6 معاوني وزراء لضبط الأسعار.. استفاقة متأخرة ومركزية في غير مكانها!
سمير علي سمير علي

6 معاوني وزراء لضبط الأسعار.. استفاقة متأخرة ومركزية في غير مكانها!

خلال جلسة الحكومة بتاريخ 12/9/2023 ناقش مجلس الوزراء بشكل موسع واقع الأسعار في الأسواق، والإجراءات الواجب اتخاذها لتحديد الأسعار وفق التكلفة الحقيقية لكل منتج مع هامش ربح مقبول، وإنزال العقوبات الرادعة بحق المخالفين!

توقّف الحكومة عند واقع الأسعار المنفلت في الأسواق يمكن اعتباره استفاقة متأخرة جداً، والحديث عن التكلفة الحقيقية والعقوبات بعد التخلي الرسمي عن الأدوار المناطة بالدولة تباعاً خلال العقود الماضية لمصلحة القطاع الخاص، تحت عناوين الانفتاح التجاري والتحرير السعري والخصخصة المباشرة وغير المباشرة، وغيرها من العناوين التخريبية للبنية الاقتصادية في البلاد، كنتيجة طبيعية لجملة السياسات الليبرالية المطبقة، لن تجدي نفعاً إلا بحال استعادة الدولة لمهامها وواجباتها، أما مع الاستمرار بنفس النهج والسياسات فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه من التفلّت والانفلات المعمم!

تفاصيل المركزية المؤقتة غير المجدية!

بحسب الموقع الرسمي للحكومة قرر المجلس تشكيل لجنة مؤلفة من معاوني وزراء (الإدارة المحلية والبيئة- والتجارة الداخلية وحماية المستهلك- والعدل- والمالية- والداخلية- والاقتصاد والتجارة الخارجية)، مهمتها دراسة آلية تسعير المواد والسلع والتكاليف الحقيقية لها، بهدف تحقيق التوازن في الأسواق ومنع الاحتكار وضبط عمل أسواق الهال، وتحديد أسباب ارتفاع الأسعار وإيجاد الحلول المناسبة لها، على أن تقدم اللجنة تقارير دورية خلال مدة عملها المحددة بشهرين إلى مجلس الوزراء، تتناول مدى انعكاس الإجراءات على توافر المواد ومختلف أنواع السلع بأسعار مناسبة!
يبدو من متن القرار الحكومي الذي شكل اللجنة الكبيرة أعلاه، وعلى هذا المستوى الإداري العالي من المركزية، أن الحكومة عازمة فعلاً على فعل إيجابي بما يخص التسعير وعمل الأسواق!
بالمقابل يبدو أن الحكومة إلى الآن جاهلة أسباب الارتفاعات السعرية، وتتجاهل حلولها أيضاً!
ومع وضع سقف شهرين لعمل اللجنة يبدو أن النتائج لن تكون مبشرة، وستكون غالباً عبارة عن اجتماعات وورقيات ودراسات لتكرس الواقع القائم ليس إلا!

سحب صلاحية لمركزية موجودة مسبقاً!؟

من المعلوم أن تسعير غالبية السلع والمواد في الأسواق بمسؤولية وعهدة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مركزياً، ومديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك مكانياً، بالإضافة إلى مسؤولية بعض الوزارات والجهات العامة الأخرى عن تسعير بعض السلع والمواد الخاصة بها، مثل المحروقات والمشتقات النفطية التي بعهدة وزارة لنفط، وبعض المنتجات من معامل القطاع العام بعهدة وزارة الصناعة، والأدوية بعهدة وزارة الصحة، و..!
فتسعير السلع والمواد المستوردة والمنتجة محلياً فيه مركزية شكلية مرتبطة بالتكاليف المقدمة من قبل المنتجين والمستوردين، والتي بناء عليها تصدر النشرات السعرية لها، مضافاً إليها هوامش الربح المحددة قانوناً للحلقات التجارية المختلفة.
أما بقية المواد والسلع التي تسعر مكانياً فهي مقتصرة غالباً على اللحوم والخضار والفواكه فقط، ويتم اعتماد سعرها استناداً إلى التكلفة وآليات العرض والطلب في السوق.
فاللجنة المركزية المشكلة من معاوني الوزراء بحسب قرار الحكومة أعلاه لن تقدم أو تؤخر بآليات التسعير المتبعة بالنتيجة، ولن تحل محل المركزية الشكلية المعمول بها، خاصة وأنها محددة العمل بشهرين فقط دون برنامج واضح لعملها، باستثناء العبارات الفضفاضة كمهام مناطة سلفاً بجهات رسمية عاملة وقائمة!

