الدور الحكومي وخصخصة التعليم!
دعاء دادو دعاء دادو

الدور الحكومي وخصخصة التعليم!

بدأ التسجيل في المدارس الخاصة لعام 2021-2022، بعد حملة «تثبيت عربون» للأهالي الذين يريدون حجز مقعد دراسي لأبنائهم بنهاية العام الدراسي الماضي 2019-2020، مع شكاوى الأهالي من ارتفاع «عربون» المطلوب، دون تحديد بعض إدارات المدارس ما هو القسط المدرسي المترتب على أهالي التلاميذ للعام الجديد.

المشكلة أن أهالي الطلاب أصبحوا يرون في أية زيادة بالأقساط كأنها تراكم مزيد من الأعباء عليهم في كل عام أكثر من العام السابق، خصوصاً بعد تراجع مستوى المدراس الحكومية «قلباً وقالباً» كما قالوا، وبحسب وصف أحد الآباء للمدارس الحكومية «بأنها متقاعسة عن واجبها التعليمي وغير آمنة من الناحية الصحية (كورونا)، وعدا عن ذلك فإنها مُكتظة جداً بالطلاب مما يصعّب العملية التعليمية والفهم لدى الطلاب»، فقد باتت المدارس الخاصة هي الخيار الأفضل أو ربما الوحيد للأهالي ليطمئنوا على المستوى التعليمي والصحي لأطفالهم نوعاً ما.

قرارات وزارية- تربوية «فافوشية»

عممت وزارة التربية السورية بتاريخ 3 حزيران الجاري قراراً يخص أقساط المدارس الخاصة في سورية الواجب الالتزام بها، إذ سمحت للمؤسسات التعليمية التي يقل قسطها عن 500 ألف ل.س بزيادته وفق نسب محددة، فيما منعت زيادة أقساط المؤسسات التي هي فوق 500 ألف ل.س، وفق ثلاث شرائح بزيادة نسب متفاوتة بين الـ 50% و الـ 35% والـ 25% حسب الشريحة التي تنتمي إليها المدرسة.
في الحقيقة، لم تلتزم أية مدرسة بالقرار أعلاه، لأنه وحسب الأهالي فإن الأقساط في هذا العام فقط ارتفعت «دبل» ما كانت عليه في السنة الماضية، وأقل قسط هو مليون ليرة للطالب الواحد.

سيمفونية ارتفاع الأقساط

تعقيباً على قرار وزارة التربية، علق أحد أهالي الطلاب «نرجو الالتزام بالقرارات وليس فقط إصدار القرارات». على الرغم من الإجراءات والقرارات المتخذة من قِبل وزارة التربية لمنع رفع الأقساط المدرسية على الأهالي كما يزعم، إلّا أن إدارة المدارس الخاصة لم ولن تلتزم بتلك القرارات، بدليل على أن الأقساط المدرسية قد ارتفعت «أوتوماتيكياً» قبل انتهاء العام الماضي عند «تثبيت عربون» دون أي خوف من المحاسبة والمساءلة عن ذاك الارتفاع.
ومن هذا السياق، فقد قمنا برصد بعض أقساط المدارس على مستوى المحافظات السورية، ونقلاً على لسان الأهالي كانت الفروقات في الأقساط بين العام الماضي والعام الجاري:
«يا ستي الأقساط ارخص مدرسة كانت بـ 500 ألف ل.س... هل السنة صارت بمليون وهي ابتدائي!! وخدي منو للأغلى للإعدادي والثانوي طبعاً من دون الأوتوكار... مع الأوتوكار مليون و700 ألف»...
«مدرسة بنتي- صف الثالث- متوسطة مالها ممتازة... كانت 500 ألف ل.س... بأخر السنة أخدوا مني 450 ألف ل.س تثبيت قال صارت بـ 900 ألف ما عدا الباص... للشهر الثامن ليخبروني قديه بدهون للباص»...
«مدرسة ولادي كانت السنة الماضية بـ 375 ألف ل.س... هل السنة مليون من دون مواصلات ومن دون لباس أو قرطاسية»...
«مدرسة ابني هديك السنة كانت 600 ألف ل.س بس كاملة مع مواصلات ولباس وقرطاسية... هل السنة بدون مليون و200 ألف كمان كاملة»...
«السنة الماضية مدرسة ولادي أرخص بكتير مقارنة مع هلق... لأنو هلق طلبوا ع الولد تثبيت 800 ألف ولسا ما سعروا أدي القسط حيكون... الله يجيرنا»...
وبهذه الصورة الواضحة نرى عدم التزام المدارس بالقرارات الصادرة عن وزارة التربية لكبح ارتفاع أقساط المدارس الخاصة، ومع كل ذلك فلم تستطع وزارة التربية إيجاد حل جذري لـ سيمفونية ارتفاع الأقساط التي تواصل صعودها عملياً مع اقتراب بداية كل عام دراسي جديد.
يتساءل البعض: «لماذا لا تتقيد المدارس الخاصة بالتسعيرة التي هي فعلياً صادرة عن وزارة التربية المعنية وجهة وصائية مباشرة عليها»؟
الجواب هو كما وصفه أحد ذوي الطلاب: «بكل بساطة، المدارس الخاصة تقوم بدفع المعلوم إلى التربية وعلى أعلى المستويات».
وآخر قال: «كيف للمدرسة (الفلانية) قد أخذت الموافقة من التربية بقسط تقريبي 800 ألف ل.س؟ يمكن لأن قرار التربية حبر على ورق أو لأن التربية تحب مالك هذه المدرسة ربما..».
صحيح... كيف تمكنت إدارة هذه المدرسة بأخذ الموافقة على قسط تقريبي 800 ألف ليرة سورية؟؟
سؤال يطرح نفسه...

