتت تعترف بها علناً.

سابعاً: ينبغي أنْ نتذكر دائماً أنّه ليس مصادفةً على الإطلاق، أنّ المراكز الإقليمية الثلاثة الأساسية في كل صراعات المنطقة، هي: إيران وتركيا و«إسرائيل»؛ فهذه القوى الثلاث هي التي تَوزّعَ بينها النفوذ الإقليمي على مدى عشرين إلى ثلاثين سنة الماضية، في حين انكفأت القوى الإقليمية الأخرى وتراجع نفوذها خاصة بعد كامب ديفيد التي أخرجت مصر تقريباً، وإنْ بالتدريج، من دورها ونفوذها العربي والإفريقي على حدٍ سواء.

وينبغي أن ننتبه أيضاً، إلى أنّ الصراع الإقليمي الجاري، لا يمكن تفسيره فقط بالمصالح المتضاربة على مستوى الإقليم؛ فهو يمثل أحد أوجه الصراع الدولي الشامل، والذي تنكفئ فيه الولايات المتحدة، بما في ذلك احتمالات انكفائها عسكرياً من منطقة الشرق الأوسط بأكملها في إطار صراعها الشامل الذي يحتاج إلى ترشيدٍ في توزيع القوى المتراجعة أمام الخصوم ضمن ساحات الصراع العالمية المختلفة. هذا الترشيد يتطلب إحلال «إسرائيل» كقوةٍ إقليمية تسود الإقليم بأكمله وتخضعه نيابة عن الأمريكان ولمصلحتهم. بكلامٍ آخر، ومع التراجع الموضوعي لنفوذ ووجود الأمريكان في المنطقة، فإنّ هنالك فراغاً ينشأ، تتدافع القوى الإقليمية الثلاث المذكورة، وبشدة أقل القوى التي تحاول استعادة دورها وعلى رأسها السعودية ومصر، لملئه. ولذا فإنّ ما يمكن أن يظهر سلبياً في اتساع نفوذ إيران أو تركيا في المنطقة، ينبغي أن يُنظر إليه من زاويتين أخريين في الوقت نفسه، الأولى هي أنه تعبير عن تقدم على حساب الأمريكي، والثانية أنّه على الدول والشعوب التي تسعى لمكانٍ تحت الشمس أن تنهض لملاقاة اللحظة التاريخية؛ لحظة التخلخل وإعادة التموضع، لتحجز لنفسها مكاناً تحت الضوء، عبر اصطفاف يصب في مصلحة مجمل شعوب المنطقة، وهو بالضرورة اصطفاف ضد الأمريكي وضد «الإسرائيلي».

ثامناً: وفقاً للمعلن، فإنّ عملية التصدي للمسيرات وصواريخ كروز والصواريخ البالستية الإيرانية، قد اشتركت فيها على الأقل -إضافة لدفاعات الكيان متعددة الطبقات- كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن، إضافة للمساعدة المعلوماتية لمختلف القواعد الأمريكية في المنطقة. مع ذلك كلّه، فإنّه، ووفقاً لاعترافات «الإسرائيليين» أنفسهم، تمت إصابة هدفين، هما الهدفان الأساسيان الرمزيان اللذان انطلقت منهما الطائرات التي قصفت مبنىً تابعاً للقنصلية الإيرانية في سورية يوم الأول من نيسان.

إذا أضفنا إلى هذا المعطى، حقيقة أنّ أجهزة الاستخبارات الأمريكية و«الإسرائيلية» كانت على استعدادٍ وتأهب تام، (ويقال إنه تم إخطارها مسبقاً بأنّ الهجوم قادم، وإنْ تفاوتت التصريحات في حجم المعلومات التي وفرها الإيرانيون حول هجومهم وحجمه وتوقيته).

وإذا أضفنا أنّ الهجوم تضمن جزءاً استعراضياً واضحاً، مثّلته الطائرات المسيرة التي استغرقت ساعات عديدة للوصول، والتي أعلن عنها بمجرد إطلاقها تقريباً، فإنّ اللوحة الكاملة تسمح باستنتاجات إضافية بالمعنى السياسي والعسكري؛

سياسياً: ضبطت إيران حجم هجومها وشكله ودرجة التصعيد التي سيحدثها، ضمن سقفٍ محددٍ لا يسمح بالانتقال إلى الحرب الشاملة من جهة، ولا يسمح بوقوع أخطاءٍ ضد طائرات مدنية في الدول التي ستعبرها المسيرات والصواريخ، وبما يشكل في الوقت نفسه تحدياً علنياً لكل التهديدات الأمريكية و(الإسرائيلية) في حال جرى الرد.