مراقبة الأسواق بعهدة الجهات الرسمية سلفاً!

أما ما يتعلق بمراقبة الأسواق ومنع الاحتكار التي عهد للجنة المشكلة مسؤوليتها أيضاً، فهي سلفاً مسؤولية بعهدة الكثير من الجهات الحكومية الرسمية، اعتباراً من الضابطة الجمركية والضابطة التموينية إلى ضابطة المحافظة مروراً بضابطة السياحة وليس انتهاء بضابطة الصحة، وغيرها من الجهات التي لها ضابطاتها أيضاً، وبين هذه وتلك القوانين والآليات الناظمة لعمل كل منها بحدود مسؤوليتها وواجباتها، وبإشراف ومتابعة من الجهات الرسمية التابعة لها، أي الوزارات، بالإضافة إلى أجهزة الرقابة المركزية المتمثلة بالجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش!
ولا ندري ما هي الإضافة التي يمكن أن تقدمها اللجنة المركزية المشكلة على ما هو موجود سلفاً من مهام وواجبات بعهدة الجهات الرسمية أعلاه بما يخص مراقبة الأسواق ومنع الاحتكار؟!

هدر جهد ووقت!

فالمركزية المستجدة أعلاه، والمسقوفة بمهمة عمل محدودة بشهرين، هي مركزية في غير مكانها، بل وربما تتعارض بعض اقتراحاتها التنفيذية، بحال تم التوصل إلى بعضها، مع قوانين ناظمة لعمل بعض الجهات الرسمية المخولة بهذه المهام، ما يعني خلبية النتائج بالواقع العملي، وهدر وقت وجهود 6 معاوني وزراء مع بعض كادراتهم العاملة في وزاراتهم خلال شهرين أيضاً، من أجل إنجاز وتقديم بعض الدراسات والورقيات التي ستقدم في الاجتماعات ليس إلا!
لنصل إلى نتيجة مفادها أن قرار الحكومة بحيثياته أعلاه، وتشكيل اللجنة المركزية بهذا الشكل، وعلى هذا المستوى الإداري العالي، ما هو إلا لذر الرماد في العيون، بأن الحكومة ما زالت موجودة وتعمل!
بوابات الحلول مفتوحة شريطة إنهاء السياسات!
لن نغلق بوابات إمكانات إيجاد الحلول لما تعانيه الأسواق من تفلت سعري يدفع ضريبته المواطنون من جيوبهم، كنتيجة مباشرة لجملة السياسات المتبعة!
فالتسعير ارتباطاً بالتكاليف يدفع للبحث عن ممكنات تخفيض هذه التكاليف، اعتباراً من مستلزمات الإنتاج، وخاصة المشتقات النفطية وحوامل الطاقة، وليس انتهاء بالهوامش الربحية الكبيرة المضافة إلى المستوردات، والتي تبررها الحكومة نفسها بذريعة العقوبات والحصار!
فبعد أن تم التخلي عن دور الدولة على مستوى تأمين مستلزمات الإنتاج وتركها بغالبيتها للبعض المحظي من كبار أصحاب الأرباح، وبعد أن تم التخلي عن الدعم تباعاً وصولاً إلى إنهائه تقريباً، وبعد التغول وصولاً إلى هيمنة بعض كبار الحيتان على مقدرات واقتصاد البلاد، مستفيدين من جملة السياسات الليبرالية المحابية لهم والمحافظة على مصالحهم على طول الخط، لا يمكن الحديث عن تسعير مركزي حقيقي، ولا عن رقابة جدية وفاعلة في الأسواق!
يضاف إلى ذلك واقع الأجور المتدنية لدرجة انعدامها بالمقارنة مع متطلبات المعيشة، والتي عززت عملياً توسيع قاعدة الفساد وبررتها!
فالضابطات المشار إليها أعلاه بمواجهة كبار الحيتان في البلد تقف عاجزة أمام سطوتها ومغرياتها، لذلك نراها لا تنشط بعملها إلا على الحلقات المستضعفة بالواقع العملي غالباً، وبالتالي لن تنجز المطلوب منها!
فالسياسات الليبرالية المطبقة لن تنتج إلا المزيد من التفلت والانفلات، ليس في الأسواق فقط، بل بكل بنية الواقع الاقتصادي الاجتماعي، وعلى حساب المنتجين والمستهلكين والاقتصاد الوطني على السواء، وبدون إنهاء هذه السياسات المجحفة جملة وتفصيلاً، وتقويض إمكانات المستفيدين منها من كبار الحيتان الفاسدين والناهبين، لا حلول ممكنة ومرجوة لا من الحكومة ولا من غيرها من القائمين على أمر البلاد والعباد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1140