محصول الثوم... هل يعزف الفلاحون عن زراعته العام القام؟

محصول الثوم... هل يعزف الفلاحون عن زراعته العام القام؟

تزامناً مع بدء موسم حصاد محصول الثوم ظهرت التأرجحات والتباينات السعرية في الأسواق، بين ارتفاع غير منطقي إلى هبوط كبير ومن ثم ارتفاع طفيف!

وصل سعر الثوم في الأسواق مع نهاية فصل الشتاء إلى 125 ألف ليرة، وقارع خلال شهر رمضان سعر 140 ألف ليرة كسعر قياسي غير مسبوق، وهو سعر استغلالي مرتفع جداً، استفاد منه بعض حيتان السوق الذين خزنوه من الموسم الماضي، بعد أن اشتروه من الفلاحين بأبخس الأسعار، بالإضافة إلى حيتان الاستيراد!
مع بدء الموسم الجديد الأخضر وزيادة العرض هبط سعر الثوم في الأسواق مباشرة إلى حدود 10 آلاف ليرة، ثم وصل إلى 7000 ليرة، ثم بدأ يعاود الارتفاع مجدداً حسب النوعية ودرجة الجفاف!
هذه التذبذبات ما بين أسبوع وآخر، والهبوط الكبير من سعر 125 ألف إلى ما يقارب 7 آلاف ليرة، أثارت مخاوف الفلاحين الذين كانوا ينتظرون الموسم بفارغ الصبر بغية تعويض خسائر العام الفائت، عندما اضطر بعضهم لبيع محصولهم دون سعر التكلفة، والبعض الآخر لإتلافه!
كذلك الأمر بالنسبة للمستهلك الذي اعتراه الخوف من تكرار سيناريو العام الماضي وعجزه عن شراء الثوم، سواء بغاية الاستهلاك أو المونة.

السيناريو المتكرر!

المراقب لمشهد السوق يستطيع الجزم بعدم منطيقة الأحداث، فانهيار الأسعار على هذا النحو وخلال أسبوع واحد فقط، يشير دون أدنى شك إلى تلاعب مقصود واستغلال واضح!
لكن لصالح من، ومن المستفيد؟
دعونا نعيد سرد سيناريوهات الأحداث ليتضح المشهد السينمائي أكثر:
- مع نهاية فصل الشتاء، وقبل قدوم شهر رمضان الكريم وارتفاع معدلات الاستهلاك، ارتفع سعر الثوم ليقارب 145 ألف ليرة/كغ، أي بلغ سعر سن الثوم الواحد 2000 ليرة، والذريعة كانت قلة العرض مقابل زيادة الطلب.
- وافقت الحكومة على السماح باستيراد كمية 1000 طن من مادة الثوم، بغض النظر عن بلد المنشأ، على أن ترد الكمية خلال موعد أقصاه 45 يوماً من تاريخ صدور توصية اللجنة الاقتصادية، وكان ذلك بتاريخ 14/2/2024.
- تأخر صدور الموافقة الحكومية على الاستيراد، وسقف المهلة المحددة بشهر ونصف لوصول الكميات المستوردة، أتاح الفرصة لاستمرار الأسعار الاستغلالية حتى نهاية شهر رمضان.
- انتهى شهر الصيام والعيد وبدأت أسعار السلع بالانخفاض، عدا الثوم الذي قارب حينها 125 ألف ليرة سورية.
- استمر عرض وبيع الثوم المستورد في الأسواق تزامناً بدء حصاد موسم الثوم الحالي.
- الثوم المستورد جاف والجديد المحصود ما زال أخضر، والمنافسة السعرية في أسواق الاستهلاك كانت لصالح الناشف طبعاً، بما فيه المخزّن من الموسم الماضي الذي استمر عرضه بأسعار تقارب المستورد!
- انهارت أسعار الثوم مع بدء موسم الحصاد وزيادة كمياته، ووقع الفلاح بموسمه الجديد مجدداً تحت رحمة التجار المسيطرين على الأسواق الذين اشتروه بأقل من 5000 ليرة/كغ.
- تزايدت فرص التجار لشراء المحصول بأبخس الأسعار من الفلاحين للتخزين حالياً وإعادة طرحه لاحقاً بأسعار أعلى في الأسواق، أو من أجل التصدير كما جرى في الموسم الماضي.
- الأسعار الآن في السوق تتراوح بين 15-20 ألف ليرة/كغ، حسب النوع والجودة ودرجة الجفاف.
- فرصة التمون بالثوم وفقاً للأسعار أعلاه تضاءلت بالنسبة للمواطنين.
هذا السيناريو المكرر كل عام لم تتغير مفرداته وحيثياته، والمستفيدون منه هم حيتان أسواق الهال والمستوردون والمصدرون، على حساب الفلاحين والمستهلكين، مع رعاية رسمية تتمثل بمواعيد صدور الموافقات الحكومية على عمليات استيراد المادة وتصديرها بما يتوافق مع مصالح هؤلاء الحيتان كالعادة!

أرباح طائلة VS خسائر فادحة!

