يوسف البني يوسف البني

تخفيض سعر ليتر المازوت إلى 20 ل.س اللعب في الوقت الضائع وتمرير القرارات خلسة

اعتادت الحكومة على تمرير القرارات في الوقت الضائع أو اللحظة الميتة، حيث لا يكون للقرار أية انعكاسات سلبية ملموسة على أرض الواقع في لحظة صدوره، ولا يشعر المواطن بخطورة نتائجه على مر الأيام أو حتى الشهور القليلة بُعَيد صدوره، ولكن إذا ما «راحت السكرة وجاءت الفكرة» فإن المواطن يستفيق على معاناة جديدة وعبء كبير يضاف إلى معاناته السابقة وأعبائه التي لم تعد تطاق، على صعيد معيشته اليومية وتكاليفها الباهظة. وإذا أحست الحكومة بأنه سيكون للقرار انعكاسٌ مباشر، وتذمر وسخط أو حتى مجرد رفض داخلي صامت من المواطنين، فإنها ترافقه بقرار أشد إيلاماً للمواطن وأخطر وطأة على معيشته اليومية وحياته وكرامته، فيغضب ويبدأ بالتذمر وينسى القرار الأول، ثم تعود لتسحب قراراها الثاني تحت أية حجة أو ذريعة، فيتنفس المواطن الصعداء ويقول «الحمد لله إذ وقفت الأمور عند هذا الحد، وماشي الحال اللي إجت على هيك وبس»، ولكن بالمقابل نكون «أكلنا كمّ».

هذا هو الشكل الذي أتت عليه الأمور حول سعر لتر المازوت على (طباق الحَوْل)، فمنذ عام تماماً وفي هدية الحكومة للشعب، والطبقة العاملة خصوصاً في يوم عيدها عام 2008، تم رفع الدعم مادة المازوت، وارتفع سعر اللتر من 7 ل.س إلى 25 ل.س، أي بنسبة تجاوزت 350 %، وهذا سبب زيادة في جميع أسعار المواد الاستهلاكية والنقل في حينه، ثم بدأ العمل بتوزيع القسائم بموجب البطاقات العائلية، لاستجرار وقود التدفئة بسعر مدعوم نسبياً، 9 ل.س للتر الواحد، وبمعدل 1000 ليتر للأسرة. وقد ترافق هذا القرار حينها مع قرار التقنين في الخبز ومخصصات الطحين للأفران، وانتشرت حالة رعب حقيقي بين المواطنين من أزمة جوع عامة، واستمرت الحالة مدة أسبوع نسي المواطنون خلالها رفع سعر المازوت وانعكاساته، ثم توفر الخبز فجأة في الأفران، وعادت مخصصات الطحين كما كانت، فقال المواطنون «الحمد لله اللي إجت على هيك وبَسّ».

خلال هذا الحَوْل أطلقت الحكومة عدداً من التصريحات أو حتى الشائعات، أنها ستعيد سعر ليتر المازوت إلى 15 ل.س، وسيتم تغطية فرق الدعم بموجب البطاقات العائلية بمعدل 10000 ل.س للأسرة سنوياً، وأنه سوف يتم تطبيق هذا الأمر بدءاً من 1/4/2009، مع انتهاء مدة صلاحية بطاقات المازوت، ولكن الذي حصل أن الحكومة قد استغلّت فترة بداية فصل الربيع، وانتشار الدفء واعتدال حرارة الجو، وقِلّة حاجة المواطنين لاستجرار وقود التدفئة، وأصدرت قراراً لا تظهر نتائجه وتفاعلاته مباشرة، بتمديد مدة صلاحية بطاقات المازوت المدعوم، وتخفيض سعر ليتر المازوت الحر بنسبة 20% فقط، أي من 25 ل.س إلى 20 ل.س، مع التعتيم الكامل على الإجراءات أو الخطوات اللاحقة، إن كانت هناك نيّة لإجراءات وخطوات لاحقة، وأصيب المواطنون هذه المرة ليس بالذعر، وليس بإحساس كبير بأزمة قادمة، بل فقط بإحباط وخيبة أمل. 

