خرافات بالجملة عن الاصطفافات الدولية حول سورية
عماد طحان عماد طحان

خرافات بالجملة عن الاصطفافات الدولية حول سورية

يقدم الخطاب السياسي والإعلامي الغربي جملة من الأكاذيب والأساطير والخرافات التي يكررها بإصرار وبشكل يومي طوال سنوات وسنوات، عملاً بالمبدأ النازي الشهير: «اكذبوا ثم اكذبوا ثم اكذبوا... لعل شيئاً يعلق في الأذهان»

الاستمرار بتكرار الأكاذيب يصل إلى الحد الذي تصبح معه هذه الأكاذيب نفسها «مسلّمات» يجري بناء التحليلات السياسية عليها، وهي كـ«مسلّمات» أمرٌ غير قابل للنقاش، بل إنّ من يجرؤ على طرحها للنقاش يجري «تكفيره» على الفور، وتغلق أمامه المنابر...
سبق أن حاولت التوقف على واحدة من الخرافات المركزية التي يكررها الإعلام الغربي، وهي تلك المتعلقة بالديمقراطية. قمت بذلك في مادة في قاسيون العدد 1019 بتاريخ 24 أيار الماضي عنوانها: «عن أسطورة الدعم الغربي للانتقال الديمقراطي في سورية»، ويمكن العودة إليها عبر الرابط الإلكتروني الذي سيظهر ضمن النسخة الإلكترونية من هذه المادة.
وفي هذه المادة أحاول إلقاء الضوء على خرافة أخرى ضمن منظومة الخرافات الغربية المتعلقة بسورية، وهي الخرافة المتعلقة بطبيعة الاصطفافات الدولية اتجاه ما يجري في سورية...

ثنائيات وهمية محلية

كمدخل للحديث عن طريقة الصياغة الإعلامية التي يقدمها الغرب لمسألة التحالفات والاصطفافات الخاصة بسورية، فإنّه من المفيد المرور على مصطلح استخدمه حزب الإرادة الشعبية بشكل مستمر منذ حوالي 15 عاماً، وهو مصطلح الثنائيات الوهمية، وكان المقصود به منذ ذلك الوقت بشكل ملموس (النظام وقسم من المعارضة)...
جوهر المسألة كان كالتالي: هنالك تناقض بين النظام وبين قوى سياسية عديدة تعارضه، لكنّ قسماً غير قليل من هذه القوى التي تعارض النظام تتفق معه في البرنامج الاقتصادي الاجتماعي المطلوب لسورية، أي: إنها تتفق معه حول اللبرلة الاقتصادية... وبكلام أوضح فإنها تتفق معه على توزيع ثروة محدد يتم بموجبه نهب عموم الشعب السوري لمصلحة قلة قليلة. الخلاف هو: من هي هذه القلة؟ هل هي أولئك الموجودون أساساً ضمن المواقع التي تسمح بالتحكم بتوزيع الثروة وبالتالي بالنهب، أم هي ذلك النمط من المعارضين الساعين إلى الحلول محلهم كناهبين...
ولأنّ كلا الطرفين المتصارعين، متفقان على جوهر البرنامج الاقتصادي الاجتماعي، فإنهما يعبّران عن صراعهما بأدوات وشعارات أخرى؛ فجهة ترفع الشعار الوطني متهمة الطرف المقابل بالعمالة، والطرف المقابل يرفع الشعار الديمقراطي ويتهم الطرف المقابل بالاستبداد والقمع. ولأن كلا الاتهامين الذين يستخدمهما المتشددون وتجار الحروب، لا يخلو من الصحة، وفي كلا الاتجاهين، إلى هذا الحد أو ذاك، فإنّهما يساعدان في تقسيم الناس وفي تضليلها، وإنْ مؤقتاً... ويتعزز ذلك التقسيم حين تسيل الدماء ويجري تعزيز الخطاب الطائفي والقومي والعشائري...
إذاً باختصار، يمكن القول: إنّ الثنائية الوهمية هي تعبير عن صراع الناهبين فيما بينهم، والذين يسعون بشكل مستمر إلى إقناع عامة الناس من الفقراء على طرفي متراس الثنائية الوهمية، بأنّ الصراع على أساس هذه الثنائية بالذات هو الصراع الحقيقي، وأنّ أولئك الذين على الطرف الآخر من المتراس هم الأعداء...
يمتد هذا الفهم اليوم ليس فقط على ثنائية (موالي/معارض)، بل ونحو الثنائيات الطائفية والقومية وحتى نحو ثنائية من نمط (علماني/متدين) وغيرها... وكلها تنويعات مختلفة لجوهر واحد، هو أنها تعبر عن الشكل الذي من خلاله يستخدم الناهبون من الطرفين، المنهوبين من الطرفين، ليتقاتلوا بهم، وبدمائهم، للوصول إما إلى إعادة توزيع النهب بين الناهبين، أو لقضاء طرف ناهب على طرف ناهب مقابل، وبالتالي استئثاره بعملية النهب...
لكن في جميع الأحوال، حين يجري الصراع على أساس الثنائيات الوهمية، فإنّ النتيجة الوحيدة المحسومة مسبقاً هي أنّ المنهوبين سيبقون منهوبين، وفوق ذلك سيدفعون كل تكاليف الصراع من دمائهم وأرواحهم وأحلامهم وشقائهم...

