ليسنكو وفافيلوف (5) – هل كان فافيلوف خائناً أم مظلوماً؟

ليسنكو وفافيلوف (5) – هل كان فافيلوف خائناً أم مظلوماً؟

«سؤال: لقد تم القبض عليك كمشارك نشط في منظمة مناهضة للسوفييت وعميل لأجهزة استخبارات أجنبية. هل تعترف بذنبك في هذه التهم؟ الجواب: أعترف بنفسي مذنباً لأنني منذ 1930 كنت عضواً في منظمة يمينية مناهضة للسوفييت كانت موجودة في نظام مفوضية الشعب للزراعة في الاتحاد السوفييتي». بهذا أجاب العالِم نيكولاي فافيلوف وفقاً لأرشيفات التحقيق معه العائدة إلى العام 1940، والتي قام الباحث والمؤرّخ الأمريكي غروفر فور بترجمة مقاطع منها في كتابه «أدلّة على تعاون ليون تروتسكي مع ألمانيا واليابان»، 2009.

رغم قول فافيلوف، بحسب نصّ أرشيف التحقيق، بأنه كان عضواً في منظمة معادية للسوفييت لكنه يتابع بعدها مباشرةً فيقول: «أنا لا أعترف بنفسي مذنباً بالتجسس». بعد ذلك يسير التحقيق على النحو الآتي...