عسكرياً: فإنّ الهجوم لم يستخدم الحد الأعلى المتوفر لدى إيران من العتاد العسكري، (على سبيل المثال لا الحصر، لم يتم استخدام الصواريخ فرط الصوتية التي تقول واشنطن علناً إنها لا تزال تعمل على تصنيعها وتفشل، ناهيك عن أنّ خبراءها يقولون إنّ كل أنظمة الدفاع الحالية الغربية غير قادرة على التعامل مع هذه الصواريخ. حتى على مستوى المسيرات، لم يتمّ استخدام الطرز الأكثر تطوراً منها، ولم يتم تفعيل هجومٍ واسعٍ بها عبر اتفاقٍ مع حزب الله في لبنان مثلاً - ومعلوم أنّ قدرات المسيرات نفسها تتضاعف في المسافات القصيرة)؛ بالمقابل فقد تمّ استخدام أعلى قدرات الدفاع المسلحة والاستخبارية «الإسرائيلية» والأمريكية والغربية في التصدي للهجوم، ومع ذلك، وإذا سلمنا بالرواية «الإسرائيلية»، فإنّ واحداً بالمئة من أدوات الهجوم الإيراني قد وصلت إلى أهدافها. إذا أضفنا لهذا المعطى أمرين واضحين، الأول هو الفرق المهول في التكلفة بين أدوات الهجوم الإيرانية وأدوات الدفاع الغربية (والذي يصل إلى 1 دولار للهجوم مقابل 1000 دولار للدفاع، وأحياناً أكثر)، والثاني هو حجم الاستنزاف المعلن الهائل في الذخائر من كل الأنواع، الذي لا يعيشه الكيان فحسب، بل وأمريكا نفسها، وقد وضّحته معركة أوكرانيا، ثم الحرب على غزة، إذاً لبات جليّاً أنّ التهديد الذي تقع تحته «إسرائيل» في حال توسع المواجهة، ليس خطراً بسيطاً ولا متوسطاً، بل خطرٌ عالي المستوى.

أخيراً: إنّ الاستراتيجية الأمريكية لمجمل منطقتنا قد باتت أكثر وضوحاً منذ 7 أكتوبر؛ فهذه الاستراتيجية تسعى نحو فوضى شاملة هجينة تشمل كل دول المنطقة بما في ذلك إيران وتركيا ومصر ودول الخليج العربي، فوضى تسمح في آن معاً بالانسحاب الأمريكي، وبتَسْيِيد الصهيوني عليها، وبتحييد الروسي والصيني عنها أطول فترة ممكنة، اللهم إلا ضمن أدوارٍ محددة وظيفتها استنزافهما.

ضمن هذه الاستراتيجية، ليس مسموحاً الانتقال نحو حروب شاملة مباشرة، لأنها بمسارها ونتيجتها تسمح بفعلٍ وتأثيرٍ معاكس للحروب البينية الهجينة؛ فهي تسمح بخلق اصطفاف عامٍّ ضد الأمريكي و«الإسرائيلي»، ليس على المستوى الشعبي المصطف بهذا الاتجاه أصلاً إلى حد بعيد، بل وأيضاً على المستوى الرسمي الذي لن تعود أمامه خيارات كثيرة في إطار المصالح الضيقة للأنظمة.

حضور الأساطيل الأمريكية في المنطقة، والتهديدات شبه اليومية لإيران ولحزب الله وللحوثيين ولفصائل المقاومة العراقية، طوال الأشهر الستة الماضية، كانت غايتها الأساسية هي الحفاظ على نطاقٍ محدد للحرب، وسخونةٍ محددة لها تسمح بتمديدها لفترات طويلة تنضج خلالها عوامل التفجير الداخلي في عدة دولٍ في المنطقة، وخاصة في مصر ولبنان وحتى في السعودية، وغيرها.

الطرف المقابل أيضاً، ليس في وارد حرب شاملة مباشرة، نقصد ضمناً الصين وروسيا وإيران، لأنّ مخاطر حربٍ من هذا النوع هي أكبر من أن يتم التنبؤ بها.

وإذا كان الوقوف بين الحدين، بين حد الحرب الهجينة طويلة الأمد والحرب المباشرة، هو الوضع الأمثل للأمريكان في إطار تحضير وتسعير الفوضى الخلاقة؛ فإنّ صمود المقاومة في غزة والآلام الكبرى التي تلحقها بالعدو من جهة، والضربة الإيرانية المباشرة المضبوطة من جهة أخرى، يبدوان معاً وكأنهما جزءٌ من الحل السحري للمعادلة؛ بما يكسر الابتزاز الأمريكي في الحرب المباشرة من جهة، وبما يعطل ويصعّب تشغيل الفوالق داخل الدول في المنطقة، وفيما بينها، في إطار الفوضى الشاملة الهجينة.

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
0000
آخر تعديل على الجمعة, 19 نيسان/أبريل 2024 23:39