الجوع المدعوم!
سمير علي سمير علي

الجوع المدعوم!

مشكلة رغيف الخبز «المدعوم» تبدو عويصة ومستعصية على الحل، برغم كثرة المسؤولين عنه، وكثرة التعليمات الصادرة بشأنه، والحديث عن التشدد بشأن الحرص على مواصفته وجودته، والتأكيد المستمر على ضمان وصوله «مدعوماً» لمستحقيه!

لقد صدرت مجدداً آلية لتوزيع مادة الخبز «المدعوم»، تتضمن سقوف استهلاك محددة، أي تخفيض جديد لدعم الرغيف، على أن يبدأ العمل بها اعتباراً من 1/8/2021 في محافظات (اللاذقية- طرطوس- حماة)، ولاحقاً في دمشق وريفها وبقية المحافظات، بعد أن كان الموعد لبدء التنفيذ بتاريخ 25/7/2021، بحسب الآلية السابقة المعلن عنها.

الأرقام الكبيرة تخفي تخفيض الدعم

الآلية الجديدة لا جديد فيها إلا تثبيت تخفيض الدعم، عبر تخفيض الكمية المخصصة لكل أسرة من مادة الخبز، وربما المزيد من التخبط في عمليات استلام هذه المخصصات عبر المعتمدين ومنافذ البيع، تحت عنوان «توطين استلام المادة»، والتي ستؤدي إلى مزيد من تخفيض الدعم، لكن بشكل غير مباشر، حالها كحال تردي وسوء مواصفة الرغيف، التي تعتبر أيضاً أحد أساليب التطفيش من استهلاكه، أي تخفيض غير مباشر للدعم أيضاً!
فقد أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن آليتها الجديدة بتاريخ 31/7/2021، بعد أن «تم استكمال الإجراءات المتعلقة بتحديد وتثبيت مخصصات المواطنين من الخبز لدى المعتمدين ومنافذ البيع في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة».
وقد تم إيراد جدولٍ يتضمن شرائح المستفيدين من الأسر، مع الكمية المخصصة لكل منها، يومياً وشهرياً، ووفقاً لسقوف ممنوع تجاوزها.
والملفت بهذا الجدول، هو إيراد بعض الأرقام الكبيرة بمتنه كمخصصات، وكأنها بغاية التغطية على عملية القضم المتتالي للدعم، وهذه المرة بالكميات.
حيث ورد مثلاً: إن الأسرة المؤلفة من أكثر من 14 فرداً تحصل على 156 ربطة شهرياً وبسقف 6 ربطات يومياً، والتفسير العملي لهذا الرقم الكبير شهرياً ويومياً، أن هذه الأسرة الكبيرة من الممكن لها أن تستمر باستلام مخصصاتها اليومية بمعدل 6 ربطات يومياً، أي بمعدل 3 أرغفة لكل فرد يومياً، ولمدة 26 يوماً متتالياً فقط، وستبقى دون خبز «مدعوم» لبقية أيام الشهر، أي سيفرض عليها اللجوء إلى البدائل المتاحة (سوق سوداء- سياحي) هكذا.. كي تسد رمقها على حدود الجوع!!
وكذلك هي الحال مع الأسرة المكونة من خمسة أفراد، حيث تحصل على 52 ربطة شهرياً وبسقف ربطتين يومياً، وبحال استلام المخصصات اليومية فإن سقف الكمية الشهرية لهذه الأسرة سيستنفذ خلال 26 يوماً متتالياً أيضاً، أي ستبقى الأسرة دون خبز لبقية أيام الشهر.
أما الأسوأ فهو حال الأسر الصغيرة، فأسرة مكونة من 3 أفراد تحصل على 30 ربطة شهرياً وبسقف ربطتين يومياً، قد تكون كافية ككمية يومية، لكنها ستستنفذ رصيدها من الخبز خلال مدة 15 يوماً، وبقية أيام الشهر لها الله!
وكذلك هي حال الأسرة المكونة من2 فردين، حيث تحصل على 22 ربطة شهرياً وبسقف ربطة واحدة يومياً، أي إن استنفاذ الرصيد سيكون خلال 22 يوم، وبقية الشهر ستفتح فمها للهواء!

تجويع متعمد مع سبق الإصرار

من المفروغ منه أنه بظل تآكل سلة الاستهلاك الغذائي اليومي، وتقلصها للحدود الدنيا بسبب الوضع المعيشي المتردي، وارتفاعات الأسعار المتتالية دون سقوف، وخاصة على المواد الغذائية الأساسية، أن الأسر المفقرة، أي الغالبية من السوريين، أصبحت، ومنذ زمن، تعتمد في غذائها الأساسي على رغيف الخبز للتعويض عن نقص بقية المكونات الغذائية، وبهذه الحال فإن رغيف خبز واحد لكل وجبة يعتبر غير كافٍ لسد الجوع، فكيف والحال بعدم توفره في بعض أيام الشهر نتيجة السقوف المعتمدة!؟
فالأرقام أعلاه توضح أن الوزارة تصر على تجويع السوريين لمدد مختلفة في كل شهر، بحسب كل شريحة ومخصصاتها المسقوفة، على الرغم من الشكوك حيال كفاية هذه المخصصات لكل أسرة، ولكل فرد فيها، بحسب جداول الشرائح المعتمدة، وكل ذلك تحت شعار «الدعم» وإيصاله لمستحقيه!
فأين أصبحت الاحتياجات الفعلية لهؤلاء المستحقين للدعم من خلال الآلية الجديدة المجحفة؟
إنّ ما جرى ويجري حتى الآن بشأن رغيف الخبز «المدعوم» من خلال الإجراءات المتخذة خلال الفترة السابقة حياله، والتي تتضمن تخفيضاً متتالياً على دعمه (سعراً وعدداً ووزناً ومواصفة)، يوضح أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والحكومة من خلفها، تدفع المواطنين نحو الجوع والعوز لهذا الرغيف، مع سبق الإصرار والترصد!

حصص النهب والفساد المحفوظة

أسوأ ما في الأمر، أنه مع كل عمليات القضم الجارية على دعم رغيف الخبز، فإن حصص النهب والفساد ما زالت محفوظة، مع تغييبها على مستوى حجمها الكلي.
فتهريب الدقيق التمويني مستمر، بدليل ما يتم الإعلان عنه من ضبط لكميات مهربة في الأسواق بين الحين والآخر من قبل مديريات التموين في المحافظات، وما خفي أعظم على هذا المستوى من كميات غير مضبوطة طبعاً، وكذلك هي حال صفقات القمح المليارية سنوياً وأرباحها، وعمولاتها المحفوظة بذريعة العقوبات والحصار، وحال كميات الخبز التمويني التي تباع على أبواب المخابز والأفران، وغيرها من قنوات النهب والفساد، وكل هذه المنافذ النهبوية على حساب مبالغ الدعم المصروفة سنوياً من خزينة الدولة، ومن جيوب العباد بالنتيجة، وكأنها غير منظورة بالنسبة للرسميين، حيث يتم توجيه الأنظار على مخصصات المواطن، التي أصبحت أقل من حاجته الفعلية، ووصلت إلى حدود فرض الجوع عليه، وكأنها مشكلة المشاكل فيما يتعلق برغيف الخبز دوناً عن سواها من مسارب النهب والفساد الكبير!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1029
آخر تعديل على الإثنين, 02 آب/أغسطس 2021 17:28