  • المحقِّق: ضع في اعتبارك أنك لن تنجح في إخفاء نشاطك التجسّسي وأن التحقيق سوف يستجوبك بشأنه، ولكن في الوقت الحالي اعترفْ بمَن كنت على اتصال معهم في العمل المناهض للسوفييت.
  •  فافيلوف: في العمل المناهض للسوفييت، كنت على اتصال بالأشخاص الآتين: ياكوفليف، مفوض الشعب السابق للزراعة. تشيرنوف، مفوض الشعب السابق للزراعة. إيخي، مفوض الشعب السابق للزراعة. مورالوف، نائب مفوض الشعب السابق للزراعة. جايستر، النائب السابق لمفوض الزراعة... (نسخة من استجواب المعتقل نيكولاي إيفانوفيتش فافيلوف بتاريخ 24 آب 1940؛ فافيلوف 269-70).
    ويسجّل غروفر فور في كتابه ملاحظة تقول إنه من بين المفوضين الذين سمّاهم فافيلوف متآمرين يمينيين، ياكوفليف وإيخه. وقد تم إعدام إيخه أيضاً بسبب ارتكابه عمليات إعدام وقمع جماعية غير قانونية بالتعاون مع إيجوف. ويتابع الاقتباس من نصّ التحقيق أدناه.
  •  المحقِّق: لقد اعترفتَ بذنبك بأنك شاركت منذ 1930 في منظمة يمينية مناهضة للسوفييت كانت في نظام مفوضية الشعب للزراعة في الاتحاد السوفييتي. أخبرنا من قام بتجنيدك في المنظمة المذكورة وتحت أيِّ ظروفٍ.
  •  فافيلوف: تمّ تجنيدي في المنظمة المناهضة للسوفييت من قبل مفوَّض الشعب السابق للزراعة في الاتحاد السوفييتي ياكوفليف ياكوف أركاديفيتش، عام 1930. تمت عملية التجنيد من خلال استلامي، مباشرة من ياكوفليف، ومنه أيضاً عبر غايستر آرون إسرائيلوفيتش -النائب السابق لرئيس الأكاديمية الزراعية- وفولف مويسي ميخائيلوفيتش -النائب الثاني لرئيس الأكاديمية الزراعية- أوامرَ تخريبيّة واضحة، نفَّذتُها في الأكاديمية الزراعية وفي معهد تطوير النباتات.
  •  المحقِّق: ليس واضحاً لماذا قام ياكوفليف بتجنيدك في المنظمة المناهضة للسوفييت. على أيّ أساس قام بذلك؟
  •  فافيلوف: أثناء تنفيذي لتوجيهات ياكوفليف، أصبح على علم بمشاعري المعادية للسوفييت والتي تجلّت في البداية بشكل واضح في التقييم العالي الذي أعطيتُه للطّرق الزراعية الأمريكية والأوروبيّة الغربية، وفي تشديدي على تفوّقها بالمقارنة مع تطوُّر الزراعة في الاتحاد السوفييتي (فافيلوف 271-2). مما لا شك فيه أيضاً أن حقيقة قيامي بتنفيذ كل مهمة كلّفني بها ياكوفليف هي التي سهّلت انضمامي إلى المنظمة المناهضة للسوفييت.
  •  المحقِّق: وبأيِّ شكلٍ كانت محادثتُك مع ياكوفليف بشأن مشاركتكَ في منظمة اليمينيين المناهضة للسوفييت؟
  •  فافيلوف: لم تكن هناك محادثة مباشرة حول هذا الموضوع. لقد فهمتُه من خلال المهام التخريبية الواضحة التي تلقَّيتُها من ياكوفليف.
  •  المحقِّق: لماذا تستنتج أنَّ ياكوفليف هو بالتحديد الذي جنَّدكَ في منظَّمة اليمينيين المناهضة للسوفييت؟
  •  فافيلوف: إنني أستنتج ذلك لأنه منذ هذه الفترة على وجه التحديد – أيْ تنفيذي لتوجيهات ياكوفليف – بدأ عملي التخريبيّ الواضح في تنظيم العلوم وفي مجال الثقافة النباتية بمعنى تبرير مشاريعٍ لزراعة النباتات.
  •  المحقِّق: لقد اعترفتَ بأنه تمّ تجنيدك في منظمة اليمينيين المناهضة للسوفييت من قبل ياكوفليف، وفي الوقت نفسه تعلن عدم إجراء أيّ محادثة مباشرة مع ياكوفليف حول هذه المنظمة. فأنتَ إمّا تقوم بالتشويش أو أنّك ببساطة لا ترغب في القول إنّه حتى قبل انضمامك إلى منظمة اليمينيين، كنتَ أحدَ منظِّري وقادة المنظمة المناهضة للسوفييت التي تلتزم الصمت بشأنها الآن. (فافيلوف 273-4)... لقد اعترفت في وقت سابق بأن ياكوفليف قام بتجنيدك في المنظمة المناهضة للسوفييت، وأنه من المفترض أنه لم يجرِ أيَّ محادثات مباشرة معك حول هذا الموضوع. نطالبك بأن تجعل اعترافك أكثر دقّة.
  •  فافيلوف: أؤكّد حقيقةً أنّه تمّ تجنيدي في منظمة اليمينيين المناهضة للسوفييت من قبل ياكوفليف ياكوف أركاديفيتش. ومع ذلك، لم يقل ياكوفليف صراحةً أبداً أنني يجب أن أشارك في منظمة مناهضة للسوفييت، ولم تكن هناك حاجة خاصة له للقيام بذلك، حيث كان ياكوفليف يعرف آرائي المناهضة للسوفييت -والتي اعترفتُ بها في الاستجوابات السابقة- وأنَّ بإمكانه الاعتماد عليّ بثقة للقيام بعمل مناهض للسوفييت. بالإضافة إلى ذلك، تمتَّعتُ بثقة ياكوفليف الخاصّة، وقد قال لي بنفسه عدّة مرات: «نحن نعرفك جيداً، نحن نثق بك، ولهذا السبب أطلب منك تنفيذ توجيهاتي دون اعتراض». وعلى تصريحاتي المتكرّرة حول رغبتي في ترك عملي الإداري القياديّ في الأكاديمية الزراعية، أجاب ياكوفليف: (لن نسمح لك بالرحيل، نحن بحاجة إليك، نحن نفهم بعضنا بعضاً». (فافيلوف 278-84).
    بحسب وثائق التحقيق، يقدم فافيلوف في المقطع التالي أدناه تفاصيلَ أكثر تحديداً...
  •  فافيلوف: كان من بين المهام التخريبية الأساسية التي تم تنفيذها بمشاركتي المباشرة بناءً على أوامر ياكوفليف، إنشاءُ عدد كبير من معاهد البحث العلمي ذات الاختصاص الضَيِّق والتي لم تكن ذات أهمية حيويّة على الإطلاق... العملُ التخريبي التالي ذو الأهمية الذي تم تنفيذه بمشاركتي المباشرة بناءً على أمر ياكوفليف والذي لا تزال عواقبه محسوسة حتى اليوم هو انهيارُ الشبكة الإقليمية المؤلّفة من محطّات زراعة المراعي التجريبية، والتي كان لإنشائها أهميّةٌ كبرى في ظلّ ظروف إعادة البناء الاشتراكي والتنوع الكبير في الظروف المناخية والتربة في بلادنا... بالإضافة إلى ذلك فقد شاركتُ بشكلٍ مباشر في وضع خططٍ ضارَّةٍ عَمداً للزراعة النباتية خلال الخطَّتَين الخَمسيَّتَين الأولى والثانية. لقد قمتُ بهذا العمل التخريبي بأمرٍ مباشرٍ مِن مفوَّض الشعب السابق للزراعة ياكوفليف ي.أ. والنواب السابقين لرئاسة الأكاديمية الزراعية، فولف م. م. وجايستر أ. ي... على الرغم من ذلك، تلقيت تعليمات من ياكوفليف، من خلال فولف، بتوسيع المخطط الإلزامي للمساحة المزروعة في عام 1937 إلى 150 مليون هكتار، والتي كان واضحاً أنها لم تتوافق مع الإمكانيّات في ذلك الوقت... (فافيلوف 284-88).

