«دبروا حالكم...» ملخّص بيان رسمي حول حوامل الطاقة المخصصة للصناعة!

«دبروا حالكم...» ملخّص بيان رسمي حول حوامل الطاقة المخصصة للصناعة!

تزايدت معاناة الصناعيين خلال السنين الماضية من مشكلة تأمين حوامل الطاقة (الكهرباء والمشتقات النفطية)، بالكميات الكافية وبالسعر الاقتصادي، وبما يكفل الاستمرار بالإنتاج والعملية الإنتاجية في منشآتهم!

بالمقابل كانت الحكومة مصرة على سياساتها الكمية والتسعيرية لحوامل الطاقة المخصصة للصناعيين، وخاصة الطاقة الكهربائية، غير عابئة بما يترتب على ذلك من كوارث على الإنتاج والعملية الإنتاجية، وعلى الاقتصاد الوطني عموماً!

بيان التحلل من المسؤوليات!

ولتكريس هذا الجور والظلم تجاه الصناعة والإنتاج أصدرت وزارة الصناعة بتاريخ 9/4/2024 شبه بيان تتحلل خلاله من مسؤولياتها، ومن واجبات الحكومة تجاه الصناعة والصناعيين والعملية الإنتاجية، والأكثر من ذلك التجاهل التام لمطالب الصناعيين الموجهة للحكومة، ولوزارتي الكهرباء والصناعة مباشرة!
فالعبارة التي افتتحت وزارة الصناعة بيانها بها كانت الآتية: «إشارة إلى ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي فيما يخص واقع العمل في القطاع الصناعي بشكل عام وخاصة ما يتعلق بتأمين حوامل الطاقة للمشتركين الصناعيين...!
هذه العبارة الافتتاحية للبيان بحد ذاتها فيها تجاهل لمطالب الصناعيين المحقة، مع تقزيم مشكلتهم لتبدو كأنها من وحي خيال وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وليست من صلب واقع المعاناة المزمنة من حوامل الطاقة للقطاع الصناعي المنتج في البلاد دون حلول!
فخلال الفترة القريبة الماضية توجه الصناعيون، بشكل فردي وعبر غرف الصناعة واتحادها، للحكومة ولوزارة الكهرباء بمطالبهم من أجل تذليل صعوباتهم المتزايدة على مستوى تأمين حوامل الطاقة، مع إشارتهم إلى التكاليف المرتفعة التي يتحملونها لقاء الطاقة الكهربائية بشكل خاص، بأسعارها المرتفعة التي تزيد من كلف إنتاجهم، وصولاً إلى خسارتهم أسواق التصدير، ولخروج منشآتهم عن العمل، مع بيانات رقمية توضح أن السعر الرسمي للطاقة الكهربائية التي يتحملون تكاليفها المرتفعة تعتبر أعلى من الأسعار العالمية ومن الأسعار في دول الجوار!
لكن الحكومة كانت مصرة على موقفها، بما يخص سياساتها التسعيرية المتبعة لحوامل الطاقة، وللطاقة الكهربائية بشكل خاص!

المطالبة بالتعاون للقبول بالأمر الواقع!

وكذلك لم يغفل البيان كالعادة الغوص بالحديث عن الحرب والإرهاب والعقوبات، كذريعة رسمية للتهرب من المسؤوليات والواجبات، مع التضخيم المصطنع للدور الحكومي والإجراءات المتبعة من قبل الجهات الرسمية، طبعاً مع عبارة «وفق الموارد المتاحة» المعتادة، التي تغطي الكثير من عوامل التقصير واللا مبالاة والاستهتار والاستغلال والفساد!
الأكثر من ذلك أن وزارة الصناعة في بيانها طالبت بتعاون الصناعيين، على العكس من مطالب هؤلاء بتعاون الجهات الرسمية معهم ومع مطالبهم لتذليل صعوباتهم، التي لا تقف عند مشكلة توفير حوامل الطاقة فقط!
حيث ورد في البيان ما يلي: «وفي ضوء السعي الحكومي المتواصل لتأمين الطاقة الكهربائية وحوامل الطاقة للمدن والمناطق الصناعية... ووفقاً لكل هذه التدابير التي تقدمها الحكومة، يجب أن نلتمس تعاوناً مشتركاً من قبل جميع الأخوة الصناعيين ليكون هدفنا الأول في ظل هذه الظروف زيادة الإنتاج إلى أقصى طاقة متاحة في كل المنشآت الصناعية، الغذائية، الكيميائية، الهندسية والنسيجية وفي كل معمل وورشة للاستفادة من تلك الموارد المتاحة لتظهر النتائج الإيجابية لتلك التدابير وقطف ثمارها وتحقيق النتيجة المرجوة منها وتعم الفائدة على الجميع».
ولا أحد يعلم كيف ستتم زيادة الإنتاج إلى «أقصى طاقة متاحة»، في ظل الاستمرار بالنهج نفسه والأسلوب المتبع بما يخص توفير حوامل الطاقة، وهو العصب الرئيسي في الإنتاج والعملية الإنتاجية، كمّاً وسعراً، بالمقابل سيكون ذلك من خلال «الموارد المتاحة» وتكريس العجز الرسمي؟!
وكأن غاية البيان هي أن يصمت الصناعيون ويكفوا عن مطالبة الحكومة بتذليل صعوباتهم، مع قبولهم بالأمر الواقع المفروض عليهم بما يخص معاناتهم من مشكلة حوامل الطاقة!

