بعض تداعيات رفع سعر الفيول
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

بعض تداعيات رفع سعر الفيول

تتالى صعقات رفع أسعار المشتقات النفطية- ورفع الدعم المستمر عنها- مع تداعياتها ونتائجها السلبية على كافة القطاعات والمستويات.

فقد صدر مؤخراً قرار عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يقضي برفع سعر الفيول، وقد وصلت الزيادة في السعر على كل طن إلى حدود 43 ألف ليرة.

الذرائع الرسمية

الذريعة القديمة المستجدة التي سيقت رسمياً لتبرير رفع السعر الأخير للفيول كانت ارتفاع تكاليف استيراد المشتقات النفطية وسعرها العالمي.

ففي تصريح لإذاعة ميلودي، بعد صدور قرار رفع سعر الفيول منتصف الشهر الحالي، قال عضو لجنة الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، إن: «الوزارة تسعى إلى رفع سعر الفيول بشكل تدريجي، كي تقلل من الخسائر الناتجة عن الاستيراد»، وإن: «رفع سعر الفيول جاء نتيجة ارتفاع تكاليف استيراد المشتقات النفطية، لارتفاع سعرها عالمياً».

أما التداعيات السلبية لرفع أسعار المشتقات النفطية المتتالي، فهي تطال كافة القطاعات الصناعية والإنتاجية والخدمية، وكذلك قطاع النقل، كما تنعكس بشكل مباشر على كافة المواطنين، سواء على سعر البضائع والخدمات في السوق، أو كمستهلكين مباشرين لجزء من هذه المشتقات كضرورات حياتية، وهذا ما لمسناه طيلة السنين الماضية على إثر كل قرار يقضي برفع سعر أحد هذه المشتقات.

الصناعة نحو المزيد من المعيقات

يؤثر قرار رفع سعر الفيول على القطاع الصناعي بالدرجة الأولى، العام والخاص على السواء، فالكثير من الصناعات تعتمد عليه في عملية التشغيل والإنتاج، مثل: (الحديد- السيراميك- الزجاج- الإسمنت- الورق- المنظفات- المنتجات النسيجية وغيرها الكثير)، بالإضافة إلى قطاع الكهرباء الحيوي والهام طبعاً.

وقد عبر الكثير من الصناعيين عن اعتراضهم على السعر الجديد، وما قد يسببه من نتائج سلبية لا تقف عند حدود تكاليف الإنتاج والسعر النهائي للمنتجات فقط، بل قد تصل إلى حدود التوقف عن الإنتاج بشكل كلي في بعض الصناعات أو القطاعات الإنتاجية، وهم محقون بلا أدنى شك.
فمع كل ما يعانيه القطاع الصناعي، والإنتاجي عموماً، من معيقات، ومع ما أفرزته سنوات الحرب من صعوبات، ما زالت الحكومة تمارس المزيد من الضغوطات عليه، وخاصة على مستوى مستلزمات الإنتاج، وأهمها: المشتقات النفطية، التي أصبحت بعهدة بعض حيتان الاستيراد، وكل مرة بعنوان وبذريعة.

أما الفاقع بالنسبة لهؤلاء، فهو أن ارتفاع تكاليف الإنتاج يضعهم في منافسة مجحفة مع حيتان الاستيراد، الذين يسعون إلى السيطرة على السوق، وعلى حساب إزاحة منتجاتهم تباعاً منها، ليس محلياً فقط، بل على مستوى أسواق التصدير أيضاً، حيث أصبحت تكاليف منتجاتهم أعلى من مثيلاتها المستوردة إلى هذه الأسواق، وكل ذلك بمعرفة ودراية حكومية طبعاً، إن لم نقل بدعم منقطع النظير لهؤلاء الحيتان، وهو ما يتوافق أصلاً وبكل اختصار مع مجمل السياسات الليبرالية المعتمدة والمطبقة، المحابية لهذه الشريحة على طول الخط.

الإسمنت مهماز والباقي بالانتظار

بعد بضعة أيام فقط على رفع سعر الفيول كانت النتيجة المباشرة على ذلك صدور قرار رسمي يقضي برفع سعر الإسمنت المنتج لدى المعامل والشركات التابعة للمؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء بكافة أنواعه، وذلك استناداً لموافقة اللجنة الاقتصادية على كتاب وزارة الصناعة المتضمن تكاليف الإنتاج.