تحليل اعترافات فافيلوف

بحسب رأي غروفر فور: تبدو اعترافات فافيلوف هذه ذات مصداقية كاملة، ولا سبب يدفع محقّقي الـ NKVD (مفوّضية الشعب للشؤون الداخلية) لجعله يختلق شهادةً ضد ياكوفليف، لأنّه بحلول 1940، عندما تمّ استجواب فافيلوف كان ياكوفليف قد أُعدم بالفعل وكان إيجوف ورجاله قبِضَ عليهم وحوكِموا وأُعدموا بتهمة تلفيق قضايا كاذبة ضدّ عدد كبير جداً من الناس، والتي أعيد النظر بها خلال قيادة بيريا لجهاز NKVD حيث اكتُشفَت مظالم ضد كثير من الناس في عهد إيجوف، فتمّ إطلاق سراح العديد منهم.
ويضيف (فُور): هنا، كما في كلّ التاريخ تقريباً، لا يوجد دليلٌ قاطع. لكنَّ الأدلّة تشير إلى أن ياكوفليف لم يكن يكذب، واتفقت شهادته مع اعترافات العديد من المتَّهمين في محاكمات موسكو. وقال فافيلوف نفسه في رسالته الخاصّة إلى بيريا (رئيس NKVD في ذلك الوقت) بتاريخ 25 نيسان 1942 أنه تعرض لـ 400 استجواب استغرقت 1700 ساعة. هذا الجهد والوقت يشير إلى تحقيقات جدِّيّة هدفها معرفة الحقيقة، لا تلفيق اعترافات كاذبة تماماً أو إجبار أكاديميٍّ في منتصف العمر على تلفيقها بنفسه.
بعد إدانة فافيلوف قام بنفسه برفع طلبَ استرحامٍ إلى لافرينتي بيريا (وزير الداخلية عملياً) فتمّ إلغاء حكم الإعدام بحقه وتخفيفه إلى الحبس 20 سنة. ولكن فافيلوف توفي أثناء نقله مع مجموعة سجناء إلى شرقي البلاد خلال تقدّم الغزو النازي من الغرب، بتاريخ 26 كانون الثاني عام 1943. وسبب الوفاة (نوبة قلبية) بحسب السلطات السوفييتية، و(الموت جوعاً) بحسب الروايات الغربية.

لقراءة الجزء الأول من المقال: ليسنكو وفافيلوف وأشرسُ حَملة لتشويه تاريخ السوفييت بذريعة العِلم (1)

لقراءة الجزء الثاني من المقال: ليسنكو وفافيلوف (2) - هل دمَّرت أبحاث ليسنكو الزراعة السوفييتية؟

لقراءة الجزء الثالث من المقال: ليسنكو وفافيلوف (3) - التجميع الزراعي والمعركة مع الكولاك

لقراءة الجزء الرابع من المقال: ليسنكو وفافيلوف (4) - الأسباب الحقيقية للمجاعة الأوكرانية

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1173
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 18:40