د. سنان علي ديب: خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها قاصرة

ـ حول قرار تخفيض سعر المازوت كان لـ«قاسيون» لقاء هاتفي مع د.سنان علي ديب، وسألته حول انعكاسات هذا القرار على الوضع المعيشي للمواطن، وعن مدى صوابيته وأهميته، وما هي الفائدة المرجوة منه، فقال:

«يمكن اعتبار هذا القرار خطوة صحيحة، نحو تخفيف الانعكاسات السلبية لقرار رفع الدعم من جهة، ومنع تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد السوري من جهة أخرى، ولكن هذه الخطوة غير كافية، ويجب أن تلحق بخطوات متعددة تكون عبارة عن حزمة من القرارات المتكاملة والهادفة، في جميع المجالات وخاصة السياسات المالية والنقدية، والسياسات الحمائية وتدخل الدولة، والتوجه نحو دعم القطاعات المتضررة، ويجب أن تكون السياسة خالية من أية نظرة سلبية مسبقة تجاه أي نوع من السياسات، وبالتالي أيّة سياسة تخدم سورية فهي مطلوبة، مهما كان التوجّه، وأية سياسة تضر سورية فهي مرفوضة، كائناً من كان الذي ينتهجها، وحتى نكون عقلانيين وموضوعيين وموثوقين، يجب أن يحاكَم الموضوع بعقلانية، عن طريق عدة محاور، أولها معرفة الهدف من القرار، فعن طريق معرفة الهدف نستطيع أن نخطو الخطوة التالية، وهنا تواجهنا عدة طروحات: فهل الهدف من القرار هو وضع سعر المازوت بالسعر العالمي؟ وبالتالي أن يصبح سلعة متداولة حسب العرض والطلب؟ إذا كان كذلك فهذا هدف خطير جداً وخاطئ، حيث أن طبيعة السوق السورية وطبيعة المواطن السوري لا تناسبه هذه الطريقة، والأسلوب الأصح أن يبقى تحديد السعر من قبل الحكومة. أما إذا كان الهدف من القرار محاولة التخلص من أسلوب القسائم الذي أعلن فشله، واستبداله بأسلوب آخر يقلص عدد المستفيدين بشكل كبير، والبالغ عددهم 4.5 مليون مواطن، فهذا أيضاً يدل على عدم صوابية القرار، وإذا كان القرار عبارة عن إسكاتِ للمطالب الكثيرة والكبيرة فهذا أيضاً خاطئ، وأخيراً إذا كان هدف هذا القرار بداية إيجاد حلول للتضخم والركود الناجم عن قرار رفع الدعم، فهذا قرار صحيح، على أن يلي ذلك قرارات متتابعة.

بعد الهدف يجب أن يكون القرار مترافقاً بآليات للتطبيق بالشكل السليم والصحيح، لأنه إن لم يكن كذلك فسوف ينحرف عن الاتجاه الذي وضع من أجله، فطالما أن القرار لتخفيض سعر المازوت، فنحن مع الحكومة في التخفيض، لأن قرار رفع الدعم كان ضربة مفاجئة بدون دراسة مسبقة، سببت انعكاسات سلبية كبيرة، وقرار التخفيض هذا يجب أن يكون هناك دراسة لانعكاساته التي ستكون قليلة، لأن الرفع كان من 7 إلى 25 ل.س إي 350 % بينما التخفيض 20 % فقط». 

ترافق قرار التخفيض بقرارات جائرة

حول الآليات المرافقة للقرار تابع الدكتور سنان قائلاً: «حتى نكون منصفين يجب تقسيم الموضوع:

ـ بالنسبة للزراعة سوف يصيبها انخفاض بالإنتاج إضافة للتراجعات السابقة، لأنه مع أن قرار خفض سعر المازوت سيخفض سعر التكلفة والنقل، ولكنه اقترن بقرار رفع الدعم عن السماد، الذي ستزيد أسعاره بمعدلات تزيد عن 100 % وحتى 200 % ما أدى إلى انعكاسات سلبية.

ـ بالنسبة للصناعة سوف تكون الفائدة حسب التقديرات من 0.5 % إلى 7 % فقط.

ـ بالنسبة إلى النقل، وهنا المشكلة، فالنقل الداخلي يشكل فائدة للمواطن بالقروش أو الليرة، وهذا شيء يحابي صاحب وسيلة النقل على حساب المواطن، فما هي الآلية ليأخذ المواطن حقه إذا كان الاستخدام بالقروش أو الليرة غير موجود؟!

لذلك، التأثير سيكون قليلاً ويستلزم فترة طويلة، علماً أنه في قرارات سابقة نلاحظ أن أية شائعة قبل أي قرار، كانت تترافق بغلاء أسعار كبير، لكن عندما يتعلق الموضوع بخفض الأسعار فإن تكتل التجار يحاول عرقلة تخفيض الأسعار، وهذا ما رأيناه في الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث أن الأسعار انخفضت في جميع الدول باستثناء أسواقنا المحلية، لذلك دون وجود آلية تدخّل الدولة، ودون وجود آلية بيانات التكلفة، فلا يمكن أن ينعكس هذا القرار إيجاباً في الاتجاه الذي وجد من أجله.

ومن أجل تقييم القرار يجب أن نذكر توقيت هذا القرار، حيث جاء متأخراً نتيجة الانعكاسات السلبية الكبيرة التي خلفها قرار رفع الدعم، ونلاحظ هنا أن الحكومة حاولت توقيت قرار التخفيض مع انتهاء فترة استخدام القسائم، وانتهاء فترة حاجة المواطن إلى وقود التدفئة.

