الجيش الأمريكي يتسارع نحو الداخل
يزن بوظو يزن بوظو

الجيش الأمريكي يتسارع نحو الداخل

إن مأزق الولايات المتحدة اليوم، وهي على مشارف انفجار الأزمة المالية، قد وضع المنظومة الأمريكية بموقعٍ خطر، على المستويين الخارجي والداخلي، لكن وبالنسبة لأيّة دولة في الترجيح بين الأمرين، فإن خطر الداخل أولى بالمواجهة والضبط بطبيعة الحال... وعليه، فإن الجيش الأمريكي المنتشر طولاً وعرضاً خارج البلاد قد تسرّعت عملية «انكفائه نحو الداخل» وربما أيضاً تمهيداً لتأدية مهام أكثر أولوية بالنسبة للادارة الامريكية.

إثر حرب النفط، وانهيار البورصات، وكوفيد-19، مع ما صاحب كل ذلك من فشل المنظومة الصحية في الداخل، وفشل في المواقف الخارجية، وارتفاع معدلات البطالة بشكلٍ مهول، بالإضافة إلى التشرّد والجوع، وكل هذا قبل انفجار الأزمة الحقيقية عملياً، يُنذر بنشوء انفجار شعبي كبير في الداخل الأمريكي، وبمختلف الولايات، حيث أن مؤشراتها تظهر الآن في إضرابات وتظاهرات جزئية هنا وهناك... ومع حالة الضعف الأمريكية وعجزها والاستحقاقات الكبيرة فيها داخلياً، فإن وسائل القمع «الديمقراطية» لم تعد تفعل فعلها، وهو ما يتطلب أساليب مباشرة لضبط الأوضاع الداخلية وقمع أيّة احتمالات كهذه تحت غطاء مكافحة الوباء الفيروسي.

 

تعداد القوات الأمريكية وانسحاباتها

بحسب مركز الأبحاث الاستراتيجية الدولي، يبلغ عدد القوات الفاعلة الأمريكية الكُلي 1.3 مليون، أكثر من 200 ألف منهم منتشرين خارج الولايات المتحدة الأمريكية.

نقاط انتشار القوات الأمريكية في الخارج - عام 2017

 

منذ أن بدأت الأحداث الاخيرة المتعلقة بالنفط وكوفيد-19، جرت عدة عمليات انسحاب كاملة للقوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، بشكل متسارع، بالإضافة إلى تخفيض العدد في عدة قواعد ونقاط عسكرية أخرى بما فيها المتواجدة في أوروبا مع حلف الناتو، فمن جهة كان الضجيج حول الوباء العالمي غطاءً لإنجاز عدد من الانسحابات بأقل قدر ممكن من ردود الفعل وتأثيراته ضمن الرأي العام، ومن جهة الثانية فإن الحاجة الأمريكية لهذه القوات داخلياً باتت أكبر من مهامها الخارجية.

 

إصابات داخل الجيش

بالإضافة إلى ذلك، فقد أتاح - الفشل الأمريكي - للفيروس باختراق صفوف قواته، مؤدياً لإصابة ما يزيد عن 600 جندياً منه، ووفاة واحد منه حتى الآن.

وقد أكدت الخدمة الصحفية للقوات الجوية الأمريكية إصابة أكثر من 100 من الطيارين، و78 من أفراد عائلاتهم وموظفي الخدمة المدنية المتعاملين مع القوات الجوية.

وأُعلن عن وجود تفشٍ في حاملتي طائرات «يو إس إس رونالد ريغان» و«يو إس إس ثيودور روزفيلت» ووجود 155 إصابة في روزفلت وحدها، وقد أقالت البحرية الأمريكية قائد حاملة الطائرات الأخيرة بسبب «رسالة شديدة اللهجة» حسب وصفهم، قام قائد الحاملة، بريت كروزييه، بإرسالها إلى البنتاغون مطالباً إياهم باتخاذ الاجراءات الضرورية للحفاظ على حياة الجنود، منتقداً بذلك سلوك الإدارة اتجاه هذا الأمر.