الفساد التعليمي

لطالما يراودنا سؤال متكرر في أذهاننا: «لماذا فشل القطاع الحكومي بالتعليم وتحولت أغلبية الطلاب من المدراس الحكومية إلى المدارس الخاصة؟».
حقيقةً، إن التأثير السلبي للفساد المتجذر على جميع الأصعدة في سورية قد قلل من كفاءة العمل الحكومي وتوفير جودة خدماته ومن ضمنها التعليم.
فقد كان للفساد أثر بشكل كبير على تكلفة الخدمات التعليمية وحجمها وجودتها في القطاع الحكومي، على الرغم من تلك البهرجات الظاهرية التي تقوم بها المؤسسات التربوية «وزارة التربية» للتغطية على أحد مظاهر الفساد، ولكنها لم تكن سوى إجراءات شكلية وسطحية وحبر على ورق فقط.
عموماً، نتيجةً للفساد والقرارات التي طالت قطاع التعليم الحكومي والتي بحكمها أدت إلى انخفاض المستوى التعليمي، والذي بدوره قد فرض علينا القطاع التعليمي المخصخص، لتحقيق الأرباح ورفع الانفاق عن الكاهل الحكومي في هذا القطاع لسد العجز الحكومي الحقيقي أمام مسؤولياتهم وواجباتهم نحو الفئة المعنية من الشعب وهي الفئة الطلابية، فخصخصة التعليم تحت الإشراف الحكومي الواضح فرضت على الطلاب الالتحاق بالتعليم المأجور «مدارس خاصة» وزيادة الأعباء المالية على ذوييهم بما أن قطاع التعليم الخاص لن يشتري أو يستأجر المؤسسات التعليمية من الدولة ليقدمها بأسعار رمزية، بل العملية الربحية لكليهما هي الأساس من الخصخصة كلها. إكمالاً لما سبق، فقد اعتمدت وزارة التربية مدرسي «الساعات والوكالة» للتخفيف نظراً لنقص عدد المدرسين الأصلاء.
مشكلة السياسات التعليمية السورية- مشكلة قديمة وليست بجديدة، وهي جزء من مشاكل السياسة العامة للدولة ربما، وأهم مفرزات هذه المشكلة هي خصخصة التعليم وتراجع الدور الحكومي الواضح على جميع الأصعدة وجميع المؤسسات ومن ضمنها المؤسسات التعليمية الحكومية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1022