إضاءة على التقرير الاقتصادي للاتحاد العام لنقابات العمال
عدسة قاسيون

إضاءة على التقرير الاقتصادي للاتحاد العام لنقابات العمال

انطلاقاً من الأهمية السياسية والوطنية للحركة النقابية والدور المفترض أن تلعبه في مواجهة السياسات الاقتصادية الليبرالية التي كان عاملها مؤثر وكبير في إنتاج الأزمة الوطنية وما آلت إليه من تطورات باتت تهدد ليس الاقتصاد الوطني فحسب بل تهدد الوطن برمته أرضاً وشعباً، انطلاقاً من هنا يأتي حرصنا على الحوار والنقاش مع ما تصدره الحركة النقابية من مواقف مختلفة في الشأن النقابي أو الاقتصادي.

 إن قوة موقف الحركة النقابية في مواجهة قوى الفساد الكبير والسياسات الاقتصادية الليبرالية سيغير الكثير من المعادلات على الصعيد الداخلي، وبالمقابل الموقف الوسط سيؤدي إلى إضرار بالمصلحة الوطنية وبحقوق الطبقة العاملة السورية، وانطلاقاً من هذا نلقي بعض الضوء على ما جاء في التقرير الاقتصادي المقدم إلى المؤتمر العام لنقابات العمال للدورة الانتخابية 26، ونوضح موقفنا الناقد لعدم وضوح الرؤية الاقتصادية للنقابات: 

عدم الدعوة للقطع مع الليبرالية

يعتبر التقرير أن السياسات الاقتصادية و الاجتماعية التي طبقت في المرحلة السابقة أدت إلى زيادة معدلات الفقر وتقويض للعدالة الاجتماعية وإهمال متعمد للقطاع العام عبر استنزافه ومحاولات تصفيته عوضا عن إصلاحه، وهذا كان الحصاد المر لسياسات اقتصاد السوق التي طبقتها الحكومات وتجاهلت البعد الاجتماعي مما زاد من معاناة الغالبية العظمى من أبناء الكادحين، فانعكس ذلك على مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة ونتج عنها تشوه هيكلي في بنية الاقتصاد السوري لصالح القطاعات الخدمية على حساب التراجع في القطاعات الإنتاجية السلعية، على الرغم من اعتراف التقرير بالفشل الذريع لهذه السياسات واثارها المدمرة وبشكل أساسي على الطبقة العاملة، إلا أنه لا يخلص إلى ضرورة القطع النهائي معهاـ بل يدعو إلى الاستمرار باعتمادها ولكن تحت العناوين المخففة، والمجربة سابقاً مثل: (اقتصاد السوق الاجتماعي، المعدل، المتوازن.. إلخ) وبالتالي هذه السياسات المبتغاة ما هي إلا عودة إلى الوراء وليست تجاوزاً لما سبق.

تحرير التجارة الخارجية

 يذكر التقرير أن تحرير التجارة الخارجية والداخلية هو السياسة السليمة على المدى الطويل شرط أن يتم في إطار من الضوابط تحت مسمى سياسة الانفتاح الإيجابي الفاعل على الاقتصاد العالمي، مع التأكيد على أن تطبيق مبدأ الحماية في المرحلة القادمة من مراحل إعادة الاعمار لا تتعارض مع فلسفة اقتصاد السوق وحرية التبادل التجاري. 

بما يتفق مع عدم القطع مع الليبرالية فإن التقرير يعلن موافقته على واحدة من أبرز أدوات وسياسات اقتصاد السوق، وهي تحرير التجارة الخارجية والداخلية، ولكنه يرفقها بتعديل متعلق بالحماية التي لا تتعارض مع فلسفة السوق!. يدعو تقرير نقابات العمال إلى تحرير التجارة، في الوقت الذي يجب أن يعبر عن مصلحة  القوى العاملة بأجر والتي تعاني ما تعانيه من آثار التجارة الحرة التي لا يمكن إلا أن تؤدي إلى الاحتكار، والارتفاع المستمر بمستويات الأسعار، وتآكل الأجور!. كما ينبغي التذكير بأن تحرير التجارة كان له الأثر السلبي الأكبر على المنتجين السوريين، والطبقة العاملة، وعلى الاقتصاد الوطني إجمالاً، حيث أغرقت السوق السورية بالمستوردات، وأغلقت العديد من المعامل والورش وفقد آلاف العاملين أعمالهم قبل الازمة.

