الأجور الهزيلة تبديد للثروة الوطنية

الأجور الهزيلة تبديد للثروة الوطنية

يعاني العمال السوريون- منذ أن تبنت الحكومات المتعاقبة السياسات الاقتصادية المحابية لطغم الفساد والنهب الكبير- من الهجوم على مكتسباتهم وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وتستمر بقضم ما تبقى من هذه الحقوق، والذي يأتي في مقدمتها: الهجوم المستمر على الأجور، من خلال زيادة الأسعار على السلع الضرورية في حياة العباد، متوهمة بأن العمال لن يستطيعوا الدفاع عن حقوقهم ومكاسبهم نتيجة الظروف التي تحيط بالبلاد.

العمال المؤقتون محرومون من الإجازات والمكافآت، وطبيعة العمل والطبابة وغيرها، رغم صدور التشريعات التي تمنحهم صفة العمال الدائمين، لم يتم تثبيت الكثير منهم، ويجري الالتفاف عليها بصيغة العقود السنوية أو عقود الأشهر، أما عمال القطاع الخاص، هذه الشريحة المهمشة من الطبقة العاملة، والمنسية حقوقها تعاني من ضعف الرواتب والأجور أيضاً، إضافة إلى هضم الحقوق والمكتسبات، ويزداد عليها الافتقاد إلى عقود العمل الواضحة والموثقة لدى وزارة العمل، وكذلك حرمانهم من مظلة التأمينات الاجتماعية، وغياب التنظيم النقابي، ولجوء بعض أرباب العمل إلى وضع سيف التسريح على رقاب عمالهم، من خلال استقالات مسبقة من العمل، والتي تجري رغم أنف الجميع بمن فيهم القانون، أو عن طريق براءات الذمة التي يلزم العمال بتوقيعها قبل بداية أي عمل مهما كانت المنشأة صغيرة أم كبيرة، إن كل ذلك يتم بموافقة العامل مرغماً، من أجل الحصول على فرصة العمل وعدم ضياعها.
إن وجود الأنظمة والقوانين هو من أجل حماية العمال وصون كراماتهم لا لهضم حقوقهم، وعلى النقابات بالدرجة الأولى التحرك من أجل هؤلاء العمال، وعلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية تطبيق الأنظمة النافذة، لأن إعطاء العمال حقوقهم الواجبة لهم هو الأساس في أي نهوض اقتصادي واجتماعي. إن زيادة الأجور الآن ضرورة ملحة ومطلب وطني بامتياز، وتوجد معايير دولية للحد الأدنى للأجر تم تحديدها من خلال المواثيق الدولية والعربية، كمنظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتي وقعت سورية على العديد منها. يجب أن يكون تحديد الأجر مرتبطاً بالتكاليف الحقيقية لمتطلبات المعيشة، التي تضمن حياة كريمة للعامل وأسرته، وتتناسب مع ظروف المعيشة والارتفاع المستمر في أسعار السلع المختلفة التي يحتاجها العامل يومياً من الغذاء والدواء، والخدمات المختلفة التي يحتاجها العامل من نقل وكهرباء ومياه واتصالات وغيرها، والتي هو بحاجة إليها بأوقات متفرقة، وبالتالي، يجب ألّا يقل الحد الأدنى للأجور عن متوسط تكاليف المعيشة للعامل وأسرته، والمعفى من كافة الضرائب المفروضة عليه.
إن اختلال هذه المعادلة يكشف عن خلل كبير اقتصادي واجتماعي، وهو يعبر عن مستوى عالٍ من النهب والفساد الكبير. العامل هو الطرف الضعيف في علاقة العمل، وحمايته واجب وطني. وتتحمل النقابات مسؤولية خاصة تجاه من تمثلهم من المحرومين من حقوقهم، وزيادة أجورهم زيادة مجزية متناسبة مع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وإن التأخر في هذه الزيادة يعني مزيداً من الإفقار ومزيداً من تسلط وتحكم قوى النهب بمصير الملايين من الكادحين والعاملين بأجر.
الطبقة العاملة هي المنتجة للخيرات في المجتمع، سواء في الصناعة أو الزراعة، وهذه الأجور الهزيلة هي تبديد لوقتها وجهدها وطاقتها وللثروة الوطنية. وهذا النهج الاقتصادي الذي تمضي به الحكومة بمقدماته ونتائجه، أدى ويؤدي إلى تفاقم الأزمات الكبرى، ومنها: الفقر، وانخفاض مستوى المعيشة، حيث انعكست هذه الأزمات بشكل واضح على مستوى معيشة السوريين بشكل عام، والطبقة العاملة بشكل خاص، وجعلتهم يئنون تحت وطأة الفقر والحاجة. إن هذا الوضع العام الكارثي الذي تعيشه الطبقة العاملة والبلاد عامة، والتي أوصلتها إليه السياسات الحكومية، حيث تصبّ ضمن هدف معين واتجاه واحد، وهو إضعاف الاقتصاد الوطني، ووضعه تحت رحمة وقيادة قوى السوء، وإلّا ماذا يعني إعاقة شركات ومعامل القطاع الخاص وقطاع الدولة ووضع كل العراقيل لمنع أو الحد من الإنتاج؟ وماذا يعني تأجير لقطاع الدولة؟ وماذا يعني طرح جزء منه للاستثمار وجزء للتشارك؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1023