قضايا الشرق ... الجمهور واللاعبون

قضايا الشرق ... الجمهور واللاعبون

يكاد يستحيل في بعض الأحيان تتبع فكرة ما، من أين نشأت؟ وكيف تطورت؟ وما سر تبنيها من شرائح واسعة؟ فقبل بضعة عقود كانت شعوب الشرق الأدنى تراقب ما يجري في العالم حولها، كما لو أنّه مباراة كرة القدم، يجلسون خلف الشاشات يشجعون هذا الفريق أو ذاك، متيقنين أن ما يشاهدوه أبعد من مما يمكنهم تصوّره.

 

المشكلة أكثر تعقيداً، فمعاناة الحياة اليومية في بلداننا بدت أيضاً غائبة في ذلك العالم الآخر البعيد، مآسٍ وحروبٌ مشتعلة لا يسمع عنها أحد، لكن وفي لحظة تحوّل تاريخي كانت أسماء مدننا وشوارعنا وحتى قرانا النائية تُقرأ في نشرات الأخبار العالمية… لحظة لم يكن من السهل إدراكها.
ومع ذلك ظل المنطق العام السائد أنّها «مباراة» لا أكثر، والفرق الوحيد أننا نصطف في مدرجات الجمهور بدلاً من الجلوس خلف الشاشات، وهكذا يهز الجميع رؤوسهم موافقين: «إنها حرب الآخرين على أرضنا» فهل هي كذلك فعلاً؟!
ما يجري فعلياً، هو إعادة تشكيل النظام العالمي، وإن كانت عملية التحول تبدو وكأنها صراعٌ بين دول عظمى - وهي كذلك بالفعل - إلا أن ذلك لا يعني أن الآخرين مجرد متفرجين! بل على العكس تماماً، فالنظام العالمي القائم لم يكن يحدد شكل وطبيعة علاقات دولنا مع العالم المحيط فحسب، بل فرض علينا أيضاً أدواراً محدّدة في شبكة العلاقات المتشابكة تلك، ومن هنا حُددت حصتنا لا من الثروة العالمية وحدها، بل من الثروة التي ننتجها، فكنا مضطرين في ظل النظام الدولي القائم أن نتنازل مكرهين على أجزاء مهمة من ثروتنا.
وهذه الفكرة بالذات تحوّلنا من مجرد متفرجين إلى معنيين مباشرين في كلّ ذلك، فالنظام العالمي الذي ساد منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية لم يكن في مصلحتنا، ولم يحمل لنا إلا المآسي، ولم يساهم في إيجاد أرضية ملائمة لحل أي من مشاكلنا العالقة.
وبالتالي، فنحن أصحاب مصلحة، ونخوض في الواقع معاركنا نحن، ولسنا مجرّد متفرجين على معارك الآخرين، بل الأكثر من ذلك، هو أن هذه المنطقة بالتحديد حيوية وقادرة على تحديد بعض أهم ملامح العالم الجديد، وإدراك هذه الحقيقة يدفعنا إلى دائرة الضوء والفعل. والطريقة التي سيحسم فيها هذا الصراع ستحدد موقع المنطقة في صناعة القرار العالمي، ويضمن لنا وسائل دفاع كافية في وجه كل ما يمكن أن يهددنا في المستقبل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1173
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 18:38