المغرب وموجة تصعيد جديدة في ملف «الصحراء الغربية»

المغرب وموجة تصعيد جديدة في ملف «الصحراء الغربية»

تتسارع الأحداث المرتبطة بملف «الصحراء الغربية»، فبعد إعلان الولايات المتحدة– وخلافاً لقرارات مجلس الأمن– الاعتراف بمغربية الصحراء، عاد الملف العالق منذ عقود ليشهد نشاطاً مرتفعاً، وليتحول الملف الخامد إلى خزان بارود يمكن أن يشعل المغرب العربي بحرب جديدة ستكون آثارها أشد كارثية من حربٍ سبقتها امتدت لأكثر من 15 عاماً.

سعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أيامها الأخيرة إلى إيجاد مناخٍ مواتٍ للكيان الصهيوني يسمح له بالبقاء لأطول فترة ممكنة في بيئة خالية من الوجود الأمريكي المباشر، وجرى ذلك عبر جملة من اتفاقات هشة لتطبيع علاقات الكيان مع عدد من دول المنطقة العربية بشكل خاص، وسعت إدارة ترامب وفي استمرارٍ غير منقطع مع كل الإدارات السابقة إلى إشعال المنطقة، عبر إعادة تحريك كل الملفات والمشاكل العالقة، لا أملاً في حلّها، وإنما أملاً في تحويلها مجتمعة إلى ما يشبه حرباً عالمية مصغرة من نوعٍ خاص، ينشغل فيها كلُّ منافسي الولايات المتحدة، وتشكل تنفيساً مفترضاً لرئة الرأسمالية الصدئة.

الواقع العنيد

لا تختلف اتفاقية تطبيع العلاقات بين المملكة المغربية والكيان الصهيوني عمّا ذكرناه سابقاً، فنظرياً وافق المغرب إعلان تطبيع علاقاته مع الكيان بمقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على الصحراء المتنازع عليها منذ عقود، وعلى الرغم من كل الضخ الذي رافق الإعلان الأمريكي الرسمي، جرى التعتيم على حقيقة أن الأمور لن تسير بالشكل البسيط المفترض، وهذا ما يدركه الجميع، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، مما جعل «الثمن» الذي قبضه النظام المغربي لقاء خدماته في مهب الريح حقاً، فالقرار الأمريكي جاء أولاً: مخالفاً لقرارات مجلس الأمن، أي أنه قرارٌ غير شرعي من وجهة نظر المجتمع الدولي، مما يدعنا أمام احتمالين: إما أن تخرج الولايات المتحدة والمملكة المغربية عن الشرعية الدولية ويتحملان تبعات ذلك، وإما أن يُعاد فتح الملف في مجلس الأمن، أملاً في قرارٍ مختلف، وهو ما لقي معارضة مباشرة من أعضاء دائمين في مجلس الأمن. والجانب الخطر الآخر في هذه القضية هو وجود الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب «البوليساريو»، التي كانت مستعدة للقتال عن الصحراء لعقود مضت، وحشدت حولها حلفاء إقليميين ودوليين أقربهم الجزائر التي تشترك بحدود مع الصحراء، والتي أبدت استعدادها لخوض القتال من جديد إذا لزم الأمر. كلُّ هذا شكّل أرضية هشة لبناء توجّه مختلف حول قضية الصحراء.

يضاف إلى كلّ ما سبق أن إشارات باتت تصدر من الولايات المتحدة مع نهاية ولاية ترامب واستلام جو بايدن للرئاسة، فيبدو أن أطرافاً ضمن إدارة هذا الأخير لا ترى قرار ترامب صائباً، وبدأت التصريحات المتفرقة التي تؤشر إلى احتمال سحب الاعتراف الأمريكي، وعلى الرغم من أن قراراً جديداً لم يصدر بعد، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أكد أن جملة من الملفات تخضع للمراجعة، ومن ضمنها ملف الصحراء المغربية، وهذا ما أكده القائم بأعمال السفارة الأمريكية في إسبانيا، وأشار إلى أن إعادة التقييم لا تزال جارية.

تصعيد وجلسة مرتقبة في مجلس الأمن

في الجانب العسكري، يجرى تداول أنباء تفيد بقيام الجيش المغربي بتنفيذ عملية باستخدام طائرات مسيرة نتج عنها مقتل قيادي بارز في جبهة البولساريو، وقد أوردت وكالة أنباء تابعة للجبهة خبراً حول الحادثة لتتم إزالته في وقت لاحق، حسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية في 8 من شهر نيسان الجاري، وعلى الرغم من أن الأنباء متضاربة حول الموضوع إلّا أن تصعيداً عسكرياً يلوح في الأفق. وتترافق الأعمال العسكرية الجارية مع تحركات في مجلس الأمن، الذي سيعقد جلسة في 21 من شهر نيسان الجاري، ومن المقرر أن تناقش الجلسة مسألة تعثر تعيين مبعوث دولي جديد، بالإضافة إلى بحث آخر التطورات في المسألة.

ومن جانب آخر، ضجت وسائل الإعلام بالأنباء التي تفيد بقيام حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفتح فرعٍ له في مدينة الداخلة، ثاني أكبر مدن الصحراء المغربية، وعلى الرغم من أن خطوة حزب «الجمهورية إلى الأمام» الفرنسي لا تتناقض مع الموقف الفرنسي شبه الرسمي، والمعلن منذ 2007، القائم على تأييد المبادرة المغربية التي تطرح بسط سيطرتها على الصحراء الغربية مع إعطائها الحكم الذاتي، إلّا أن خطوة الحزب الفرنسي قد تترافق مع تحرك في مجلس الأمن في محاولة لاستصدار قرارٍ جديد في مجلس الأمن، إلا أن حظوظ هذه الخطوة محدودة هي الأخرى، فروسيا تعلن صراحة تمسكها بالقرارات الصادرة، وتتصرف الجزائر على هذا الأساس أيضاً، فترفض التفاوض مع المغرب على هذا الأساس، مما يفتح المجال مجدداً لتجاذبات في مجلس الأمن، قد تنتهي باستخدام حق الفيتو بوجه قرارٍ جديد، بالإضافة إلى أن الموقف الأوروبي لا يتفق مع التوجه الفرنسي الأخير، مما سيزيد من تعقيد العلاقات داخل الاتحاد الأوروبي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1014