من الذاكرة : بيضة القبّان

من الذاكرة : بيضة القبّان

مما التقطته أذناي منذ الطفولة أقوال ما زلت أرددها في مناسباتها كما يفعل الكثيرون, وبخاصة تلك الأقوال التي تتناول شهور السنة, ملخصة بإيجاز تجارب ومعارف من جيل إلى جيل, من مثل قولهم: «خبي فحماتك الكبار لعمك آذار», وقولهم: «إن أقبلت وراها آذار, وإن أدبرت وراها آذار». وفي هذا القول إشارة واضحة إلى أن شهر آذار هو بيضة القبان في جودة أمطار الموسم أو سوئها

وما جعلني أركز على آذار ونحن اليوم في كنفه وحضرته, أنه يحتضن أعياداً عزيزة على قلوبنا «عيد الأم- عيد المرأة العالمي- عيد المعلم- عيد نيروز وبداية فصل الربيع», وكذلك فهو يحفل بذكرى مناسبات قريبة وبعيدة لها وقعها وصداها كانتصار كومونة باريس, ويوم الأرض في فلسطين, وإصدار ميثاق الشرف للشيوعيين السوريين, وفيه بما يخصني أعياد ميلاد لبعض أبنائي وأحفادي.
أما السبب المباشر لهذا التركيز, فهو لقاء مع أحد قدامى طلاب الأستاذ الأديب الراحل الرفيق عبد المعين الملوحي «أبو منقذ» الذي ربى طلابه على حب الوطن والشعب, وحب اللغة العربية, وغرس في نفوسهم بذور البذل والعطاء لما فيه خير بلادنا وشعبنا الطيب.
لقد أعادني اللقاء المذكور إلى رحاب الذاكرة التي نقلتني إلى واحدة من زياراتي إلى بيت الرفيق الملوحي, حين حدثته بالتفصيل عن الاعتصامات التي تقوم بها اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين, الاعتصامات التي بدأت باعتصام حاشد دعماً للانتفاضة الفلسطينية, ثم أخدت شكل اعتصام أسبوعي تنقل ضمن أمكنة متعددة من ساحات وشوارع دمشق إلى أن استقر عند باب قلعة دمشق أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي.. ترفع خلاله الأعلام الوطنية واللافتات التي تمجد النضال ضد كل أعداء الخارج من امبريالية أمريكية وصهيونية وحلفائهم وأذنابهم, وضد أعداء الداخل من لصوص وفاسدين ومفسدين.
وتعلو الهتافات:

هل الساحات تنسى من تصدى
لمعركة الرجولة والجداره
تفجرت الضلوع بما اعتراها
وطوّح بالخنوع لظى المراره
أجل كنا هناك وفي الصداره
جموعاً هادرات في حراره
هدير الحشد دوّى بالتحدي
أنا الشعب الذي رد اعتباره

حينها طلب مني الشيوعي المزمن وهو في التسعين من عمره أن آتي إلى اصطحابه إلى الاعتصام القادم لأنه راغب في المشاركة, وفي الموعد- والوقت آذار- كان الطقس شديد البرودة لا يسمح لمثله بالمشاركة, ولسوء الحظ أيضاً أننا فوجئنا بمنع الاعتصام, وعندما نقلت له هذا الخبر ابتسم وقال بمرارة:
يبدو أن هناك تحالفاً بين شدة البرد وشدة الحظر والمنع!!

آخر تعديل على الأحد, 30 آذار/مارس 2014 11:20