التحول الى الدفع الالكتروني بالإكراه لمصلحة مَن؟!

التحول الى الدفع الالكتروني بالإكراه لمصلحة مَن؟!

أعلنت الشركة السورية للاتصالات بأنه بدءاً من بداية العام 2024 سيكون تسديد فواتير خدماتها عبر أقنية الدفع الإلكتروني من خلال حسابات الدفع الإلكترونية عبر المصارف المرتبطة مع منظومة مدفوعات وخدمتي سيريتل كاش وكاش موبايل عبر شركتي الخلوي. وسيتم إيقاف التسديد بالطريقة التقليدية من خلال مراكز خدمة المشتركين للشركة السورية للاتصالات!

وقد كثرت تساؤلات المواطنين حول إمكانية تنفيذ الخطوة المرتقبة في ضوء تردي خدمات الاتصالات والإنترنت وغياب الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى التشكيك بجهوزية المصارف!؟
علماً أن السورية للاتصالات بينت أن المصارف المرتبطة بالمنظومة هي: المصرف التجاري السوري والمصرف العقاري، بالإضافة إلى 9 مصارف خاصة، بالإضافة طبعاً إلى شركتي الخليوي، داعية المواطنين إلى إنشاء حساباتهم الإلكترونية عبر الاقنية المذكورة بأسرع وقت ممكن!

خطوات متسارعة للتشجيع على الدفع الإلكتروني والإلزام به!

خطوة السورية للاتصالات ليست الأولى ناحية الإلزام بتسديد فواتير خدماتها عبر أقنية الدفع الإلكتروني، فقد سبقتها وزارة التعليم العالي بإلزام الطلاب تسديد رسوم التسجيل عبر هذه الأقنية، بالإضافة إلى فرض تسديد بعض الرسوم الرسمية عبر أقنية الدفع الإلكتروني مثل رسوم جواز السفر، وكذلك بعض العمليات المالية المرتبطة بالفعاليات الاقتصادية، وكل ذلك تشجيعاً لتعميم آليات الدفع الإلكتروني وصولاً إلى أن تشمل كافة المعاملات الحكومية من خلالها، بحسب التصريحات الرسمية.
لكن هل الإلزام طريقه ممهد أمام المواطنين، وهل من الممكن الوصول إلى الشمولية المطلوبة فعلاً؟!
فالتجارب المطبقة حتى تاريخه بموضوعة الإلزام بآليات الدفع الإلكتروني غير مشجعة!
فجزء من الطوابير انتقلت من الجهات العامة إلى المصارف، وجزء آخر إلى كوات شركات الخليوي، ما يعني أن جزءاً من الغاية المتعلقة براحة المواطن والتخفيف عنه (بحال وجودها) لم تتحقق، ناهيك عن التكاليف الإضافية غير المنظورة!

المصرف المركزي يشجع والتعويل على شركات الخليوي أكثر!