دبروا حالكم!

بيان وزارة الصناعة المطوّل، الذي تبنته الحكومة وأوردته على صفحتها الرسمية، إنشائي في الشكل، فهو لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يقدم أي حلول لمشكلة توفير حوامل الطاقة للقطاع الصناعي كي تستمر العملية الإنتاجية فيه، وبجوهره، بالإضافة إلى مطالبة الصناعيين بالصمت والقبول بالأمر الواقع تحت عنوان «التعاون»، فهو يكرس نهج إبعاد الدولة عن جزء هام من مهامها وواجباتها تجاه الصناعة والإنتاج، وتجاه الاقتصاد الوطني!
فالرسالة الرسمية الواضحة للصناعيين من مضمون البيان وغايته تقول «دبروا حالكم»، فالحكومة مصرة على المضي بسياساتها، مهما كانت نتائجها على الصناعة والإنتاج، ولو كانت كارثية!

النتائج الوخيمة!

هذا النمط من الاستهتار الرسمي تجاه صعوبات ومعيقات عمل القطاع الصناعي، والإنتاج عموماً، بما يخص حوامل الطاقة ليس بجديد، وكذلك تكريس فرض لجوء هذا القطاع إلى البدائل المكلفة لحوامل الطاقة!
فمشاريع الطاقات المتجددة، على الرغم من كثرة التهليل لها، إلا أنها غير مجدية اقتصادياً بحال زيادة الاعتماد عليها في العملية الإنتاجية نظراً لتكاليفها المرتفعة، وعجزها عن إمكانية تغطية الاحتياجات الطاقية لاستمرار الإنتاج في المنشآت الصناعية، وكذلك الحال بالاعتماد على المشتقات النفطية المكلفة بمعزل عن الطاقة الكهربائية!
بالمقابل فإن الإصرار الرسمي على أسعار الطاقة الكهربائية المخصصة للقطاع الصناعي على ما هي عليه من ارتفاع، مع عدم انتظامها أو تكريس التقنين فيها، يعني بالمحصلة فرض زيادة التكاليف على الصناعيين، أي زيادة على أسعار منتجاتهم وسلعهم!
ومع ظروف الواقع الاقتصادي المعاشي المتردي فهذا يعني المزيد من تراجع معدلات الاستهلاك المحلي لهذه السلع والمنتجات، وكذلك فقدان تنافسيتها في أسواق التصدير، أي خسارة ما تؤمنه من قطع أجنبي، والنتيجة الحتمية من كل ما سبق هي وضع القطاع الصناعي «بخانة اليك»، مسجلاً المزيد من التراجع، والمزيد من خروج منشآته عن العمل تباعاً، وصولاً إلى توقفها جزءاً أو كلاً، وكل ما سبق معروف تماماً من قبل الحكومة والرسميين!
فالإصرار الرسمي على الاستمرار بالسياسات والنهج نفسه تجاه القطاع الصناعي والإنتاج، الذي لا تغلفه البيانات الإنشائية والذرائع المَسُوقة، مهما كانت، تجاوز حدود الاستهتار واللامبالاة، وكذلك تجاوز حدود سياسات تخفيض الإنفاق العام وسياسات تخفيض الدعم المتبعة، فهو إصرار معلن على المضي نحو استكمال إضعافه وتقويضه، ليس بالضد من مصلحة الصناعيين والمنتجين والمستهلكين فقط، بل وبالضد من المصلحة الاقتصادية للبلاد، والاقتصاد الوطني عموماً!
ولا أحد يعلم كيف ستقف الصناعة على أقدامها مجدداً، متجاوزة صعوباتها ومعيقاتها، مع الاستمرار بهذا النهج التدميري المعادي لمصلحة العباد والبلاد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1170
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 22:02