ماذا بين الحكومة الصينية و(جاك ما)؟ إدارة السلعة العالمية الأهم: البيانات

ماذا بين الحكومة الصينية و(جاك ما)؟ إدارة السلعة العالمية الأهم: البيانات

يتركز أثرى أثرياء العالم، المتوجون علناً بثروات من مئات مليارات الدولارات، في قطاع خدمات التكنولوجيا العالية، وتحديداً الخدمات المرتبطة بقطاع المعلومات والاتصالات... من جيف بيزوس إلى إيلون ماسك، بيل غيتس وزوكربرغ وصولاً إلى جاك ما. والسر بسيط، فهؤلاء يمتلكون أهم السلع في عالم اليوم وأعلاها قيمة: البيانات... تلك التي نعطيها بسهولة وبساطة مع كل استخدام للخدمات الإلكترونية الموصولة على الشبكة، قاعدة معلومات تتيح الكثير من السيطرة.

أثرياء قطاع التكنولوجيا لا يتركزون في الولايات المتحدة فقط، بل أيضاً في الصين... حيث أوسع سوق استهلاك وإنتاج عالمية، وحيث كثافة استخدام التداول الإلكتروني كبيرة جداً، وتقترب لأن تصبح شاملة. وربما أبرز الأسماء التي تعبّر عن هذه الظاهرة هو (جاك ما) مالك ومؤسس مجموعة علي بابا، وأثرى الأشخاص في الصين على الأقل حتى العام الماضي.
جاك ما دخل معركة هادئة مع السلطات الصينية منذ أواخر العام الماضي، وهذه المعركة تعبّر عن الطريقة الصينية في التعامل مع حساسية (الملكية الخاصة) لقطاع بهذا النفوذ والحجم.
2,7 تريليون دولار قيمة شركات التكنولوجيا الصينية
شركات التكنولوجيا العالية في الصين تمتلك قيمة سوقية تقارب 2,7 تريليون دولار، أي: ما يقارب 19% من حجم الناتج الصيني السنوي. وهو رقم يعادل الناتج السنوي لبلد مثل فرنسا. وعلي بابا هي واحدة من أكبر هذه الشركات.
المجموعة التي تعمل في مجالات متعددة، ذراعها الأساسي هو سوق التداول الإلكترونية، المتمثلة في تطبيق التداول على الموبايل المسمى Alipay حيث يشترك أكثر من مليار شخص، و80 مليون تاجر.
أرقام تتيح لهذه الشركة أن تكون الأرضية التي تتم عليها عمليات تداول هائلة في الصين وعبر العالم مع الصين. حيث تراكمت معلومات حول حركة هذا النشاط وتمتلك القدرة على التحكم بتدفق هذه المعلومات وتوجيهها. وهي عملياً تتحكم بنسبة 55% من سوق المدفوعات الإلكترونية عبر تطبيقات الهاتف الذكي في الصين.
إضافة إلى تطبيق Alipay فإن العمود الآخر في المجموعة، هو شركة Ant وهي عملياً تدير قاعدة البيانات وعمليات التطوير، والأهم: أنها دخلت في المجال المالي لتعمل في الإقراض والتأمين الإلكتروني.
فالشركة في نهاية حزيران 2020 وصلت إلى قيمة إقراض تقارب 262 مليار دولار أكثر من أي بنك صيني، عبر فتح باب الإقراض المجاني للمستهلكين بفتح حساب بقيمة 1 يوان! وأصبحت إيرادات هذه الشركة من الإقراض تقارب 40% من مجمل إيراداتها، بينما لا تتجاوز إيراداتها من ابتكاراتها التكنولوجية أكثر من 8% من مجموع الإيرادات. وما ينطبق على هذه الشركة هو اتجاه عام في مجمل شركات التكنولوجيا في الغرب وفي الصين. فجميع هذه الشركات تعتمد على تضخم قيمة أسهمها نتيجة أهمية ملكيتها للبيانات، وليس كنتيجة لحساب الأرباح والخسائر والإيرادات في هذه الشركات.
فشركة علي بابا مثلاً، مقابل قيمة أصول قاربت في منتصف العام الماضي 319 مليار دولار، فإن إيراداتها السنوية كانت عند حدود 70 مليار، بينما أرباحها الصافية أقل من 25 مليار دولار...