ورد خبر صحفي صادر عن مصرف سورية المركزي يقول: في إطار التوجه الحكومي لتنفيذ وتطبيق الدفع الإلكتروني في كافة المعاملات الحكومية وسعي مصرف سورية المركزي لتشجيع وتطبيق الدفع الإلكتروني لما له من إيجابيات تتمثل في التخفيف من الأعباء المالية الكبيرة على الجهات العامة من جهة، والتقليل من الجهد والوقت على المواطنين وتمكينهم من تسديد فواتيرهم من منازلهم دون تحمل عناء التوجه إلى مراكز الجباية والاصطفاف في طوابير لتسديد فواتيرهم وإضاعة الوقت من جهة أخرى، وبالتنسيق والتعاون مع وزارة الاتصالات والتقانة سيتم الانتقال إلى التسديد الإلكتروني لفواتير مشتركي الشركة السورية للاتصالات اعتباراً من تاريخ 2/1/2024، والتوقف عن تسديد هذه الفواتير عن طريق كوى الجباية في المراكز الهاتفية وذلك ضمن خطة زمنية تدريجية موضوعة من قبل الوزارة.
كذلك أكد مدير مديرية أنظمة الدفع لدى مصرف سورية المركزي عماد رجب أن جميع المصارف أصبحت مجهزة لعمليات الدفع الإلكتروني، لافتاً إلى أن المصرف المركزي يعمل على تطوير البنية التحتية والتشريعية بشكل مستمر، منوهاً بوجود ازدياد كبير في الآونة الأخيرة بعدد العمليات وقنوات الدفع الإلكتروني بكافة الفعاليات والقطاعات، موضحاً أن المصارف تجهزت لفتح الحسابات لجميع المواطنين وهناك تعميم بتبسيط إجراءات فتح الحساب ففي بعض المصارف تم الاكتفاء بصورة الهوية لفتح الحساب مع مبلغ سقفه 10 آلاف ليرة سورية. وحول صعوبات عمليات الدفع الإلكتروني في الأرياف، بيّن رجب أنه لا يمكن البت بها بشكل نهائي، ولكن هناك ليونة وأريحية بعمليات التسديد إلكترونياً عن طريق شركات الخليوي على مدار الـ 24 ساعة.
الخبر الصحفي أعلاه يبين أهمية اعتماد آليات الدفع الإلكتروني وإيجابياتها على المواطنين وعلى الجهات الحكومية، وهي من كل بد ضرورية وهامة.
لكن بالمقابل فإن حديث مدير مديرية أنظمة الدفع يقول إن التعويل على شركات الخليوي أكثر من التعويل على المصارف بهذا المجال لتجاوز بعض الصعوبات في بعض المناطق وفي بعض المصارف أيضاً، مع تأكيده على رسوم فتح الحساب المسقوفة بمبلغ 10 آلاف ليرة بحسب حديثه، وكأنها غير محسوبة كأعباء إضافية بالنسبة للمواطنين المنهكين من الغالبية المفقرة!
أما الغائب عن مشجعات التحول للدفع الإلكتروني فهو الإعلان الصريح عن العمولات التي سيتم تقاضيها من المواطنين لقاء عمليات التسديد الإلكتروني، سواء عبر المصارف أو عبر شركات الخليوي، والتي ستشكل عبئاً مالياً إضافياً غير منظور ومتراكم مع كل عملية تحويل مالي عبر طرق الإلزام المتبعة!

1151-26

خدمة الإنترنت غير جاهزة مع مبررات لإخلاء المسؤولية وتجييرها على المواطن!!

جودة خدمة الإنترنت مستمرة بالانحدار والتردي، والمزعج أكثر بالنسبة للمواطنين أنه لا تطوير يذكر على الشبكة أو سرعة الباقات للتماشي بالحد الأدنى مع التطور التقني وحاجات المستخدمين التي ترافقه، فكيف الحال بالاعتماد عليها من أجل تسهيل عمليات التسديد الإلكتروني لبعض الرسوم والفواتير التي أصبح لزاماً على المواطنين التقيد بها!
حيث تعاني شبكة الإنترنت من ضعف في السرعة والأداء، إضافة لغياب الشبكة بشكل كلي في كثير من المناطق، خاصة خلال فترة التقنين الكهربائي، فتغدو الخدمة لا تلبي الاحتياجات، فضلاً عن تقطعها المستمر، وعدم استمراريتها!
مقابل ذلك هناك ذرائع كثيرة وتبريرات جمة تتحدث بها الجهات المعنية، متملصة من مهامها وواجباتها الأساسية، مع تحميل المواطن جزء من مسؤولياتها بالإضافة إلى تحمله سوء وتردي الخدمات!
فحول سوء خدمة الإنترنت، صرح مدير الإدارة الفنية في الشركة السورية للاتصالات المهندس مصعب الحاج علي في تصريح لـ «الوطن أون لاين» أن جودة خدمة الإنترنت مرتبطة بعدة عوامل تؤثر بشكل مباشر في السرعة والأداء. حيث ذكر مصعب علي أن بُعد المشترك عن مركز الاتصالات يعد واحدة من هذه العوامل، كما أن طريقة تمديد الخط النّحاسي لدى المشترك ضمن البناء وضمن المنزل وجودته على طول المسار بين المركز وعلبة التوزيع تلعب دوراً سلبياً في جودة الخدمة. وأشار علي إلى عوامل أخرى تتعلق بمشكلات الصرف الصحي حيث يؤدي تسريب المياه باتجاه غرف التفتيش الهاتفية إلى حدوث خلل في الشبكة وغياب للإنترنت، إضافة إلى انتهاء العمر الافتراضي للتجهيزات لدى المشترك مثل قدم الموديم المستخدم وحاجته إلى التحديث أو الاستبدال.
من الواضح أن غالبية مفردات سوء الخدمة التي توقف عندها مدير الإدارة الفنية في الشركة السورية للاتصالات هي بمسؤولية الشركة!
فالمشكلات التقنية والفنية المرتبطة بالتمديدات ومحطات البث، وحتى الأسلاك ونوعيتها، إضافة إلى بعد مركز تركيب الدارات عن مكان تقديم الخدمة والتي يجب ألا تزيد عن 3 أمتار، بينما تصل في بعض المناطق إلى أكثر من 10 أمتار ما يضر بجودة الخدمة، ذلك فضلاً عن التوصيلات الهوائية غير المستقرة والتي تؤدي إلى تواتر الأعطال، كل هذه المعضلات تعتبر من مهام السورية للاتصالات وتحت إشرافها ولا علاقة للمشتركين بها، سواء كانوا مواطنين أو جهات عامة، بما في ذلك المصارف أيضاً!