ثنائيات وهمية دولية/محلية

وإذا كان الأمر كذلك على المستوى المحلي، فإنّه يجد تعبيرات مشابهة على مستوى العلاقة بين المحلي والدولي.
فإذا نظرنا إلى اللوحة التي يتفق عليها كل الإعلام العالمي تقريباً، ويشمل ذلك بالأساس الإعلام الغربي وتفرعاته العربية، وكذلك ما يسمى «إعلام المعارضة» وأيضاً «إعلام النظام»، فإننا سنجد ما يلي
هنالك في جانب النظام السوري وتقف معه كل من روسيا وإيران، في الجانب المقابل هنالك المعارضة وتقف معها الولايات المتحدة ودول أوربية وتركيا. ومؤخراً يجري تصنيف دول الخليج تارة هنا وتارة هناك، أو بالقول إنها بين بين...
المشكلة الأساسية في هذه اللوحة (المتفق عليها)، أنها مبنية بالأساس على اعتبار أن ثنائية (نظام معارضة) هي ثنائية حقيقة، والواقع أنها ليست كذلك... وما بني على باطل فهو باطل.
ولكن مع ذلك، من مصلحة الناهبين المحليين والدوليين أيضاً، أن يضعوا على السطح هذه الصورة المشوهة والممسوخة عن الصراع الجاري في البلاد... لأنّ هؤلاء وأولئك، يتقاطعون أيضاً في رؤيتهم لسورية ضمن نموذج محدد تابع اقتصادياً وغير منتج، وبمستوى حريات سياسية شبه معدوم، وبكم هائل من الفوالق المفعلة الطائفية والقومية وإلخ... لأنّ هذه كلّها، تحقق بالنسبة للخارج أحد أمرين: بالحد الأدنى تسمح باستمرار النهب نحو الخارج عبر علاقات (التبادل اللامتكافئ)، وبالحد الأعلى الوصول بالفوضى ضمن سورية نحو إنهائها كلياً وتحويلها إلى صاعق تفجير للمنطقة بأكملها، ما يصب في المشروع الغربي/الأمريكي خاصة، الذي يسعى إلى ملء الفراغ الذي سينجم عن انسحابه الإلزامي بأكبر كم ممكن من الانفجارات والانقسامات...
ضمن هذا التصور، يصبح مفهوماً بشكل أدق، لماذا يتحدث الغرب منذ سنوات عن «تغيير سلوك النظام» وليس «تغيير النظام». ولماذا يصر الأمريكان على محاولات تبييض النصرة. ولماذا يبذلون أقصى طاقاتهم لتأزيم الوضع في الشمال الشرقي السوري بحيث يعمقون عزله عن باقي البلاد...
كل هذه السياسات تصب في أمر واحد هو أنّ الولايات المتحدة (والغرب عموماً) بالسلوك العملي تؤيد المتشددين من كل الأطراف السورية على الإطلاق، وتقف ضد الشعب السوري ككل، ضد كل المنهوبين السوريين... وليس هذا بالأمر المفاجئ أو المستغرب...
بالمقابل فإنّ محاولة فهم الموقف الروسي باعتباره موقفاً مؤيداً للنظام وليس لسورية كبلد، هو أيضاً فهم مشتق من الثنائية الوهمية نفسها... فالموقف الروسي مبني في نهاية المطاف على المصلحة الروسية وليس على الاصطفافات الداخلية السورية، وهذه المصلحة ضمن الصراع الدولي الجاري تتكثف بشكل واضح بما هو معاكس تماماً لما قاله جيمس جيفري: (المستنقع)...
أي: إنّ المصلحة الروسية هي في منع انهيار الدولة، منع التقسيم، ومن ثم تجفيف المستنقع وتحقيق الاستقرار... وقد وصلنا موضوعياً إلى المرحلة الأخيرة... وهذه لا يمكن إنجازها، (أي: لا يمكن إنجاز استقرار في سورية)، ببقاء وكلاء الغرب متحكمين بالبلاد والعباد... ووكلاء الغرب هم عملاؤه المباشرون، أو أولئك الذين تتقاطع مصالحهم الأنانية مع الغرب، والذين بات اقتصاد الحرب بما يحتويه من مختلف أنواع الأنشطة الإجرامية غير المشروعة ساحتهم الأساسية و«مصدر رزقهم»...
إبعاد هؤلاء الوكلاء، وإضعافهم في المراحل الأولى، غير ممكن دون حل سياسي شامل يسمح للمنهوبين برفع أصواتهم، لأنّ المنهوبين السوريين هم وحدهم من يريدون أيضاً استقراراً في سورية، ومن في مصلحتهم إنهاء نفوذ تجار الحرب والمتشددين من كل الأطراف...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1022
آخر تعديل على الإثنين, 14 حزيران/يونيو 2021 12:11