الصين … تدفع ملف المصالحة الفلسطينية

الصين … تدفع ملف المصالحة الفلسطينية

تشير آخر التقارير والتصريحات الرسمية أن بكين مشت خطوة جديدة وطموحة في الملف الفلسطيني، إذ استضافت العاصمة الصينية - ودون الكثير من الضجّة الإعلامية - اجتماعاً لحركة «فتح» و«حماس»، الخطوة التي قد يراها البعض حدثاً اعتيادياً تؤكد مجدداً على الاستراتيجية الصينية في المنطقة، وتنبئ بأن روسيا والصين تتجهّزان لمرحلة قادمة في الشرق الأوسط.

لم نقرأ في الصحافة حول عزم الصين استضافة لقاء للفصائل الفلسطينية على أراضيها، لكن أنباء عن هذا اللقاء بدأت تظهر في الإعلام في أواخر الأسبوع الماضي، لتنقل وكالة رويترز وجريدة عرب نيوز أن التحضيرات لهذا اللقاء تمّت بالفعل وأن بكين تنوي بدء محادثات مع حركة فتح وحماس يوم الجمعة 26 نيسان الجاري وأن مندوبَين عنهما وصلا فعلاً إلى بكين.

ما سر هذا التكتّم؟

الموقف الغربي يسوده ارتباك ملحوظ، فالتصريحات الرسمية الصينية تبدو شديدة الاقتضاب، إذ لم تنقل وكالات الأنباء تأكيداً رسمياً من الجانب الصيني، بل اكتفى المتحدث باسم الخارجية، وانغ ون، وخلال مؤتمره الصحفي الاعتيادي بالإجابة عن أحد أسئلة الصحفيين حول هذا الموضوع، وقال في يوم الجمعة 26 نيسان: «إن الصين تدعم تعزيز سلطة السلطة الفلسطينية، وتدعم جميع الفصائل الفلسطينية في تحقيق المصالحة وتعزيز التضامن من خلال الحوار والتشاور».
التقرير الأساسي الذي نشرته رويترز يوّضح أن المعلومات التي تملكها الوكالة الغربية محدودة بالفعل، وتظهر معظم المعلومات غامضة وغير مكتملة، ما يعيد إلى الأذهان الخطوة الصينية السابقة في استعادة العلاقات بين السعودية وإيران، فالضجّة الإعلامية المرافقة لأحداث من هذا النوع تلعب دوراً تخريبياً في كثير من الأحيان وتزيد من شحن الأجواء، في الوقت الذي يعمل الدبلوماسيون الصينيون بشكل مختلف وبعيداً عن الأضواء إلى حدٍ كبير بهدف الوصول إلى نتائج ملموسة، اللقاء الذي أكد انعقاده بعض القياديين الفلسطينيين هو بلا شك نقطة تحوّل جديدة ترتبط تحديداً بالاستراتيجية الروسية والصينية في عدد من ملفات الشرق الأوسط وملف القضية الفلسطينية ضمناً.

عن الموقف الصيني

لا يحاول هذا المقال تضخيم اللقاء أو نتائجه غير المعلنة بعد، بل على العكس تماماً، فمجرّد انعقاد اجتماع من هذا النوع ولأول مرّة في الصين هو إعلان سياسي مفاده أن القيادة الصينية ترى أنّها قادرة على أداء دور أكبر في واحدة من أكثر القضايا المحورية في الملف الفلسطيني، وهي المصالحة الفلسطينية، مع العلم أن محاولات من هذا النوع قائمة بالفعل وكان أبرزها لقاء استضافته موسكو لنفس الغرض، فما الهدف الصيني إذاً من هذه الخطوة؟
كان مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف التقى في قطر في تشرين الأول الماضي مع المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط، تشاي جون، وأكد الطرفان في حينه أن كلا البلدين يتمسّكان بالمواقف ذاتها حيال حل القضية الفلسطينية.
وكثّف وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في شهر كانون الثاني من العام الجاري موقف بلاده في هذا الملف الساخن، وعبّر بعد لقائه مع نظيره المصري، أن بكين تدعو إلى عقد مؤتمر سلام دولي، بهدف صياغة خارطة طريق تفضي إلى تطبيق «حل الدولتين»، واقترح وانغ أربع نقاط بعد الإنفجار الأخير في المنطقة، تشير إلى ضرورة «إنهاء الصراع في غزة في أقرب وقت ممكن» وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وتسهيل إدخال المساعدات الدولية، بالإضافة إلى الاحترام الكامل لإرادة الشعب الفلسطيني فيما يخص مستقبل غزّة، أما النقطة الرابعة فتركز على «حل الدولتين» باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق التسوية العادلة للقضية الفلسطينية.

