الكتاب الجامعي والاختباء خلف الأصابع؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الكتاب الجامعي والاختباء خلف الأصابع؟

ظهرت على السطح من جديد، ومع نهاية العام الدراسي الحالي، مشكلة ظاهرة الملخصات البديلة التي يستعين بها الطلاب الجامعيون كمرجع دراسي للتقدم للامتحانات، وذلك عن طريق عميد كلية الحقوق في جامعة دمشق هذه المرة.

 

فقد أعلن عميد كلية الحقوق في جامعة دمشق عن البدء بحملة شاملة على الملخصات التي تباع ويتم تداولها عبر المكتبات في الحرم الجامعي وخارجه، وذلك عبر تشكيل لجنة مخصصة لهذا الغرض، مع مخاطبة محافظة دمشق للقيام بمهامها على هذا المستوى.
أخذ وردّ
بحسب العميد، وفقاً لإحدى الصحف الرسمية بتاريخ 13/6/2018، فإن الملخصات الجامعية الموجودة في المكتبات هي: «خزعبلات مكانها حاوية القمامة»، وهي: «مليئة بالأخطاء التي أدت إلى تدني نسب النجاح وبشكل كبير جداً، أو إلى رسوب عدد كبير من الطلاب».
وقد أشار العميد في حديثه إلى: «وجود بعض المكتبات المدعومة التي تعمل بالتحايل والسمسرة» للترويج لهذه الملخصات عبر تجنيد بعض الطلاب، أو غيرهم من أجل تحقيق الأرباح على حساب الطلاب، وأضاف: «إن رئاسة الجامعة قامت بإرسال عدة كتب إلى محافظة دمشق لملاحقة هذه المكتبات لكن دون فائدة، على العكس زاد نشاطهم أكثر وتمت تغطيتهم بشكل أكبر».
ولعل في حديث العميد أعلاه إشارة واضحة إلى تقاعس المحافظة عن القيام بدورها على هذا المستوى، بل فيه إدانة مبطنة عن وجود تواطؤ مع بعض هذه المكتبات!
في حين أوضح أحد أعضاء المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق، بحسب الصحيفة: «أن تنظيم وضبط المكتبات المخالفة مرتبط بإرسال الكتب من قبل الجامعة حتى يتم إغلاقها، ولكن يجب الإبلاغ عنها بالاسم وليس بكتاب بشكل عام كما أرسلته الجامعة إلى المحافظة، فلا يمكن اتخاذ الإجراءات إذ يجب أن يدون اسم المكتبة المخالفة وتحدد حتى يتم إغلاقها مباشرة، علماً أنه في المحافظة لا توجد مخالفة على هذه المكتبات إلا في حال الإبلاغ عنها».
ظاهرة قديمة وأسئلة هامة
ظاهرة الملخصات الجامعية والنوط والمحاضرات، التي يتم بيعها وتداولها عن طريق المكتبات الجامعية، ليست جديدة، وهي ليست محصورة بكلية الحقوق في جامعة دمشق، بل هي ظاهرة شاملة على مستوى الجامعات كافة وجميع الكليات والمعاهد، وربما لا داعيَ للحديث عن عدم توافقها مع المعايير العلمية المطلوبة لاعتمادها كمرجع للطلاب، وتأثيرها السلبي على كفاءتهم العلمية والمعرفية المنشودة.
كما ربما لا داعيَ للتأكيد على أن هذه الظاهرة المنتشرة تعتبر مصدراً كبيراً لتحقيق الأرباح من جيوب الطلاب، لتصب في جيوب القائمين على هذه المكتبات، وهي تقدر بعشرات الملايين من الليرات السورية سنوياً، إن لم نقل بالمئات منها، وصولاً لاعتماد هؤلاء على التقانات الحديثة، عبر اعتماد البطاقات الاسمية الممغنطة للطلاب المشتركين، وذلك بسبب كثرة أعداد هؤلاء الطلاب، وتزايدهم عاماً بعد آخر.
في مقابل ذلك، لا بد من الإجابة عن بعض الأسئلة الهامة حول سبب استمرار هذه الظاهرة وتوسعها طيلة السنوات الماضية، برغم الكثير من المعارك التي تم خوضها بمواجهتها دون جدوى:
- ما الذي يدفع الطلاب لاعتماد هذه الملخصات والنوط والمحاضرات في دراستهم تأهيلاً للتقدم للامتحانات، علماً بأنها تحملهم أعباءً ماديةً ليست قليلة سنوياً؟
- هل تدني نسب النجاح وزيادة معدلات الرسوب، سببها الملخصات المتداولة فقط، أم هناك أسباب أخرى مرتبطة بذلك؟
- هل يكفي خوض الحرب مع هذه المكتبات بحيث يتم إغلاقها كي تستقيم الأمور، أم أن الموضوع فيه جوانب أخرى بحاجة للمزيد من البحث والتمحيص؟
المشكلة في الكتاب الجامعي
الإجابة عن الأسئلة السابقة المتعلقة بظاهرة الملخصات والنوط مركبة ومعقدة، وهي متعلقة بالكثير من القضايا الشائكة، أهمها على الإطلاق وبلا مواربة، هو: واقع الكتاب الجامعي نفسه، من حيث:
- مدى توفره في المكتبات الجامعية، وحجمه بالمقارنة مع المادة العلمية بمتنه، ومواصفته الفنية من حيث جودة الطباعة والغلاف، وسعره أخيراً.
- مدى توافق الكتب المقررة مع واقع المتطلبات العلمية والمعرفية الحديثة، وأنماط اكتساب المعرفة الحديثة.
- مدى التزام الأساتذة الجامعيين أنفسهم بالكتب المقررة.
- مدى توافق الأسئلة الامتحانية مع الكتاب المقرر، وبما يرد في المحاضرات الدرسية.
- المشجعات المتوفرة من أجل تأليف كتب علمية حديثة، لاعتمادها كمقررات جامعية.
المعركة الخاسرة
واقع الحال يقول: إنَّ الكتاب الجامعي غير متوفر نسبياً- بعض الكتب المقررة عمرها الزمني تجاوز العقدين من الزمن، بحيث أصبحت مادتها العلمية قديمة نسبياً بحكم التطورات الجارية- وبعضها كبير جداً «بلوكة»، يصلح أن يكون مرجعاً أكثر من كونه كتاباً لمقرر جامعي- بعض الأساتذة الجامعيين، وبغض النظر عن الأسباب، يتجاوزون على الكتب المقررة زيادةً أو نقصاناً- لا يوجد ما يكفي من المشجعات على التأليف، وخاصة على المستوى المادي، والمؤسف، أن بعض أوجه التشجيع مقترنة بعدد الصفحات!- لنأتي أخيراً على المواصفة والسعر وما يمكن أن يساق من ملاحظات حولها.
والنتيجة، أنه وفي ظل استمرار هذا الواقع المؤسف للكتاب الجامعي، فإن أية معركة ستخاض مع البديل المتوفر والمتاح للطلاب، والمتمثل بالمحاضرات والملخصات، ستكون معركة خاسرة، وبالتالي ستستمر هذه الظاهرة، كما سيستمر من يستفيد منها بجني العشرات من الملايين سنوياً من جيوب الطلاب، وعلى حساب كفاءتهم المعرفية ومستقبلهم.