تسويق القرار وأسلوب الإعلان عنه

وحول أسلوب الإعلان عن القرار أوضح الدكتور سنان: «تم الإعلان من رئيس مجلس الوزراء وفي مجلس الشعب، وهذا إنما يدل على شيء هام، لقد كانت أغلب القرارات تترافق بضجة إعلامية أثارها الفريق الاقتصادي حصراً، لكن هذا القرار جاء من رئيس الحكومة، ما يدل على أن هناك تدخلاً من القيادة السياسية لفرض هذا القرار، وهذا توجه جيد وتصرف حكيم نتيجة تجاوب القيادة السياسية مع آراء الباحثين والأكاديميين ومتطلبات الشارع.

إن الهدف من أي قرار هو تحسين المستوى المعيشي ومعالجة الآثار السلبية الناتجة عن قرار رفع الدعم، وتجاوز الأزمة الاقتصادية، ولكن حسب ما رأينا فإن تخفيض سعر ليتر المازوت إلى 20 ل.س لم تكن له الآثار المرجوة، وبالتالي كان قاصراً، ويجب أن يلاحق بقرارات أخرى تؤدي إلى تخفيض السعر حتى سعر وسطي 15 ل.س، كاقتراح». 

وقع القرار على الشارع والموقف منه

أجمعت آراء كثيرة من المواطنين على حالة الإحباط التي لم تعد جديدة في حياتهم، وخيبات الأمل المتكررة التي تصيبنا بعد الوعود الكثيرة من الحكومة، بتحسين الوضع المعيشي للمواطن.

استشرفت «قاسيون» آراء ومواقف بعض المواطنين حول تخفيض سعر ليتر المازوت بنسبة20 % فقط، أي من 25 ل.س إلى 20 ل.س، وكانت لنا اللقاءات التالية:

ـ المواطن حسان ح.ع. قال: «تكررت هذه اللعبة أكثر من مرة وبأشكال متعددة، تجاه الكثير من النواحي التي تمس الحياة المعيشية اليومية لنا كمواطنين من ذوي الدخل المحدود. وليست المرة الأولى التي تعطينا الحكومة فيها «إبرة تخدير»، بإطلاق شائعات مختلفة حول نيتها الجادة باتخاذ خطوات وإجراءات لتحسين الوضع المعيشي، أو على الأقل التخفيف من الأعباء الكثيرة التي ينوء بها كاهلنا، ولكننا دائما لم نحصد سوى الخيبة، وحياتنا من سيء إلى أسوأ، بفضل هذه السياسات التي لا يهمُّها مصلحة الوطن والمواطن».

ـ المواطن سامر. ح قال: «ضحكوا علينا، قالوا إنهم سيخفضون سعر لتر المازوت إلى 15 ل.س. وسوف يغطون فرق الدعم ضمن خطة إعادة توزيع الدعم لمستحقيه، بمعدل 10000 ل.س لكل أسرة، ولكنهم خفضوا سعر ليتر المازوت من 25 إلى 20 ليرة سورية، أي «التنكة» بـ400 ل.س. وهذا يعني أنها زادت عن سعرها في مثل هذا الوقت من العام الماضي بحوالي 300 %، بحجة ضمان عدم تهريب المازوت إلى الدول المجاورة، ولكن لي أقارب في لبنان قالوا لي إن سعر المحروقات عندهم ارخص من عندنا بنسبة 50 % وحكومتهم تقوم بإجراءات لمنع تهريب المحروقات من عندهم لعندنا، فما هذه المفارقة العجيبة؟!»

لا نتسرّع.. ولننتظر التالي

ـ مواطن أخر قال: «قد نكون ظلمناهم، فدعونا لا نتسرع بإطلاق الأحكام والمواقف، وقد يكون هذا القرار مؤقتاً، ريثما يتم استنفاد بطاقات المازوت المدعوم، فأنا مازلت متفائلا أن هناك إجراءً قادماً في نهاية هذا الشهر، أو على الأقل في الموسم القادم، ونتمنى أن تفي الحكومة بوعودها، وتخفف عنا عبئا إضافياً، فدخْلُنا لا يكاد يكفينا «خبز حاف» طيلة الشهر، فكيف إذاً أتى موسم الشتاء القادم، وبقي سعر المازوت على سعره الجديد، ولم يكن هناك قسائم للمازوت المدعوم؟! فحتى ولو خفضته الحكومة بنسبة 25 %، من 25 إلى 20 ل.س، فهذا لا يعني تخفيف عبء، إذ يجب ألا ننسى أنه ارتفع من 7 ل.س، وهو سعره الذي كان عليه في مثل هذه الأيام من العام الماضي، إلى 20 ل.س الآن، أي بمعدل 300 % تقريباً، وهذا شيء لا يحتمل».

