اجراءات حكومية تسويقية متحيزة
نادين عيد نادين عيد

اجراءات حكومية تسويقية متحيزة

في كل عام وبذات التوقيت يجري عقد اجتماعات عديدة بهدف تنسيق العمل المشترك بما يخص تسويق محصول الحمضيات بين الوزارات المعنية...

حيث عُقد يوم 6 تشرين الأول اجتماع في مدينة اللاذقية، استعرض خلاله وزير الزراعة وبحضور رئيس مجلس الوزراء الإجراءات المقترحة والتي سيعمل على تنفيذها الوزارات المعنية، ليعلن مجلس الوزراء خلال الجلسة الأسبوعية التي عقدت منذ أيام اعتماده مجموعة الإجراءات لتسويق محصول الحمضيات.

بعض التفاصيل...

تضمنت الإجراءات الخاصة بتسويق موسم الحمضيات لدول الجوار والصديقة، توجيه وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لقيام هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات بإقرار دعم تصديري للحمضيات من خلال تحمل 25 بالمئة من تكلفة الشحن البري والبحري في ذروة الإنتاج و10 بالمئة من التكلفة خلال الفترة من 1 آذار وحتى 30 أيار 2023 إضافةً إلى تخفيض البدلات المترتبة على المنتجات الزراعية المصدرة ذات المنشأ السوري بنسبة 75 بالمئة، وتحديد السعر التأشيري لتصدير البراد أو حاوية الحمضيات بمبلغ 2000 دولار.
بالإضافة إلى إجراء مباحثات مع الجانب العراقي لتخفيض الرسوم المدفوعة على براد الحمضيات والبالغة «1400 دولار» لتصبح مماثلة للرسوم المدفوعة على كل براد يصدر إلى دول الخليج والأردن والسماح للبرادات العراقية بالدخول إلى سورية وبالعكس.
والسماح للشاحنات والحمضيات بالمرور باتجاه المناطق الشرقية وإلغاء الرسوم المفروضة على مرورها.
العمل على تأمين خط الشحن إلى أسواق الدول الصديقة وخاصة روسيا وخاصة خلال فترة إنتاج مجموعة البرتقال (صنف الماوردي) وقبل فترة لا تقل من شهرين من إنتاج الصنف وبما يضمن تأمين حمولات مناسبة للشحن.
أما فيما يخص التسويق الداخلي، فقد شملت الإجراءات قيام السورية للتجارة باستجرار أكبر كمية ممكنة من الحمضيات وتأمين طلبات المنشآت والجهات الحكومية المعنية وتحديد أسعار المحصول وفقاً للتكاليف المعتمدة لدى وزارة الزراعة مع هامش ربح جيد للفلاحين وإعطاء الأفضلية للمزارع المعتمدة ببرنامج الاعتمادية للموسم الماضي، وتأمين أكبر عدد من الآليات اللازمة لشحن الموسم إلى جميع المحافظات وإعطاء الأولوية في المحروقات لمراكز الفرز والتوضيب وتأمين المحروقات اللازمة للشاحنات التي يتم اعتمادها من قبل وزارة الأشغال العامة وستنقل الموسم إلى صالات السورية للتجارة وتوجيه المحافظات المعنية بتقديم كل التسهيلات لتسويق المحصول وتنظيم العمل في أسواق الهال.

ما الجديد؟!

من خلال استعراض مجموعة الإجراءات الوزارية السابقة، نلحظ أنه لا توجد إجراءات جديدة ملموسة على أرض الواقع تخص المزارع المنتج الذي تعب وجهد وحده لإنجاح موسمه الزراعي.
فالتوجيهات ذاتها كما كل موسم عامة جداً، حتى لم يتم التطرق لأخطاء وعثرات التسويق الداخلي والتي أدت إلى خسارة المزارع خلال الموسم الماضي وما سبقه أيضاً، مع العلم أن دعم المزارع يفترض أن يكون من أولويات الجهات المعنية، فهو أساس عملية الإنتاج، ولم توضع أية خطة تفصيلية لتوسيع عملية التسويق الداخلية، فكل ما تم ذكره استجرار أكبر كمية ممكنة من الحمضيات، وبناءً على هذا الكلام العام جداً فلن يتم استجرار سوى كميات محدودة، فمن المعروف أن هناك مشكلة لم يتم حلها ألا وهي نقص عدد صالات السورية للتجارة وعدم تلبيتها لكافة المناطق السكنية، وحقيقةً هذه مشكلة قديمة ومعيقة ليس فقط على مستوى تسويق المحصول بل وعلى مستوى توزيع المواد التموينية المدعومة اسمياً والتي أدت وتؤدي إلى إطالة مدة التوزيع لكل دورة توزيع جديدة، وإن كانت الحكومة جدية بحل مشكلة المزارع، وجدية باستجرار الكميات المنتجة للاستهلاك المحلي والمقدرة بـ 450 ألف طن كاملةً، وحل مشكلة فائض الإنتاج، فلن يكون سوى عبر إطلاق العنان لإقامة معمل العصائر المؤجل تارةً والذي يجري دفنه تارةً أخرى، فلا يزال ملف إقامة معمل العصائر متروكاً بالهواء عبر اللعب على وتر عدم الجدوى الاقتصادية من إقامته، مع العلم أنه سيحل مشكلة جزء هام من فائض الإنتاج، ويعوض جزءاً من خسارة المزارع على مدار موسم كامل، ويريحه من جشع التجار المتحكمين بأسعار تسويق منتجاته المهددة بالكساد وبالتالي خسارتها، ناهيك عن أن إقامة مشروع مثل معمل العصائر سيوفر فرص عمل، وما سيوفره من قيمة مضافة، وإمكانية تصدير فائض الإنتاج من العصائر!
فهل سيبصر النور أم أن مصالح الطبقة المفقرة من المواطنين لا يجري أخذها على محمل الجد، كما مصالح كبار الحيتان المفضلة حكومياً؟!

