الغارات الأمريكية والبريطانية تعزز موقف الحوثيين ومؤيديهم
ماهاد دارار ماهاد دارار

الغارات الأمريكية والبريطانية تعزز موقف الحوثيين ومؤيديهم

تمثّل الضربات الجوية التي تنفّذها الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن، وتحديداً ضدّ مواقع اليمنيين الحوثيين، منعطفاً جديداً مثيراً في الصراع في الشرق الأوسط. إنّه أحد المنعطفات التي يمكن أن تكون لها آثارٌ في جميع أنحاء المنطقة.

ترجمة: قاسيون

جاء العدوان العسكري الأمريكي بعد قيام اليمنيين بمهاجمة السفن التجارية التي تتجه نحو «إسرائيل» في مضيق باب المندب الاستراتيجي في البحر الأحمر. كما قام اليمنيون بإطلاق صواريخ وطائرات دون طيار باتجاه «إسرائيل».
باعتباري خبيراً في السياسة اليمنية، أعتقد أنّ الهجمات الأمريكية على اليمنيين الحوثيين ستكون لها آثارٌ واسعة النطاق - ليس فقط على الحوثيين واليمن، ولكن أيضاً بالنسبة للمنطقة الأوسع حيث تحتفظ أمريكا بحلفاء رئيسيّين. باختصار، مكّنَت الضربات الأمريكية اليمنيين الحوثيين اليوم من إثبات أنّهم «مقاتلون من أجل الحرية، يقاومون الإمبريالية الغربية في ذلك الجزء من العالم».
#أدّت الحرب «الإسرائيليّة» على غزة إلى إعادة تنشيط صورة الحوثيين؛ فبعد أنْ وصلت الحرب في اليمن إلى ذروتها، توقّف القتال منذ نيسان 2022، ومعه الهجمات الصاروخية التي كان اليمنيون الحوثيون يشنّونها ضدّ المدن السعودية، حيث بدت الآمالُ واقعيةً في أنْ تؤدّي الهدنة إلى نهاية دائمة للصراع الوحشي في اليمن.
لكنّ الهجمات «الإسرائيلية» في غزة وفّرتْ هدفاً متجدّداً لليمنيين الحوثيين ليعيدوا تأكيد أهميتهم، ويعيدوا تنشيط مقاتليهم وقيادتهم. فمن خلال إطلاق الصواريخ باتجاه «إسرائيل»، ومهاجمة السفن المتجهة إليها، استطاع اليمنيون الحوثيون الاستفادة من كونهم القوّة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية التي تقف في وجه «إسرائيل»، على عكس القوى الإقليمية. فقدّموا بذلك وجهاً مختلفاً عن الحكومات العربية التي لم تستطع حتى الآن اتخاذ إجراءات قوية ضد «إسرائيل».
وفقاً لحكومتَي البلدين، جاءت الضربات الأمريكية والبريطانية ردّاً «على الهجمات المستمرة التي يشنها اليمنيون الحوثيون على السفن البحرية الدولية في البحر الأحمر قبالة السواحل التي يسيطرون عليها في اليمن». ووفقاً لهذه الحكومات أيضاً، فالهجمات متبوعةٌ دوماً بمحاولات للتوصّل إلى حل دبلوماسي. وكما صرّح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، فالهدف من الهجمات هو «تعطيل وإضعاف قدرات الحوثيين».
لكنْ بغضّ النظر عن النوايا الغربية، أو حقيقة قدرتهم على إحداث ضررٍ عسكري باليمنيين الحوثيين، فإنّ الضربات الغربية تخدم أعداءهم، وهي كفيلة بتعزيز إيديولوجيّتهم كمقاتلين للأعداء الخارجيين الذين يهاجمون اليمن. وهي كفيلةٌ أيضاً بتعزيز موقف مؤيدي اليمنيين الحوثيين في المنطقة، وإحراج الذين يقفون صامتين، ناهيك عن الذين يحلمون بعودة التطبيع.
بالفعل، تمكّن اليمنيون الحوثيون من حشد الدعم الشعبي المحلّي في الجزء من اليمن الذي يسيطرون عليه، بعد ما قاموا به منذ تشرين الأول 2023. أدّت الغارات البحرية التي شنّوها، واحتجازُ أطقم السفن كرهائن، إلى إنتاج لقطاتٍ سريعة الانتشار، جعلت الحياةَ تدبُّ في الوطنيّة اليمنية عموماً، وفي المناطق التي يسيطرون عليها خصوصاً. وتحوّلت السفينة التي تم الاستيلاء عليها إلى دائرة الاهتمام العامّ، ممّا أدّى لجذب المزيد من الاهتمام محلياً وعربياً.
الأمر الآخر هو عدم قدرة الضربات الأمريكية البريطانية على مواقع اليمنيين الحوثيين على تحقيق الأهداف المعلَنة منها، فقد قال المتحدث باسم الحوثيين يحيى سريع إنّ الجماعة ستوسّع هجماتَها في البحر الأحمر، وقد استهدفوا بالفعل سفينةً أمريكية، الأمر الذي يشوّه صورة الأمريكيين والبريطانيين، ويهدّد بجرّهم إلى مستنقعٍ جديد إنْ استمرّت الأمور على هذا النحو.