وقد قامت البحرية الأمريكية بسحب الحاملة نحو جزيرة غوام وإجلاء آلاف البحارة منها، بالإضافة إلى صرف آلاف من الكوريين الجنوبيين الذين يعملون في معسكرات القوات الأمريكية المتمركزة في كوريا الجنوبية بـ«إجازة غير مدفوعة الأجر» إلى أجل غير مسمى، بعد خلاف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية حول اتفاقية التدابير الخاصة المتعلقة بتقاسم تكاليف الدفاع بين حكومتي البلدين.

ولم ينج العسكريون الأمريكيون الموجودون في أوروبا أيضاً، حيث تم وضع القائد كريستوفار كافولي، مع عدد من الضباط الآخرين في الحجر بعد اشتباههم بالإصابة.

 

الوضع في الداخل

لقد تحوّلت نيويورك إلى بؤرة الوباء الفيروسي وتتضاعف أعداد المصابين فيها بشكل متسارع، حيث تجاوزت وحدها 114 ألف إصابة حتى تاريخ هذا المقال، وقد طالب عمدة المدينة، بيل دي بلاسيو، مراراً بدخول القوات العسكرية الأمريكية تحديداً لتعويله عليها بإدارة وضبط هذه الأزمة.

وقد بلغ تعداد العاطلين عن العمل 6.65 مليون في نهاية الشهر الماضي مع توقعات بمضاعفته. وقامت إضرابات وتظاهرات عمالية لشركات كبرى كآمازون وانستاكارت وجنرال الكترك، لن تقف حدودها هنا.

ورغم الظرف الصحي الناشئ، لم تتخذ الادارة الأمريكية أي اجراء يؤمن اجازات مدفوعة الأجر لأولك المصابين او ممن يشتبه باصابتهم، بالاضافة لافتقار المستشفيات والمراكز الطبية ومراكز الرعاية الصحية إلى الأدوات الطبية الضرورية لمواجهة المرض، وعلى رأسها «أجهزة التنفس الاصطناعي» مما دفع إدارة هذه النقاط إلى البدء بالعمل وفقاً لقانون الغابة «البقاء للأقوى» مع فارق أن الإدارة الأمريكية هي من تحدد من يصلح للعيش أو لا، لتقرر من يحصل على «المنفسة» ومن يترك ليموت.

وحتى اللحظة شكل الجيش الأمريكي 15 فريقاً باسم «فرق العمل الطبية للمناطق المدنية» بتعداد 10 آلاف شخص، وخصصت البحرية عدداً من المرافق الطبية لهذا الأمر، وقد أكد البنتاغون يوم الجمعة عن انتشار قوات إضافية في نيويورك وعدد من المدن الأخرى، وجود القوات العسكرية الأمريكية في المدن مع ترقب لانفجارات شعبية قد يضع مهام جديدة على عاتق القوات العسكرية، فقمع ملايين الفقراء والعاطلين عن العمل ليس عملاً تستطيع إنجازه الأجهزة التقليدية.

 

خطى استباقية؟

إن موضوعة احتمال حصول انفجارٍ اجتماعي مع تصاعد الأزمة المالية والاقتصادية الأمريكية، بالتوازي مع هزائمها عالمياً وضعف مواقعها، يشكل تهديداً لم يسبق له مثيل على النخبة الحاكمة، فحجم الأزمة الناشئة سيقابله حجم انفجار أيضاً... كل هذه العوامل قد سرّعت من استعادة القوات العسكرية الأمريكية الموجودة في الخارج نحو الداخل، لكن نشرها الآن في المدن بهذا الشكل، قد يكون خطوة مواجهة استباقية بين الدولة الأمريكية ومواطنيها من جهة، ومن جهة أخرى قد يكون عاملاً لحسم حالة الانقسام الموجودة داخل هذه النخبة بالشكل القمعي المباشر وإنجاز آخر الخطى لصالح تيار الانكفاء.

إن هذه الإجراءات تعني تحولاً تدريجياً الآن إلى نموذج دولة قمعية بالشكل العلني، ومع عدم وجود مخارج لهذه الاستعصاءات، فقد يتزايد ويكبر نشاط الجيش الأمريكي في الداخل في محاولة لإعاقة عملية التحول الداخلي القادمة لا محالة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
960
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 14:56