أحداث «الربيع العربي» كرّست عصر الصورة

أحداث «الربيع العربي» كرّست عصر الصورة

«عصر الصورة» مقولة لم تنسب لشخص بعينه ولعلها قيلت من أكثر من شخص في أوقات متقاربة، لكنها لم تكرّس وتعتمد كوصف لهذا العصر إلا في العام الماضي عام الربيع العربي وثوراته التي شغلت وبهرت العالم كله وانتشرت عدواها إلى العديد من العواصم والبلدان الأجنبية وكل ذلك بفضل الصورة دون غيرها فهي التي فعلت وساهمت بشكل أساسي في الدور المحوري الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة فبدونها كان هذا التأثير، 

 والتواصل سيظل محدوداً فالكلمة المكتوبة أو المنطوقة على هذه المواقع كانت ستبقى محصورة في دائرة اللغة التي تكتب أو تنطق بها أما الصورة فهي لغة عالمية لغة عصر العولمة والحدود والسماوات المفتوحة بامتياز، وكما فعلت الصورة، وسائل التواصل الاجتماعي قفزت أيضًا بدور الإعلام المرئي خطوات إلى الأمام بفضل التطورات التقنية في وسائل التقاط الصورة وسهولة استخدامها وانتشارها الواسع في شكل آلات تصوير صغيرة ورخيصة وسهلة الاستخدام ويستطيع استخدامها الغالبية من سكان هذا العالم في هواتفهم النقالة..

ومع التعميم والتشويش والقمع لأجهزه الإعلام من الأنظمة، ما كان لأحداث الربيع العربي أن تنجح أو تكسب هذه الأهمية وذلك الاهتمام العالمي دون الصورة ووسائل إيصالها وكان يمكن للخطابات والروايات الكاذبة للأنظمة القامعة أن تكتسب بعض المصداقية أو تثير الشك على الأقل في روايات الثورة والثوار، دون هذه اللقطات المذهلة والمبهرة للملايين في الميادين وسلوكهم الحضاري السلمي في مواجهة الهجمات الوحشية والهمجية للأنظمة التي وثقتها وفضحتها الصورة دون غيرها. وبقدر ما كرّست هذه الثورات عصر الصورة ودورها بقدر ما قدّمت هذه المشاهد واللقطات الخدمات الأهم والأنجح لهذه الثورات بما أثارته من تأثير وتعاطف وتحرك شعبي ودولي وقد خلق هذا الزخم المرئي حالة من الاهتمام العالمي الكاسح بنوع جديد من الأفلام الوثائقية فتحت لها المهرجانات السينمائية أبوابها على مصراعيها في كان وباريس وبرلين وفينيسيا وروتردام وغيرها بل وخصصت لها مهرجانات متخصصة وخلقت قواعد جديدة لهذه النوعية السينمائية ينتظر أن تسفر في قادم الأيام عن مدارس وموجات واتجاهات جديدة في الفيلم الوثائقي، لقد أفرزت أحداث الربيع العربي ومشاهدها وكواليسها وشخصياتها جيلاً جديداً من صنّاع الأفلام، بقدر ما طورت من رؤية مخرجين معتمدين على علم يعد نقاء الصورة والتكوينات الكلاسيكية على الأسس الأكاديمية هو المقياس الوحيد المعتمد للتميز والجودة..

ووصل الأمر إلى حد تنظيم مسابقات ومهرجانات لأفلام الموبايل في القاهرة وعدد من العواصم، والأهم من ذلك تنظيم مهرجان كامل على موقع التواصل الاجتماعي لأفلام الأحداث والأزمة السورية ومنح شهادات تقدير وجوائز للأفلام المتميزة وفق الشروط والمواصفات الجديدة لهذه السينما الوليدة التي يتوقع لها البعض أن تشكل رافداً مهماً للفن السابع في الفترة القادمة وقد حقق عدد من الأفلام التي أفرزتها ثورات الربيع العربي مكانة فنية ونجاحًا جماهيريًا لافتًا مثل فيلم «18 يوماً» وفيلم «مولود في 25 يناير» المـصريين، ولا تزال في الطريق الكثير من المشاريع لأفلام وثائقية اعتمدت بشكل أساسي على المشاهد الحية التي جرى تصويرها بالأساليب الحديثة لعصر الصورة. ومما لا شك فيه أن تسيّد أجهزة التصوير الرقمية الحديثة سهلة الاستخدام بديلاً عن أجهزة التصوير السينمائي والفيديو التقليدية قد ساهم بشكل أساسي في دخول العالم إلى عصر الصورة التي أصبحت أحد المكونات الرئيسية للعولمة وعصر القرية الكونية الصغيرة.

آخر تعديل على الأحد, 23 آذار/مارس 2014 23:21