المزارع بلا دعم

وأما إذا وقفنا عند بند «تحديد أسعار المحصول وفقاً للتكاليف المعتمدة لدى وزارة الزراعة مع هامش ربح جيد للفلاحين»، فنعلم مسبقاً وفقاً لهذه التعليمات أن المزارع لن يعوض خسارته، فتكاليف الإنتاج التي تحملها المزارع طيلة الموسم تقدر ودونما مبالغة بما نسبته 80 بالمئة أو ربما أكثر، فقد أشرنا خلال مادة سابقة من العدد 1090 أن المزارعين يعانون بشكل رئيسي من نقص في مستلزمات الإنتاج المتمثلة بالمحروقات والأسمدة بالإضافة إلى المبيدات وغيرها من مستلزمات الإنتاج غير المؤمنة حكومياً، وبعض المزارعين اشتكوا أنهم لم يستلموا مخصصاتهم من الأسمدة لموسم الحمضيات الحالي وذلك خلال جولة ميدانية لوزير الزراعة في ريف اللاذقية، رغم أن القرار ينص على توزيع 50% من احتياجات المزارع من الأسمدة، مع العلم أن نسبة التوزيع هذه مجحفة مقارنةً مع انفلات الأسعار عبر السوق السوداء لكافة مستلزمات الإنتاج، خصوصاً الأسمدة التي تم رفع الدعم عنها أصلاً وباتت تباع عبر المصارف الزراعية بسعر تكلفتها...
كل ذلك بنهاية المطاف أدى وسيؤدي إلى هجرة المزارعين لأرضهم ولقطع المزيد من أشجار الحمضيات من أجل تغير نمط الزراعة المتوارث عن أجدادهم بنمط آخر أكثر ربحية، فلم تعد هذه المهنة المتوارثة تعيل المزارع لسد جزء من تكاليف الحاجات الأساسية لمستوى المعيشة المستمر بالتحليق عالياً مقارنة بمستوى الأجور الثابت والمتدني جداً، وهذه الأسباب كلها أدت لتراجع الإنتاج المترجم عبر أرقام متراجعة لواقع إنتاج بات هزيلاً.
فتقديرات الإنتاج للموسم الحالي لا تتعدى 640 ألف طن، مقارنة بسنوات سابقة كان الإنتاج يصل فيها لحدود 1,3 مليون طن، ما يعني أن كل الكلام والاجتماعات الحكومية لا تخدم المزارع وإنتاجه بل تعيقه أكثر، والجدول التالي يوضح أرقام تراجع إنتاج الحمضيات في سورية:

1092a

الدعم الحقيقي للمصدرين

إذا ما قارنا الدعم الحكومي الاسمي للمزارع المنتج، بمقدار الدعم المقدم للمصدرين والإجراءات التفصيلية التي تم توجيهها لكل وزارة، مثل تحمل جزء من تكاليف عملية الشحن أو التسهيلات التي تم العمل عليها لتخفيض الرسوم المفروضة على كل براد مصدر إلى دول الجوار وغيرها من الإجراءات، نجد أنها جهود حكومية متحيزة لدعم المصدرين فعلاً، على عكس توجيهات دعم المزارعين التي بقيت عبر السنين السابقة والقادمة قولاً لا فعلاً، بل باتت القرارات الحكومية مساندة ومشرعنة لدعم وتوسيع عمليات النهب والربح للحد الأقصى، على حساب ترك المواطن المنتج والإنتاج الوطني تحت رحمة مقدار شراهة هذه الفئات المتحكمة بمقاليد الأمور، للنهب والفساد والربح على حساب جيب المواطن والإنتاج الوطني...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1092
آخر تعديل على الثلاثاء, 18 تشرين1/أكتوير 2022 10:40