رفع الرواتب والأجور

يذكر التقرير أن أي رفع للرواتب والأجور سيشكل عبئا ثقيلاً على الموازنة العامة للدولة ربما من الصعب تغطيته بما أن كتلة الرواتب والأجور تشكل نسبة كبيرة من النفقات الجارية دون أن يقابلها إنتاج أو إيراد أو ربح مواز. 

ربما أكثر ما في التقرير تناقضاً مع المصلحة العامة للطبقة العاملة، هو اعتبار زيادة الأجور والرواتب عبئأ عوضاً عن اعتبارها مهمة وأولوية يجب أن تتنطح لها النقابات وتدافع عنها!. حيث أننا في مرحلة تنتهج فيها الحكومة، سياسة تثبيت الأجور عند حدود شديدة التدني، بينما تقوم بتحرير الأسعار وإزالة بقايا الدعم!. وهذه السياسة في إدارة الحكومة للمال العام الذي ينتجه عمال سورية، ومنتجيها كافة، يجب أن تلقى مواجهة ورفضاً من ممثلي الطبقة العاملة، وهذا ما لم يتم. زيادة الرواتب أصبحت مطلباً ملحاً وأساسياً لسد الفجوة بين الحد الأدنى للأجور (13760 ل.س) والحد الأدنى لمستوى المعيشة (يقارب 75 ألف ل.س قبل رفع الأسعار الأخير). 

القوى العاملة السورية تنتج وتأخذ 20% فقط

يخلص التقرير بأنه لا مصلحة لنا في زيادة الرواتب والأجور، مع العلم أن العجز في الموازنة العامة للدولة لم يأتي من ضخامة الإنفاق،  بل جاء بسبب ضآلة الموارد التي سببتها قوى النهب والفساد التي تستحوذ على أكثر من 30% من الدخل القومي. والتي يجب أن تعتبر مصادرة أموالها المصدر الأول للموارد، وليس التعدي على أجور العاملين. والتقرير لا يلحظ هذه المسألة مع أنه يقر بالارتفاع المستمر للأسعار وبالتراجع المستمر للقدرة الشرائية للأجور، وبالاختلال في التوازن بين الأجور والأرباح الذي أصبح في الأزمة 20% للأجور مقابل 80% للأرباح. كان على التقرير أن ينطلق من ضرورة حل التفاوت الكبير في توزيع الدخل بين الأجور والأرباح، داعياً ليس فقط إلى زيادة الأجور بشكل مستمر، بل إلى زيادة تحصيل  المال العام من أموال الربح الكبير -الشرعي وغير الشرعي- وتخصيصها للإنتاج والمنتجين.

توصيف غير صريح

 يرى التقرير أنه ينطبق على سوريا نموذج الدولة المتدخلة التي تعمل لضمان مصالح الشرائح الأكبر من الشعب، العمال والفلاحون وصغار الكسبة. يعتبر هذا التوصيف للنموذج الاقتصادي السوري الحالي، توصيفاً غير دقيق، أو غير صريح. 

ينبغي على ممثلي العمال أن يتساءلوا، كيف تكون السياسة الاقتصادية قائمة على (الدولة المتدخلة لصالح العمال والفلاحين والفئات الأوسع..) طالما أن أصحاب الربح يحصلون على 80% من الدخل، على حساب الطبقة العاملة؟!. وطالما أن السياسة تعمل بشكل واضح على التخلي عن دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي، وأبرز ما يوضح ذلك التخلي التدريجي عن الدعم في أهم القطاعات الاقتصادية، كما في قطاع المحروقات والاعتماد على القطاع الخاص لتولي مهمات كبرى من هذا النوع؟! وهذا على سبيل المثال لا الحصر. 

إن توصيف ممثلي العمال للواقع الاقتصادي توصيفاً دقيقاً وموضوعياً، هو الخطوة الأولى لوضع مهمات دقيقة وضرورية. لذلك فإن التقرير لم ينجح في التوصيف ولا في صياغة المهمات الضرورية، ولا يعتبر تقريراً يقدم رؤية بديلة عن السياسات الاقتصادية التي أرهقت الطبقة العاملة قبل غيرها.