ماذا عن هذه الخطوة؟

نجحت روسيا في دفع ملف المصالحة الفلسطينية خطوة إلى الأمام، وتحديداً فيما يخص الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وإعلان الفصائل أن المنظمة ستكون الإطار الجامع لجميع المكونات السياسية الفلسطينية، وفي هذا السياق كان القيادي في «حماس» خليل الحية، قد قال في تصريحات له، يوم الخميس 25 نيسان (أي قبل الموعد المتداول لاجتماع بكين بيوم): «إن الحركة ستقبل بدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرارات الدولية على حدود [إسرائيل] ما قبل عام 1967». مؤكّداً في الوقت نفسه أن «حماس» تريد الإنضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية. هذا بالإضافة إلى تأكيده أن «الحركة مستعدة لإلقاء السلاح والتحوّل إلى حزب سياسي في حال إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967» مشيراً إلى أن تاريخ الحركات المشابهة تؤكد إمكانية انضمام مقاتلي المقاومة إلى الجيش الوطني الفلسطيني في هذه الحالة.
هذه الحقائق تثبت الخطوط العريضة في ملف المصالحة الفلسطينية، ورغم أن الاتفاق عليها لا يعني بالضرورة إنهاء انقسام الفصائل، إلا أنّه مسعى جدي في هذا السياق، وإن كانت أحاديث كهذه تبدو أقل من المطلوب بالنسبة لشارع عريض من مناصري وأصحاب القضية، إلاّ أنّها في الواقع مسألة حيوية في دفع الملف الفلسطيني، فمنظمة التحرير تعتبر قانونياً الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولكن فصائل أساسية كانت خارجها ما أضعف التمثيل الفلسطيني وأعطى ذرائع جديدة للغربيين لتجميد الملف.

حضور مدروس

التطورات الأخيرة التي شهدتها الأراضي المحتلة ترافقت مع نشاط أمريكي عالٍ في منطقتنا، فمنذ الأيام القليلة التي تلت عملية طوفان الأقصى بدأ المسؤولون الأمريكيون سلسلة تحركات كثيفة شملت زيارات لكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين كان أولهم الرئيس الأمريكي جو بايدن وكبار العسكريين في إدارته ومستشار الأمن القومي بالإضافة إلى الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية. وكانت البعثة الدبلوماسية الأمريكية في الأمم المتحدة تعمل بنشاطٍ عالٍ أيضاً، هذا بالإضافة إلى دور مباشر في دعم وإمداد جيش الاحتلال في عدوانه.
في الوقت ذاته، قد يبدو الدور الروسي والصيني كما لو أنّه منخفض الفعالية، لكن التدقيق في طبيعة تحركات القوى الدولية تظهر أن خطوات موسكو وبكين ركّزت منذ اللحظات الأولى على مهاجمة الدور الأمريكي واحتكار واشنطن إدارة هذه الملفات، ومن جهة أخرى أظهرت روسيا والصين استجابات سريعة عند الضرورة وتحديداً في المسائل العسكرية الحساسة وحرّكت جيوش البلدين قطعها العسكرية بفاعلية ثبّتت الأوزان بوضوح، هذا بالإضافة إلى عرقلة التحركات الأمريكية والغربية في مجلس الأمن.

بعد استعادة العلاقات السعودية الإيرانية وغيرها من الأحداث السياسية المشابهة كانت المنطقة أكثر مرونة أمام الصدمات الأمريكية، وهو ما يفسر الهدوء الروسي والصيني، لكن ومع تقلّص الخيارات أمام واشنطن باتت الساحة مواتية لتوجيه الضربات وتحديداً في المسائل المفتاحية، فإن كانت واشنطن قد فشلت في التقدم بحل القضية الفلسطينية طوال عقود ومنعت الوصول إلى وقف لإطلاق النار، ووترت الأجواء في كامل المنطقة وفي كل الممرات التجارية الأساسية فالوقت قد حان لتحرك مضاد وواسع، قائم على أعلى مستوى من التوافق بين دول المنطقة ما يسمح بخلق جو ملائم وينشّط كل قنوات الاتصال مما سيسهم في إعادة صياغة للمصالح المشتركة لهذه الدولة مع روسيا والصين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1172
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 17:15