تحالف هزيل

نجح اليمنيون الحوثيون، في الوقت نفسه، في مواءمة القضية الفلسطينية مع قضيّتهم. وقد أدّت المناشدات من خلال المساجد في اليمن، وحملات الرسائل النصية عبر الهاتف المحمول، إلى حشد الدعم وجمع التبرعات للحوثيين الذين نجحوا في كسر كلّ محاولةٍ لعزل ما يحدث في غزة عن بقيّة المنطقة. قد تأتي الضربات الأمريكية البريطانية بنتائجَ عكسيّة لسببٍ آخَر أيضاً: فهي تستحضر ذكريات التدخلات العسكرية الغربية في العالَمين الإسلامي والعربي. ولا شكّ أنّ اليمنيين الحوثيين سوف يستغلون ذلك لصالحهم.
إذا ما نظرنا إلى أبعد من اليمن، فعندما أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في البداية عن تشكيل تحالفٍ من 10 دول «لمواجهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر» في 18 تشرين الأول، وكانون الأول 2023، ظهرت المخاوف بوضوح بشأن نقص التمثيل الإقليمي. من بين دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، البحرين فقط هي التي انضمّت إلى القيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس الأمريكي. أدّى غياب القوى الإقليمية الرئيسية مثل السعودية، ومصر، والإمارات، وجيبوتي (حيث تمتلك الولايات المتحدة قاعدتها العسكرية الوحيدة في إفريقيا)، إلى إثارة المزيد من الشكوك بين المراقبين حول قدرة التحالف على مواجهة اليمنيين الحوثيين بشكل فعال.
لا شكّ أنّ الدول ذات الأغلبية المسلمة كانت متردّدة في دعم التحالف بسبب حساسية القضية الفلسطينية، التي تمكّن اليمنيون الحوثيون من إظهار وقوفهم معها بشكلٍ ناجح. لكنّ الافتقار إلى الدعم الإقليمي يترك الولايات المتحدة وحلفائها في التحالف في موقف صعب؛ فبدلاً من أن يُنظر إليها على أنها حاميةٌ للأمن البحري، فإنّ الولايات المتحدة - وليس اليمنيين الحوثيين - يتمّ تصويرها في المنطقة على أنّها الطرف المعتدي، وكذلك الطرف الذي يريد التصعيد.
يؤدي هذا التصوّر إلى الإضرار بمصداقية الولايات المتحدة في المنطقة، وإحراج حلفائها وبعض من بقي يحمل الأمل بإعادة إحياء مشاريع التطبيع وغيرها. إنّ الدعم العسكري والدبلوماسي الذي تقدّمه الولايات المتحدة «لإسرائيل» طوال فترة الصراع الحالي يؤدّي أيضاً إلى إثارة الشكوك في المنطقة حول الأهداف الحقيقية للحرب التي تحاول الولايات المتحدة إشعالَها في البحر الأحمر، وما يكمن وراء ضرباتها الصاروخية ضد اليمن.
كما أنّ لنشاط الحوثيين المتجدِّد والضربات الغربية على الجماعة آثارٌ على الحرب الأهلية في اليمن نفسها. منذ الهدنة بين طرفي الصراع الرئيسيَّين – السعودية واليمنيين الحوثيين – بات واضحاً بأنّ القتال بين اليمنيين الحوثيين، والجماعات الأخرى المسلَّحة في اليمن «كالمجلس الانتقالي الجنوبي» و«الحكومة الانتقالية اليمنية»، و«المقاومة الوطنية»، وصل إلى طريق مسدود. تسيطر كل مجموعة على أجزاء مختلفة من اليمن، ويبدو أنّ الجميع قد قبلوا بأنّ طريق القتال مسدود.
لكنّ الضربات الأمريكية البريطانية وضعت المجموعات المناوئة لليمنيين الحوثيين في موقف صعب، فهم غير قادرين على دعم التدخل الغربي علناً في اليمن أو إلقاء اللوم على الحوثيين لدعمهم الفلسطينيين. يحمل الشعب اليمني بعمومه تعاطفاً واسع النطاق وشديداً مع الفلسطينيين، وهو الأمر الذي قد يمنح اليمنيين الحوثيين الفرصة لكسب تعاطف الشعب اليمني في المناطق التي لا تخضع لسيطرتهم.
يظهر ذلك واضحاً في المأزق الذي واجهتْه «الحكومة الانتقالية» اليمنية المناوئة لليمنيين الحوثيين، عقب الضربات الأمريكية والبريطانية. ففي حين أنّهم قاموا بإلقاء اللّوم على «الهجمات الإرهابية» التي يشنّها الحوثيون، وبأنّها تجرّ «البلاد إلى مواجهة عسكرية»، فقد ظهرت أزمتَهم في اضطرارهم التأكيدَ بشكلٍ واضح على دعمهم للفلسطينيين ضدّ العدوان «الإسرائيلي» الوحشي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1158