شركات الخليوي ليست بحل أفضل!

وما يتعلق بالسورية للاتصالات بهذا المجال ينطبق على الخدمات المقدمة عبر شركات الخليوي أيضاً، وخاصة ناحية غياب التغطية بشكل كلي عن بعض المناطق، وتقطعها في أخرى، مع كل اللامبالاة والاستهتار بذلك، سواء من قبل شركات الخليوي كمقدمي خدمة، أو من قبل الهيئة الناظمة للاتصالات كجهة عامة مسؤولية عن جودة هذه الخدمة وضمانها للمواطن، والتي تكرر ذريعة تحسين الخدمة الخلبية عند كل زيادة في أسعار الخدمات المقدمة عبر السورية للاتصالات أو عبر شركات الخليوي في الوقت الذي نشهد فيه تراجعاً مستمراً في هذه الخدمات!

خدمة لأصحاب الأرباح وليس للتخفيف عن المواطنين!

مع تأكيدنا على أهمية وضرورة الانتقال إلى آليات الدفع الإلكتروني عبر الأقنية المعتمدة لذلك، لكن التسرع في ذلك مع الإلزام به في ظل تردي وتهتك البنية التحتية سيكون عبئاً إضافياً على المواطنين بدلاً من أن يكون مخففاً عنهم!
فغالبية المفقرين ليس لديهم حسابات مصرفية، وليسوا مضطرين لوضعهم أمام هذا الخيار بالإلزام، والأهم أن نسبة كبيرة منهم من الصعب عليهم التعامل مع التقانات الحديثة وخاصة كبار السن، بل إن بعضهم لا يملك جهازاً خليوياً ذكياً، ومن الصعوبة بالنسبة إليهم امتلاكه بسبب أسعاره الكاوية!
ففي خلاصة كل ما سبق يمكن القول إن التشجيع على آليات الدفع الإلكتروني مع الإلزام بها، وفي ظل تردي البنية التحتية للاتصالات والإنترنت والطاقة الكهربائية، وحتى في بعض المصارف المعتمدة، سيتم فرض ضيق الخيارات المتاحة أمام المواطنين، بالفترة الأولى على أقل تقدير، حيث سيكونون مجبرين على الاستعانة بخدمات شركتي الخليوي عبر حسابات الأقارب والمعارف، أو من خلال بعض المحال التي تقدم هذه الخدمات لقاء عمولات إضافية، باعتبارها الأسهل ضمن المتاح المحدود والضيق، مع ضمان اقتطاع العمولات لمصلحة هاتين الشركتين بشكل خاص!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1151