حسب تصريحات مدير زراعة حماة أشرف باكير فإنه تم زراعة 247 هكتاراً من الأراضي التي أنتجت 4240 طناً من مادة الثوم، ومنه فإن الهكتار الواحد ينتج وسطياً 17 طناً من المادة!
بالنسبة للفلاحين فإن تكلفة إنتاج الكيلو للموسم الحالي تقدر وسطياً بمبلغ 3500 ليرة، وذلك بحسب حديث بعضهم، ويبيعون الكيلو بما يقارب 5000 ليرة للتجار، على ذلك فإن ما يحققه الفلاح من كل كيلو وسطياً هو مبلغ 1500 ليرة بالحد الأعلى، لم يدخل فيها حساب تعبه ومجهوده وريع الأرض، مع العلم أن مدة الموسم من بدء الزراعة إلى بدء الحصاد هي 6 أشهر!
فإذا كان وسطي إنتاج الفلاح من أرضه 5 أطنان من الثوم خلال الموسم، فإن ذلك يعني عائداً بحدود 7,5 ملايين ليرة فقط، أي ما يعادل 1,250,000 ليرة شهرياً، وهو مبلغ لا يعادل تعبه ومجهوده، كما أنه لا يغطي الحدود الدنيا من تكاليف معيشته مع أفراد أسرته!
وبمقارنة عائد موسم الثوم مع عائدات غيره من المواسم الزراعية الأخرى فإن الفلاحين سيعزفون عن زراعة الثوم للموسم القادم، ويستبدلونه بغيره من المحاصيل ذات الجدوى الاقتصادية الأفضل بالنسبة إليهم!
مقابل ذلك فإن التاجر يشتري الكيلو بسعر 5,000 ليرة من الفلاح، ويبيعه وسطياً الآن بسعر 10,000 ليرة، وبحال تم اقتطاع 2000 ليرة كتكاليف عن كل كيلو بين نقل وتحميل وتنزيل، فإن وسطي ربح التاجر من كل كيلو يقارب 3000 ليرة، وكمية 5 أطنان تحقق أرباح صافية تقارب 15 مليون ليرة، وهي أرباح سريعة وآنية، أما بحال التخزين لطرح المادة لاحقاً فإن الأرباح تتضاعف!
لا شك أنه لا يمكن المقارنة بين ما يحققه الفلاح من عائدات بما يعادل مليون ليرة وسطياً، لا تغطي لا تعبه ولا تكليف معيشته، مع ما يحققه التاجر من عائدات بمبلغ 15 مليون ليرة كأرباح سريعة وصافية ودون تعب!
وكما هو متعارف فلكل منطقة تجارها المعدودون والمحسوبون، فمحصول حماة والبالغ 4240 طن بحسب التصريح أعلاه سينفرد تجارها بكمية 4000 طن منه على أقل تقدير، محققين أرباحاً صافية وسهلة وسريعة منه تقارب 12 مليار ليرة، قد تتضاعف بحال التخزين للطرح لاحقاً عند قلة العرض في السوق، أو بحال الموافقة على التصدير!

تصريحات فاقعة واتهام مشين!

العجيب والمشين بعد كل ما سبق هو اتهام الفلاح بالاحتكار!
حيث صرح رئيس مكتب التسويق في الاتحاد العام للفلاحين أحمد هلال الخلف لصحيفة الوطن الأسبوع الماضي «أن حالة انخفاض سعر الثوم منذ نحو أسبوعين لم تعجب الفلاحين، لذلك لجأوا نتيجة ذلك إلى تخزين الثوم في مستودعاتهم!»
فهل يعقل هذا الاتهام التبسيطي... مستودعات وتخزين وفلاح!! شيء مضحك فعلاً!
فلا ندري من هو ذلك الفلاح الذي يملك مستودعات للتخزين؟!
فالتخزين بالمستودعات يحتاج إلى مساحات واسعة وظروف مناسبة للتخزين، وهي موجودة فقط لدى بعض التجار الكبار!
فهذا النمط من الاتهام لا يمكن تبريره إلا من بوابة إبعاد الشبهات عن كبار التجار، وهو ما لا يجب أن يكون من الأدوار المفترضة للاتحاد العام للفلاحين!
وفي تتمة التصريح المنقول عن لسان رئيس مكتب التسويق في الاتحاد العام للفلاحين، حول إنتاج الثوم في هذا الموسم، أنه «يعتبر عالياً، فقد ازداد بنسبة تجاوزت الـ20% عن العام الماضي... ولم يتم تصدير ولو كيلو غرام واحد منه هذا العام، وليست هناك نية لتصديره. ولا خوف على الثوم، فهو متوافر وبكثرة ولن تتكرر حالة العام الماضي ويرتفع سعره لأرقام كبيرة».
التصريح بأن هناك زيادة في الإنتاج بنسبة 20% عن العام الماضي، وعلى الرغم من نفي نوايا التصدير، إلا أنه قد يكون بوابة لتبرير الموافقة على التصدير لاحقاً بذريعة الفائض كالعادة!
فمضمون التصريح أعلاه يتطابق مع سيناريو أزمة الثوم نتيجة تصديره في العام الفائت، حيث نشرت صحيفة «الوطن» ذاتها بحينه خبراً يقول بأن «تجار سوق الهال في دمشق طالبوا بالسماح لهم بتصدير الثوم إلى الخارج، بذريعة وجود فائض كبير من المادة في الأسواق وهي مهددة بتعرضها للتلف».
وكانت تلك المطالبات بمثابة مقدّمة لقرار صدر بعد عدة أيام أتاحت فيه الحكومة تصدير مادة الثوم، مما تسبب بظهور أزمة ترافقت مع أزمة تصدير مادة البصل التي سبقتها بوقت قصير، وارتفاع سعر المادتين إلى أضعاف مضاعفة في الأسواق!
بالنتيجة وبعد أن تمت السيطرة على غالبية الإنتاج من قبل حيتان النهب، على حساب الفلاح بسعر بخس، وعلى حساب المستهلك بالسعر المرتفع الذي وصل إليه، فسواء تم تصدير المادة أم لا فالغاية حُقِقَت، وتم وبنجاح منقطع النظير ضرب مصلحة الفلاح والإنتاج الزراعي، وتحويل محصول آخر نحو المشرحة الحكومية، وتم كذلك الإضرار بمصلحة المستهلكين واحتياجاتهم لمصلحة حيتان السوق وداعميهم!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1173
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 19:22