مسؤولية التعليم العالي
ما من شك أنه مع هذه الملايين السنوية لا يمكن لنا أن نندهش بحال وجود فسادٍ أو تغطيةٍ أو لفلفةٍ على عمل المكتبات المتخصصة بهذه الملخصات والنوط، من هذه الجهة أو تلك.
لكن ما يدهش هو تعامي وزارة التعليم العالي عن جوهر المشكلة في هذه الظاهرة، وسببها الرئيس المتمثل بالكتاب الجامعي ومشكلته المزمنة، باعتباره من مسؤوليتها أولاً وأخيراً، وليست مسؤولية هذه الجامعة أو تلك الكلية.
فالكتاب الجامعي، بالإضافة إلى كونهِ يعتبر مقرراً على الطلاب من الواجب الاعتماد على مضمونه من أجل التحصيل المعرفي المطلوب وخوض الامتحانات، إلا أنه كذلك يعتبر من المعايير الهامة التي يؤخذ بها لتقييم جودة الجامعات على المستوى العلمي بالمقارنة فيما بينها، حيث تتسابق الجامعات على نشر مؤلفاتها العلمية، مع الترويج والتسويق لمؤلفيها على المستوى الأكاديمي بين الجامعات على المستوى الدولي، وهو أمر متعارف عليه من أجل تحسين سمعة الجامعات وتحقيقها درجات أعلى، على مستوى التقييم في سلم الترتيب العالمي للجامعات، من جملة معايير التقييم الأخرى.
فهل سيبقى الطالب هو الضحية، بل وتوجه أصابع الاتهام إليه أحياناً، على مستوى المعارك مع المكتبات، بسبب ظاهرة أسّها مشكلة الكتاب الجامعي؟.
وهل ستبقى وزارة التعليم العالي تختبئ خلف إصبعها بما يتعلق بأهمية الكتاب الجامعي، ومسؤوليتها حِياله؟