سوء الإدارة الرسمية من سوء السياسات وليس العكس!

سوء الإدارة الرسمية من سوء السياسات وليس العكس!

تزايدت خلال الأشهر القريبة الماضية الانتقادات الموجهة للحكومة، ولجنتها الاقتصادية ووزاراتها، كظاهرة مستجدة من قبل بعض الاقتصاديين والمحللين والإعلاميين، بل وحتى من قبل بعض الوزراء السابقين، أو بعض المسؤولين السابقين في مراكز القرار الحكومي، وقد تناولت هذه الانتقادات بعض القرارات الحكومية، أو بعض أوجه نتائج السياسات الرسمية المتبعة!
فهل من جديد حقيقي على مستوى التغيير المطلوب يمكن التعويل عليه وفقاً لهذا الشكل المستجد المتبع من الانتقادات المتكاثرة كظاهرة، أم أنها زوبعة في فنجان، لا تلبث أن تخبو ليبقى الحال على ما هو عليه من سوء وتردٍّ على المستويات كافة؟!

لن نقلل طبعاً من أهمية وضرورة الانتقادات لتسليط الأضواء على مكامن الخلل في العمل الحكومي والرسمي بغاية معالجتها وتصويبها، إن أمكنَ ذلك طبعاً، لكن الجامع بين أشكال الانتقادات المستجدة، مع بعض الاستثناءات التي تثبت القاعدة ولا تنفيها بهذا الصدد، أنها تركز على الإدارة الحكومية في تناولها لبعض الملفات، مع الشخصنة أحياناً، وفيما بين سطور هذه الانتقادات يجري فصل ميكانيكي مقصود بين جملة السياسات الليبرالية المتبعة منذ عقود، وبين نتائجها الكارثية الملموسة ككل متكامل، لتبدو هذه النتائج وكأنها حدث عرضي بسبب سوء إداري حكومي ورسمي يتم توجيه سهام الانتقادات إليه، وليس بسبب سوء جملة السياسات الليبرالية الرسمية نفسها!
مع الأخذ بعين الاعتبار، أننا لا ننفي دور سوء الإدارة في تعزيز مساوئ السياسات لزيادة سوئها، لكن تجدر الإشارة إلى أن سوء الإدارة الحكومية والرسمية نفسها كظاهرة ما هي إلا نتيجة حتمية لسوء السياسات، كحال كل الظواهر والآفات السلبية التي تفشت وتعمقت بسببها!
ولعل ما يعنينا من جملة ما يطرح من انتقادات مستجدة هي خواتيمها المتوخاة منها!
فوفقاً لشكل ونموذج الطرح المشخصن للانتقادات كسوء عرضي إداري فقط، فإن نتيجتها في أحسن الأحوال ستنحصر بتغيير بعض الوجوه الرسمية في بعض المواقع، أو ربما بتغيير الحكومة نفسها ككل، فيما تستمر جملة السياسات السيئة على حالها، مع نتائجها الكارثية على المستويات كافة!
فخلال العقود الماضية، وخلال سنوات الحرب والأزمة وحتى الآن، جرت تغييرات حكومية كثيرة، وكذلك حُرقت أوراق بعض الأسماء الوازنة والبارزة تحت عناوين الإصلاح ومكافحة الفساد، إلا أن ذلك لم يغير شيئاً بواقع الحال!
فالسياسات السيئة، جملة وتفصيلاً، مستمرة بنموذجها المتوحش دون تغيير، لتسير عليها الحكومات المتعاقبة مستكملة ما لم تنجزه سابقتها من مهام، اعتباراً من سياسات تخفيض الإنفاق العام، مروراً بسياسات تقليص الدعم، وصولاً لإنهائه، وليس انتهاءً بسياسات الخصخصة المباشرة وغير المباشرة، وضمن كل ذلك، تكريس تهميش دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي وتغييبه تباعاً، وصولاً لابتلاعه كاملاً إن أمكن ذلك، وكل ذلك بغاية زيادة سيطرة وتحكم ونفوذ كبار أصحاب الأرباح على مقدرات البلاد والعباد، التي تُجيّر جملة السياسات الليبرالية المتبعة رسمياً لمصلحتهم على طول الخط، بالضد من مصالح الغالبية المفقرة والمصلحة الوطنية!
فالتغيير الحقيقي والجدي المطلوب هو تغيير جملة السياسات الليبرالية السيئة بنموذجها ونتائجها التوحشية المتبعة رسمياً، وكل ما عدا ذلك هو ذر للرماد في العيون، وضمناً جوقة الانتقادات المستحدثة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، لا بالنسبة للغالبية المفقرة ولا بالنسبة للمصلحة الوطنية، بل تصب بخانة زيادة غنى وتسمين القلة نفسها، من كبار حيتان النهب والفساد والنفوذ في البلاد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1159
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 14:08