أصحاب وسائل النقل العامة (السرافيس) التي تملأ الشوارع دمشق وتؤمن النقل للمواطنين في ظل ضعف وتراجع القطاع العام الحكومي، كانت خسارتهم أكبر والعبء عليهم مضاعفاً، فبالإضافة لكونهم مستهلكين لوقود التدفئة، فقد تراجع إنتاج سياراتهم بسبب ارتفاع تكلفة الوقود حتى لا يكاد يكفي لإعادة تعبئة الخزان وأجرة السائق فقط، وفي هذا يقول المواطن غسان ج:

«أنا صاحب أحد السرافيس العاملة على خطوط النقل ضمن مدينة دمشق، وكان السرفيس قبل رفع الدعم عن المازوت يقدم دخلاً مقبولاً لأسرتين، حيث كنت أعمل أنا في الواردية الصباحية، وأضع مكاني سائقاً في واردية بعد الظهر، وكان المردود في كل واردية قبل زيادة سعر المازوت يصل بين 700 إلى 800 ل.س، أي في الورديتين حوالي 1500 ل.س، ندفع منها ثمن الوقود حوالي 600 ل.س، الباقي يُقسَم على ثلاثة، حيث يحصل السائق على 300 ل.س، ولي مثلها، والباقي صيانة وترسيم للسيارة، أما بعد غلاء المازوت، ورفع تسعيرة الركوب بحدود 75 ـ 80 %، فأصبح الناتج حوالي 2500 ل.س، وندفع منها أكثر من 2000 ل.س، ثمناً للوقود، والآن بعد تخفيض سعر المازوت الحر بنسبة 20 %، انخفض مصروف وقود السيارة إلى حوالي 1700 ـ 1800 ل.س، ومع ذلك لم يعد الباقي يكفي لإعالة أسرتين ومصاريف السيارة،وهذا ما جعلني أضطر للدوام طيلة النهار في ورديتين كاملتين، والاستغناء عن السائق الإضافي، فبالإضافة إلى الخسارة المادية، هناك خسارة اجتماعية، حيث أنني مضطر للغياب طيلة النهار عن أسرتي وأولادي، ولم أعد قادراً على تأمين احتياجاتهم، والتواجد معهم عندما يحتاجونني، وهذا يسبب الكثير من المشكلات الاجتماعية التي نحن بغنى عنها».

كيف انعكس قرار تخفيض سعر المازوت على الركاب والمسافرين؟! كان هذا الانعكاس على الورق فقط، ولكن ليس له تأثير يذكر على أرض الواقع، وكثير من الركاب أكدوا ذلك، ومنهم المواطن إسماعيل.ز، حيث قال:

«حين رفعوا سعر المازوت ارتفعت أجور النقل حوالي 75 ـ 80 %، وأنا موظف ولي ثلاثة أولاد، اثنان منهم يدرسان في الجامعة، ويلزمهما مصاريف نقل ارتفعت في حينه من 40 ل.س إلى 70 ل.س، يومياً أي زاد مصروفهما للنقل فقط بحدود ألف ليرة سورية شهرياً، وهذا شكل عبئاً إضافياً لا يتحمله أصحاب الدخل المحدود أمثالي، واليوم عند تخفيض سعر المازوت بنسبة 20 %، انخفضت أجور النقل أيضاً بحدود 4 ـ 6 %، ولكن هذه النسبة بقيت على الورق فقط، لأن أجرة السرفيس التي كانت 10 ل.س نزلت إلى 9 ل.س، فبربك من يطالب باسترجاع الباقي البالغ ليرة سورية واحدة؟! علماً أن الكثير من السائقين لا يملكون الفكّة (الفراطة) لإعادة الباقي، لأنه بالأصل لم يبق هناك أية قيمة لليرة السورية!» 

المطلوب متابعة جدية

هكذا، تطابق التحليل المنطقي للقرار مع انعكاساته على واقع الحياة المعيشية اليومية للمواطن، وتبين أنه حتى لو كان خطوة بالاتجاه الصحيح، لكنه قاصر وغير كافٍ، وتم تفريغه من الهدف المرجو منه بقرارات مرافقة له أكلت أضعاف ما كان يمكن أن يحصل عليه المواطن من مكاسب قليلة. المطلوب دراسة جدية لانعكاسات القرار، وإتباعه بحزمة من القرارات الهادفة لتخفيف الأعباء المعيشية التي تثقل كاهل المواطن السوري، وفي ذلك ضمان لكرامة الوطن والمواطن.

آخر تعديل على الجمعة, 29 تموز/يوليو 2016 17:58