الصين شركات التكنولوجيا تتلاعب

في الشهر العاشر من عام 2020 منعت الصين مجموعة علي بابا من إصدار جديد لأسهمها في السوق العالمية، وكان من المتوقع أن تزداد وفقه قيمة الشركة السوقية من 319 مليار دولار إلى 353 مليار دولار. التوقيف أعقبه ظاهرة تداولها الإعلام العالمي على أنها: (اختفاء جاك ما) إذ لم يعد يظهر علناً وهو كان كثير الظهور. وأعلنت الإدارة الحكومية لتنظيم السوق الصينية (SAMR) أن التحقيق يجري مع جاك ما لأن الشركة تقوم بالكثير من المخالفات، مفتتحة بذلك عملية إعادة هيكلة لهذه الشركة يراد منها إعادة هيكلة القطاع بكامله.
مؤخراً عاد جاك ما للظهور، وأعلن أنه موافق على الإجراءات التنظيمية الحكومية، وفرضت الحكومة الصينية مخالفة على الشركة بقيمة 2,8 مليار دولار دفعتها علي بابا. ولكن الأمر لم ينتهِ هنا، ولم يقتصر على علي بابا.
الصين، أصدرت مجموعة قوانين لتنظيم الاحتكار في السوق الصينية، وركزت تحديداً على شركات التكنولوجيا العالية. موقع south china post التابع لشركة علي بابا، نقل ملخصاً عن التصريحات الحكومية حول التهم والمخالفات الموثقة على هذه الشركات ومنها:
(إلزام المنتجين ومسوقي البضائع باستخدام منصات إلكترونية محددة تتبع للشركات الكبرى، استغلال الهيمنة على الحصص السوقية، منح عروض عدائية لاستحواذ اللاعبين الكبار على قطاعات محددة في السوق، إساءة استخدام البيانات لفرض تسعير غير منصف على عملاء محددين، غض النظر عن البضائع منخفضة الجودة، تسريب بيانات المستهلكين، وكذلك التهرب من مدفوعات الضرائب).
وعموماً هي إمكانات التجاوز التي تتيحها ملكية البيانات، فهي تستطيع أن تظهر من تشاء وتوجه التداول إلى شركات محددة، وتعرض السلع المخالفة، وتبيع بيانات المستهلكين وغيرها. وهذه التهم موجهة إلى أكثر من 24 شركة خدمات تكنولوجيا عالية في الصين.

اعتذار علني
(تعلموا من علي بابا)

في آخر المستجدات فإن 11 شركة، أصدرت يوم الجمعة 16 نيسان 2021 بيانات تعهد علنية بتغيير السلوك، جاء مثلاً في بيان شركة علي بابا: أنها لن تتخذ بعد الآن معايير تلزم زبائنها باختيار منصة محددة، وأنها لن تقيد المنافسة السوقية باستخدام أدواتها التكنولوجية مثل الداتا واللوغاريتمات (التي يتحدد وفقها ظهور الخيارات للمستخدمين على سبيل المثال). كما أنها أعلنت بأنها ستقوي إجراءات إدارة معايير الغذائيات المعروضة على منصاتها، وستمتنع عن الاستخدام غير الشرعي، أو استغلال معلومات المستخدمين الشخصية. وأيضاً أنها ستخفض باستمرار المعايير التي تقيد وصول الأعمال الصغيرة لتبيع البضائع على منصاتها. وقبل هذه البيانات الـ 11 كانت شركتان قد أصدرتا بيانات مماثلة سابقاً، إحداهما: مجموعة تنسينت القابضة التي تمتلك تطبيق وي تشات الصيني أكبر شركات التكنولوجيا في الصين.
وكل ذلك بعد إجراءات الإدارة الحكومية (SAMR) التي كان آخرها إصدار تحذير لأكثر من 24 من شركات التكنولوجيا الكبرى في الصين طالبة منها أن (تتعلم من قضية علي بابا)، وأن تدير عملية مراجعة ذاتية خلال شهر. أتت على إثرها هذه التعهدات.

الإجراء النوعي تنظيم ملكية البيانات

علي بابا يُراد منها أن تكون مثلاً، ويبدو أن الحكومة الصينية تسعى إلى تغيير بنية هذه الشركة إلى حد بعيد... المتداول مؤخراً: أن الحكومة الصينية ستؤسس شركة وسيطة تدخل في إدارة علي بابا، وتحديداً في شركة Ant. الشركة التي ستكون جهة حكومية يديرها حاكم بنك الشعب الصيني السابق وستقوم بدور أساسي، هو إدارة البيانات المالية المتاحة لشركة Ant. فالحكومة الصينية تقول: إن هذا الحجم من التمويل البنكي والبيانات المالية لا ينبغي أن يبقى لدى جهة خاصة، ويفترض أن تكون هذه البيانات مدارة حكومياً ومنظمة.
إنّ إجراءً من هذا النوع هو النقلة النوعية التي تظهر كمآل لنموذج صراع الحكومة الصينية مع شركات التكنولوجيا العالية. فالصين لا تستطيع أن تترك إدارة البيانات وهي السلعة الأهم عالمياً في عصر اليوم والأكثر حساسية حتى في الاختراق والحروب السيبرانية لدى شركات خاصة، تستطيع أن تتحكم بهذه البيانات وتتشابك عميقاً مع رأس المال الغربي. الصين ليست الولايات المتحدة، حيث تدير الشركات علناً (الديمقراطية الأمريكية) كحالة شركة بلاك روك الاستثمارية التي تدير أموالاً بحجم اقتصادي ألمانيا وفرنسا مجتمعين، وأكثر من ذلك التي تدير أموال البنك الفيدرالي الأمريكي وما تسمى (أموال الإنقاذ الاقتصادي) بل تدير حتى المعايير البيئية (لأرض الديمقراطية) البائدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1015