في حنين الـ «مستقبل»!؟
ملاذ سعد ملاذ سعد

في حنين الـ «مستقبل»!؟

يكاد يتفق جميع السوريين، ممن هم موجودون داخل البلاد، أو خارجها، على أن «الحنين» مرتبطٌ ببعضهم البعض، وليس لبلادهم القاسية بعينها، فأي حنينٍ لبلادٍ سُرقت من أبنائها، ولم تعطِ لهم شيئاً سوى الجوع، والكرب، والأزمات، بإدارة ناهبيها ولصوصها وفاسديها؟ ويكاد يتقاطع ذاك «الحنين» بينهم أيضاً بوصفه لا يتعلق بماضٍ، وإنما لمستقبلٍ قادم، أفضل، يعطي الـ «باقين» حقاً ومبررات بالبقاء، والـ «مغتربين» أسباباً ومبررات بالرجوع.

يحاول مروّجو عبارة «كنّا عايشين» إيهامنا بأن ما قبل الأزمة كانت بلادنا «جنة الله على الأرض»، وأن الأزمة هي من «فتحت شرايينها» ونزفت منها أهلها نحو الخارج...
يتناسى هؤلاء أن الجرح قديمٌ جداً، وأن «حلم السفر» لم يكن موجوداً دوماً فقط، وإنما مدعاة فخرٍ! حين كانت تقول أمٌّ مثلاً: «ابني درس برا!» أو «عم يشتغل برا!»، فبقدر ما كانت مثل هذه العبارات تحتوي بوقعها فرحاً لهذه العائلة بابنها مثالاً (لما سيساعدها على تخلصها من بؤسها ولو بقليل)، بقدر ما تحتوي إذلالاً لبلادنا نفسها، واعترافاً بـ دونيّتها وتدنيها، ومحدودية فرص الحياة والأفق لأفرادها بالمقارنة مع كل الجوار وغيره.
لا، لم تتفتح شرايين بلادنا مع الأزمة، ولم يبدأ النزيف من تاريخها، فقد كان هناك دوماً، موجوداً، وفاعلاً، ككل ما تزايد على إثرها أساساً من فقرٍ وجوعٍ وحربٍ وضيقٍ ومحدوديةً بالحياة وأفقها.
مع اغتراب ولجوء ونزوح نحو ثلث السوريين إلى الخارج أو إلى دول الجوار، سواء بالمخيمات أو ممن تلقوا إقامات وجنسيات، يحنّ الموجودون داخلاً لهم: فمن غير مبالغة، لا تخلو عائلة سوريةّ اليوم من فردٍ أو أكثر مغترباً عنها، وبينما يدعوها الأخير للحاق به، لخلاصها وحياتها، تتمنى العائلة له أن يعود بوضعٍ أفضل في الغد.
إنها مأساتنا، أياً كنّا، وأينما كنّا... لا يفهم المغتربون، مثلاً، كيف يتمكن الباقون من العيش حتى الآن، مثلما لا يفهم الأخيرون كيف لهؤلاء المغتربين أن يكونوا: مكتئبين أو بائسين أو حزينين وهم في بلاد «الرفاه» بعيداً عن أرضهم وناسهم!
ويكاد يُكابر كلا الطرفين على بعضهما البعض، بشكل كوميديّ وسوداويّ، يواسون بعضهم البعض من مآسِ بعضهم البعض: لا الداخل جيد، ولا الخارج أفضل بكثير، ولا يتفق اثنان تماماً على كيفية لمّ شمل بعضهما البعض، أكانوا أهلاً وأولادهم، زوجاً وزوجته، أو حتى مجرد اثنين متحابين وعابرين، بين أين سيكون هذا الشمل واللقاء؟ هنا أم هناك؟
ويبقى المتفق عليه، كـ حلمٍ عنوانه: سورية ستتغيّر، وسنعود وسنبني وسنعيش بها كما نريد. ورغم مساعي أعدائنا بإيهامنا بعبثية هذا الحلم وانعدام واقعيته، بكل إمكاناتهم ووسائلهم، وتصوير المستقبل مغلقاً وأسودَ أمام السوريين، يدفع الأخيرون به، وبالواقع العمليّ، والملموس، يومياً، بكلٍّ فعلٍ، بكلّ تمرّدٍ مهما بدا ضئيلاً، وبكل كلمةٍ تعبّر عن استيائهم ورفضهم لهذا الواقع، ولهذا الانسداد المؤقت أمامهم، سواء من كان داخل البلاد أو خارجها، ودافعين باتجاه هذا التغيير نفسه على الرغم من كل قنابل الدخان التي تحاول سدّ النظر أمامنا، مستكشفين طريقنا، يداً بيد، بالتعاون وشدّ الهمم والتكاتف، نحو فرض خلاصنا، بسواعدنا...
إنه الـ «حنين» لمستقبلٍ آتٍ، وإرادتنا بالوصول إليه باستعادة بلادنا أولاً، واستعادة بعضنا ثانياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1016