الطبقة العاملة وذكرى الجلاء!

الطبقة العاملة وذكرى الجلاء!

تحقق الجلاء في أواسط نيسان من عام 1946، وبهذا يعتبر الجلاء من أهم القضايا الوطنية التي تم إنجازها خلال القرن الماضي من تاريخ بلادنا منذ معركة ميسلون، وانطلاق الثورة السورية الكبرى، أما الحركة العمالية في سورية فلم تكن بعيدة عن مجرى الحركة الوطنية في البلاد، وكانت الحركة العمالية جزءاً مهماً من الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار الفرنسي القابع على صدور الشعب.

حيث استطاعت في ثلاثينات القرن الماضي تأسيس تنظيمها النقابي من خلال تسلحها واستخدامها لأدواتها المعروفة والمجربة في كافة الحركات العمالية في العالم، من الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات المختلفة بما فيها المظاهرات من أجل حقوقها المعيشية من أجور وغيرها، وكذلك حقوقها التشريعية في قانون عمل يضمن حقوقها كافة، من حيث تحديد ساعات العمل وإجازة مدفوعة الأجر وتأمين المعالجة الطبية للعمال وتعويض مجزٍ عند نهاية الخدمة، وكذلك منع التسريح التعسفي وحقها في تأسيس تنظيمها النقابي، وبُعيد نشوء الحركة النقابية تحققت العديد من المكاسب في ظل الصراع ضد الاستعمار الفرنسي، والصراع من أجل تحسين مستوى معيشة الطبقة العاملة، عبر الكفاح من أجل زيادة الأجور ومن أجل ثماني ساعات عمل وغيرها من الحقوق التي حققتها، وبهذا اكتسبت الحركة النقابية وزناً حقيقياً خلال الصراع ضد الاستعمار الفرنسي، وفي الصراع من أجل تحسين مستوى معيشة الطبقة العاملة وكافة الكادحين، وما كانت الحركة النقابية لتحقق هذه المكاسب التي حققتها لو كانت تخضع لإملاءات من خارجها، سواء من أرباب العمل أو الأجهزة الحكومية التي فرضها الاستعمار الفرنسي على رقاب العباد، ولما كانت قادرة على اتخاذ القرارات المتعلقة بالشؤون السيادية للحركة النقابية، وخاصة فيما يتعلق بحياتها الداخلية، وحقوق ومصالح من تمثلهم، العمال وكافة الكادحين الفقراء.
لقد اكتسبت الطبقة العاملة والحركة النقابية أهم تجاربها على الرغم من مرارة الفقر وصعوبته وسطوة الاستغلال الرأسمالي والحكومات البرجوازية التي نصبها الاحتلال الفرنسي، وما كانت تمارسه من قمع وسجون واعتقالات، حيث خاضت الحركة النقابية والطبقة العاملة أصعب المعارك الوطنية والطبقية مع القوى الصاعدة الوطنية والتقدمية المناهضة للاستعمار، وأصبحت الحركة النقابية فصيلاً هاماً من فصائل حركة التحرر الوطني في مواجهة المستعمرين محتلي البلاد.
عملت الطبقة العاملة السورية في ظروف صعبة دون حماية في ظل قانون الحِرف العثماني. أما الوعي الطبقي التنظيمي للعمال فقد بدأ يتشكل مع بدايات دخول الصناعات الحديثة إلى البلاد، وظهور علاقات الإنتاج الرأسمالية، ففي أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن الماضي ظهرت عشرات المؤسسات الصناعية الجديدة، منها: البيرة والإسمنت والسجائر، إضافة إلى توسيع العديد من المصانع والمعامل، والتي منها: معامل النسيج والتقطير والصابون والمطاحن.

التاريخ الذي صنعه العمال السوريون

اكتشف العمال وعبر التجربة، أن الرأسمالية هي العدو الأول لمصالح الطبقة العاملة وحقوقها، وبالتالي لابد من النضال ضد كل من يمثل الرأسماليين، واكتشفوا أيضاً أن الاستغلال ليس له وطن أو دين، إن التاريخ الذي صنعه العمال السوريون بعزيمتهم وبإرادتهم النضالية العالية التي لم يُحنِها إخفاقٌ هنا أو كبوة هناك، ومحاولات عدة قوى السيطرة على النقابات من قوى السلطة الرسمية التي حظرت عليها الاشتراك بالمظاهرات أو الاجتماعات، وقوى البرجوازية الوطنية ممثلة بأصحاب العمل، ورغم المغريات التي قُدمت للحركة النقابية والحركة العمالية، والتهديد والوعيد لها من أجل تحييد الطبقة العاملة والحركة النقابية على أن يكون لها دور فاعل في تقرير مصير البلاد، هذا الدور المتجذر في وجدانها كانت الغاية منه أن تبقى الطبقة العاملة والحركة النقابية على الحياد، واستخدامها عند الضرورة التي تقتضيها مصالح هذه السلطة أو تلك، وليس ما تقتضيه مصالحها الوطنية والطبقية. ومن خلال السياسات الاقتصادية الليبرالية عبر السنوات الفائتة تعرضت مصالح هذه الطبقة للكثير من السطو والتهميش الذي أنهك حياة العمال والشعب السوري واقتصاده الوطني، وأنتج الكثير من الأمراض والأزمات التي يصعب التخلص منها بسهولة، وتحمل في طياتها خطر تهديد البلاد بوجودها.

إنهاء الأزمة الوطنية

إن استحقاق اليوم يشبه إلى حد بعيد استحقاق الجلاء، ولكن بمستوى أعلى، فالاستحقاق أمام الحركة النقابية والشعب السوري هو إنهاء هذه الأزمة الوطنية، والحفاظ على وحدة البلاد، وإخراج كافة أشكال التدخل العسكري من البلاد، ودفع البلاد باتجاه نظام يحقق أعلى مستوى من العدالة الاجتماعية مع أعلى معدل نمو، وهذا يحتاج إلى إرادة وفعل للحركة النقابية والطبقة العاملة السورية، ودور تتوفر فيه الشروط الضرورية لتستعيد الحركة النقابية ألقها الذي لعبته تاريخياً، والذي يمكن أن تلعبه في هذه الظروف المعقدة والمركبة إن أرادت ذلك، حيث الصراع على أشده من أجل مستقبل سورية، لكي تكون دولة ديمقراطية مقاومة للمشاريع الإمبريالية وحلفائهم في الداخل، من فساد ولصوص نهبوا خيرات شعبنا، وعاثوا في الأرض فساداً. إن الاحتفال الحقيقي بالجلاء اليوم، وفي خضم الأزمة التي تهدد كل الإرث الوطني، يتجسد في ظروف سورية اليوم برسم مرحلة الجلاء الجديدة الذي يُعد التغيير الوطني الجذري العميق بوصلتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1014