من المؤكد، أنه لا يمكن غض الطرف عن التداعيات السلبية الكبيرة لهذا الرفع على مجمل عمل قطاعات الإنشاءات العامة والبناء وتكاليفها، وعلى أسعار العقارات والبيوت، وعلى تكاليف عمليات الترميم الاضطرارية التي يقوم بها المواطنون في هذه الفترة على بيوتهم المدمرة جزئياً بغاية الاستقرار فيها مجدداً، فهذه النتائج والتداعيات السلبية أكبر من أن تعد وتحصى!

لكن بالمقابل، إن ذلك يشير إلى أن كافة السلع المنتجة، التي تعتمد في صناعتها على الفيول للتشغيل، سيطالها الرفع المتتابع لأسعارها خلال الأيام القريبة القادمة، سواء تم الإعلان عن ذلك بشكل رسمي أو لم يتم، وطبعاً سيكون ذلك على حساب المواطن ومن جيبه بالنتيجة، وهو ما يجري مع كل رفع سعري لأحد المشتقات النفطية.

فبعد قرارات رفع سعر المازوت والبنزين خلال الفترة القريبة الماضية، والتي أدت إلى سلسلة من الارتفاعات السعرية على أسعار السلع والخدمات في الأسواق، ها هي سلسلة جديدة من الرفع السعري بدأتها وبشكل رسمي وزارة الصناعة كمهماز على أحد منتجاتها، ولن يقف الأمر عند ذلك طبعاً، وما علينا إلّا انتظار التتمة الآتية تباعاً من كل بد، والتي سيدفع ضريبتها المواطنون بالنتيجة.

الكارثة الأعظم

أما الكارثة، فهي بحال إعادة دراسة تكاليف توليد الطاقة الكهربائية وفقاً لمتغيرات أسعار المشتقات النفطية، ورفع سعرها استناداً لهذه المتغيرات، مع ما يعنيه ذلك من سلاسل رفع أسعار متتالية تطال كافة السلع والخدمات أيضاً، بما في ذلك وأهمها: سعر استهلاك الطاقة الكهربائية المنزلية على عموم المواطنين طبعاً.

فعلى الرغم من النفي الذي ورد على لسان عضو لجنة الأسعار في وزارة التجارة الداخلية بأنه: «بسبب ثبات سعر الكيلو واط الساعي لدى وزارة الكهرباء، فإن ارتفاع سعر الفيول سيضاف إلى عجز الدولة، وليس على المواطن»، إلّا أن الواقع يشير إلى أن كلام الليل يمحوه النهار بالنسبة للتصريحات الرسمية، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى.

بين الأمس واليوم

بالعودة إلى مبرر رفع سعر الفيول، وربطه مع السعر العالمي المتغير، تجدر الإشارة إلى أن سعر الفيول في بداية عام 2011 كان 8500 ليرة لكل طن، عندما كان سعر الدولار بحدود 50 ليرة، أي: إن سعر الطن كان بحدود 170 دولاراً للطن، متضمناً التكاليف والأرباح طبعاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المخصصات الصناعية كانت تتلقى دعماً، مباشراً وغير مباشر، بتلك الفترة، وإن كان محدوداً وغير كافٍ، لكنه كان موجوداً، وليس كما هو الحال عليه الآن بعد إجراءات رفع الدعم المتتالية التي طالت الإنتاج والصناعة والسلع والخدمات و..

أما السعر الحالي للطن فقد أصبح بموجب القرار الأخير 333,500 ليرة، وبموجب السعر الرسمي الدولار البالغ 1250 ليرة، فإن سعر الطن يقدر بحدود 266,8 دولاراً.

الفارق السعري بين عام 2011 وعام 2020 هو زيادة بمقدار 96,8 دولاراً، أي: بحدود 121 ألف ليرة في كل طن، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أسعار المشتقات النفطية لم يطرأ عليها هذا التغير عالمياً خلال هذه السنين.

فإذا كان هذا الفارق الكبير هو «الإضافة المشروعة» على التكاليف وفقاً لذرائع العقوبات والحصار الحالية، فلكم أن تحسبوا إجمالي الفرق السعري بحسب كميات الفيول اللازمة للتشغيل الصناعي والإنتاجي بكل منشأة، ومعرفة جزء من الأسباب المحقة لاعتراض الصناعيين على مستوى إجمالي تكاليفهم، مع نتائجها السلبية المعممة بالنتيجة.

أما المُغيب، دائماً وأبداً، فهو الحساب الإجمالي لهوامش الربح التي يجنيها محظيو استيراد المشتقات النفطية الكبار، نهباً وفساداً، بذريعة التكاليف، ومبررات العقوبات والحصار، برعاية حكومية طبعاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
997