تهريب العملات.. قصة سورية قديمة جديدة

تهريب العملات.. قصة سورية قديمة جديدة

لطالما سمعنا عن تأثير الأسواق المجاورة على سعر الصرف داخل البلاد وعن الترابط القوي بين الاقتصاد السوري والاقتصادات المحيطة في كل المجالات زراعياً وصناعياً وتجارياً ولكن هذا الارتباط ومع توسع اقتصاد الظل السوري وتوسع إيراداته شكل بوابة رئيسية لشرعنة الأموال غير الشرعية .

وكان الاتجاه الغالب له بتحويل الإيرادات من سورية إلى الأسواق المجاورة

جرت العادة على تحويل هذه الإيرادات بالدولار بعد أن تبدل في سوق الصرف غير النظامية سابقاً والنظامية حالياً.. خلال الأزمة توسعت هذه العملية مع ازدياد تحويل الإيرادات من الليرة السورية إلى القطع، واللجوء إلى مصارف الدول المجاورة وذلك خوفاً من الأوضاع المالية والنقدية في سورية.. لهذه العملية أثر سلبي كبير على السوق السورية ويتم استخدامها بشكل منظم، للتضييق على الاقتصاد السوري والتأثير على سعر صرف العملة..
تهريب العملة
منذ سنين ونحن نسمع عن ضبوطات مختلفة لكميات مختلفة من العملات والذهب المهرب والتي تضبط على الحدود السورية المختلفة، والتي تعد تهريباً للقطع الأجنبي واستنزافاً لمقدرات البلاد الاقتصادية. يستفيد من هذه التهريبات جميع القطاعات الاقتصادية التي تعمل ضمن اقتصاد الظل، والتي تجد في هذه الآليات منفذاً للتهرب من الافصاح عن حجم أعمالها وطريقاً سهلاً للدفع للجهات الخارجية المصدرة ويستفيد منها أيضا كل من يسعى إلى تكديس مدخراته في مصارف خارجيّة وذلك عن طريق أشخاص أو شركات تعمل بتحويل الأموال حيث تملك هذه الجهات (المحوِّلة) حسابات مفتوحة في مصارف أو لدى شركات صرافة في بلدان مجاورة تقوم بالتحويل عن طريقها بعد أن تغذي هذه الحسابات بالعملات الأجنبية والعربيّة المشتراة داخل البلاد أو عن طريق استقبال إيرادات صادرات التجار على هذه الحسابات بدل أن تدخل البلاد - سبيل آخر للتهرب – تشرف مؤسسات الصيرفة المرخصة وغير المرخصة على هذه العملية المعقدة والتي لا يمكن حساب كم كلفت الاقتصاد الوطني أو معدل دوران السلع التي تجري عن طريقها، ويقتات منها التجار على كافة أشكالهم وأحجامهم صغارا أم كبارا موالاة أم معارضة - عند الحديث عن التجارة ودوران الأموال لا يوجد فرق - ويبدو من استمرار هذه العمليّة رغم كل الضبوطات التي حصلت أن هناك أطرافا متواطئة من أجهزة الجمرك والأجهزة الأمنية المسؤولة عن هذه القطاعات..
كما تشكل سياسات المصرف المركزي «مضخة» لتجار تهريب العملات، المتمثلة بعمليات الضخ الدوري للقطع الأجنبي والتي تعادل ما يطلبه السوق أسبوعياً، وهي مبالغ تخرج من السوق السورية أو تعود لاحتكار السوق السوداء..
الأطراف الإقليمية
تعرف جهات الحرب الاقتصادية في الخارج جيداً هذه اللعبة وتتقن لعبها وتدرك مدى فعاليّة تهريب الأموال في الاقتصاد السوري لذلك تسعى في زمن الأزمات إلى استغلال هذه الظاهرة عن طريق حث الجهات المهرِّبة والجهات الداخليّة الطالبة للتهريب، على تهريب العملة السوريّة إلى الخارج لكي تقوم بتكديسها والعمل على التحكم بسعر صرف الليرة عن طريق ضخها أو التمسك بها، يتم ذلك عن طريق عرض القطع الأجنبي المطلوب من التجار ومن المدَّخرين بسعر أقل من سعره في السوق الداخليّة مما يشجع الطالبين على القيام بتهريب أموالهم الموجودة بالليرة السورية لديهم إلى الخارج ليقوموا بشراء ما يلزمهم من القطع هناك، يشرف على هذه العمليّة في الخارج سياسيو البترو دولار الذين ينفذون أجندات بواجهة مؤسسات صيرفة حيث تكسبهم هذه الآليّة قوة اقتصاديّة كبرى للتحكم بالسوق السوريّة وبأسعار الليرة..
تهريب الليرة
ظهرت في الأزمة ظاهرة كانت محدودة وصغيرة، ولكنها توسعت خلال المرحلة السابقة، وهي عملية تهريب الليرة السورية إلى الأسواق المجاورة، والتي يتضح أن الطلب عليها له بعد سياسي تحديداً.. ظهرت هذه الظاهرة في مراحل وأزمات سابقة كما في غزو العراق وبعد اغتيال رفيق الحريري وأثناء حرب تمّوز على لبنان حيث شهدت الليرة تراجعا ملحوظا آنذاك كان سببه التلاعب بكميّات عرضها من الخارج. يدرك المشرفون على سياسات المصرف المركزي ذلك ولكنهم لا يقومون بأي مبادرة لإيقاف هذه الظاهرة بتحديد حركة الرساميل، بل يبدو أنهم يعوّلون على «وطنيّة » الأطراف المتورطة..

تقدير أرباح عملية افتراضية

تحقق هذه الآليّة أرباحا خياليّة للمهربين ولمؤسسات الصيرفة التي تشرف على هذا التهريب بأرباح يومية تصل إلى حوالي نصف مليون ل.س..
• تهريب الدولار: فبأخذنا لمبلغ يعد ضئيلا نسبيا على عمليّة تهريب واحدة  ويعادل خمسمائة ألف دولار من الدولار النقدي وعملات أخرى مختلفة بربح يعادل حوالي خمسة دولارات على كل ألف دولار مهرّب موزعة بين الجهة المهرِّبة ومؤسسة الصيرفة يعطي ربحا مقداره ألفان وخمسمائة دولار يومياً أي ما يعادل على أسعار اليوم سبعمائة ألف ليرة سوريّة.
مع العلم أن آخر عمليّة ضبط أشهرت في الإعلام كانت قيمة المهربات فيها تتجاوز المليون وسبعمائة ألف دولار أميركي.
• تهريب الليرة السورية: عند التحدث عن تهريب الليرة السوريّة نفرض رقما تقديريا يعادل مئة مليون ليرة سوريّة لعملية التهريب اليوميّة العاديّة بربح خمسة بالألف أيضا يعطي ربحا تقديريا قيمته خمسمائة ألف ليرة سوريّة، تسحب هذه الأرباح من جيوب التجار وطالبي التحويل لتخلص بالنهاية لأن يدفعها المواطن على كل قطعة مستوردة يبتاعها..
آفة يعاني منها اقتصادنا كما تعاني منها اقتصادات البلدان الناميّة التي لحقت ركب الجارين وراء الاقتصاد الليبرالي والسوق المفتوح لتعصف به يوم الأزمات وتكون نقطة ضعف أخرى اقتصادية وأمنية تستغلها جهات معادية للشعوب ومناصرة للجيوب ..