الثورة اليمنية وفكَّا الكماشة
جبران الجابر جبران الجابر

الثورة اليمنية وفكَّا الكماشة


◄ جبران الجابر

ثوار اليمن يواصلون احتجاجاتهم وتظاهراتهم السلمية، وقد رفضوا المبادرة الخليجية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، واعتبروها حيلة سياسية لا تقدم ولا تؤخر شيئاً.

نهض الشعب اليمني ولخص مطالبه بإنهاء الشكل الدكتاتوري لتأدية السلطة السياسية واستوعب من الوقائع والممارسات أن النظام التسلطي الذي أعدم الحريات السياسية لا يمكنه أن يحافظ على وحدة اليمن وهو عاجز عن معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف باليمن، ناهيك عن كرامة المواطن وحقوقه.

أشهر والثورة مستمرة، مؤكدة أنه من غير العقلاني تجاهل مطالب الثوار، واستوعبت السعودية والولايات المتحدة أنه من غير الممكن الاستمرار بالأهداف والتوجهات الإستراتيجية، من جهة، والحفاظ على رئيس اليمن في موقعه، من جهة أخرى. فكانت المبادرة الخليجية التي اعتمدت على محدودية المعالجة وحصرها بشكلانية تنحية الرئيس اليمني وتسليم نائبه مهام وصلاحيات الرئيس و«كفى الله المؤمنين شرَّ القتال».

جاءت «المبادرة» الخليجية بلبوس الاستجابة لمطالب الثوار، ولكنها دست السم بالدسم ولا تتعدى في وقائعها الملموسة إلا وضع الرئيس اليمني خلف ستارة، فهي تحافظ على استمرارية المسؤولين كافة الذين يمسكون بمفاصل الأجهزة الأمنية والجيش والدوائر، كما أنها تحافظ في أبعادها الحقيقية على استمرارية دور الحزب الواحد في بناء وتكوين المؤسسات والدوائر، وظلت بطانة علي عبد الله صالح في مواقعها ممسكة بقيادة الأجهزة التي استمرت في مهامها وفي إستراتيجية تصفية الثورة.

إن صراعاً سياسياً بشكل آخر يسجل وقائعه اليومية، فرجالات علي عبد الله صالح وأولاده واقاربه لم يفهموا من المبادرة إلا إنهاء الثورة وإيقاف سلسلة مطالبها عبر إجهاضها شيئاً فشيئاً، وتخريب صفوفها وبعثرة قواها، وقد لبت المبادرة الخليجية ذلك بوصفة المناصفة في تكوين الوزارة وأن يكون رئيس الوزراء من الأحزاب المعارضة، وكانت الخدعة الأخرى هي تسليم وزارة الداخلية للمعارضة، وهي بذلك وجدت مرتكزاً متعدد المهام، فمن جهة أرادوا دق أسافين الخلاف والنزاع بين الثوار من جهة، وأحزاب المعارضة التقليدية من جهة أخرى. ولا يغيب عن الذهن أن وزارة الداخلية في ظروف اليمن هي في قبضة مؤيدي علي عبد الله صالح، وهم القوة التي تتحكم بمكونات تلك الوزارة بما فيها أجهزة الأمن اليمنية. ومن الطبيعي فإن وزير الداخلية سيتحمل المسؤولية عن أعمال وتصرفات أجهزة الأمن.

جاءت «المبادرة» الخليجية حبكة متعددة المرامي، فظلت المدافع تقصف الثوار والمدن، ويأتي ذلك مترافقاً مع المساعي السعودية المحمومة التي تبذل جهوداً يومية في صفوف القبائل المؤيدة للثورة، ويذهب جهدها أيضاً في تسعير الخلافات الداخلية وتغذية الصدامات المسلحة.

إن إرباك الوضع الداخلي اليمني وزيادة مشكلاته الداخلية وتنويعها في ظروف تفاقم الوضع الاقتصادي وانتشار الجوع والبطالة يراد لها أن تتحول من مطالب ثورية إلى معضلات تبدد قوى الثورة وتشتتها وتصرف قطاعات جماهيرية واسعة عنها.

وهكذا فالثورة اليمنية وضعتها السعودية وإدارة أوباما بين فكي كماشة أحدهما نيران المدافع والبنادق، والآخر نيران الجوع والأزمات الداخلية.

وإذا كانت الثورة والأحزاب المعارضة، كما يبدو، تنحو باتجاه متعدد الجوانب، إلا أن تلاحم تلك الجوانب ليس مضموناً وهو ما تعول عليه السعودية، وطبيعي القول إن مشاركة أحزاب المعارضة في الحكم خطوة معقدة، فهي قد ترمي إلى تفكيك النظام على مراحل تجنباً للسقوط في فخ الحرب الأهلية، ناهيك عن أن التعقيدات تضمن إنبات وتطوير خلافات جدية بين شباب الثورة وأحزاب المعارضة التي لا تخلو صفوفها من آراء تريد أن ينصرف الشباب عن المظاهرات والاحتجاجات وترى أن الوضع الكارثي يدفع نحو توجهات جديدة حفاظاً على استمرار الدولة وتجنب انهيارها وتفكيك اليمن واقتسامه قبلياً.

لا تريد السعودية وإدارة أوباما ثورة في اليمن، وأصبحت استراتيجيتها إجهاض الثورة، رغم أن المطالب الأساسية للثوار لا تخرج عن نطاق جمهورية ديمقراطية برجوازية. إن السعودية مستعدة لأن تضحي بوحدة اليمن عبر إجهاض ثورته فذلك يمكن الحكم الملكي السعودي في منطقة الخليج ويسهم بوضع حد لمطالب البحرانيين ويشدد من قبضة السعودية والولايات المتحدة على منطقة الخليج ويريح السعودية داخلياً.

إن مؤشرات هامة تدل على أن ثوار اليمن يعون ما ترمي إليه السعودية، وقد اشتد التلاحم بين جنوب اليمن وشماله، وتراجعت أنشطة كانت ترى خلاص الجنوب اليمني في انفصاله عن سلطة علي عبد صالح، وتظهر ميول جدية لاستنهاض وطني واسع من شأنه رص الصفوف الوطنية وإفشال مآرب السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وتبذل جهود لمعالجة الخلافات والصراع بين الحوثيين والسلفيين. وتظهر في صفوف الحزب الحاكم قوى ذات توجهات إيجابية تريد فعلياً تأمين الحريات الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية وتداول السلطة ناهيك عن قوى خيرة ووطنية في الجيش تعرف جيداً طريق خلاص اليمن وإنقاذه.